الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح53 عناصر الإيمان التي يؤمن بها الذين آمنوا ج1

بسم الله الرحمن الرحيم


(يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ور‌سوله والكتاب الذي نزل على ر‌سوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر‌ بالله وملائكته وكتبه ور‌سله واليوم الآخر‌ فقد ضل ضلالا بعيدا). (النساء 136)


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء السادس والعشـرين نتناول فيه الآية الكريمة السادسة والثلاثين بعد المائة من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللـه ور‌سوله والكتاب الذي نزل على ر‌سوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر‌ باللـه وملائكته وكتبه ور‌سله واليوم الآخر‌ فقد ضل ضلالا بعيدا).

 

نقول وبالله التوفيق:


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "إنه النداء الثاني للذين آمنوا بصفتهم هذه التي تفردهم من الجاهلية حولهم وتحدد وظيفتهم وتكاليفهم وتصلهم بالمصدر الذي يستمدون منه القوة والعون على هذه التكاليف! (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل)... فهو بيان لعناصر الإيمان التي يجب أن يؤمن بها الذين آمنوا، بيان للتصور الإسلامي الاعتقادي، فهو إيمان بالله ورسوله، يصل قلوب المؤمنين بربهم الذي خلقهم، وأرسل إليهم من يهديهم إليه، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وإيمان برسالة الرسول وتصديقه في كل ما ينقله لهم عن ربهم الذي أرسله، وهو إيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله، يربطهم بالمنهج الذي اختاره الله لحياتهم وبينه لهم في هذا الكتاب، والأخذ بكل ما فيه، بما أن مصدره واحد، وطريقه واحد وليس بعضه بأحق من بعضه بالتلقي والقبول والطاعة والتنفيذ. وهو إيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل، بما أن مصدر الكتب كلها واحد هو الله، وأساسها كذلك واحد هو إسلام الوجه لله وإفراد الله سبحانه بالألوهية بكل خصائصها، والإقرار بأن منهج الله وحده هو الذي تجب طاعته وتنفيذه في الحياة .. وهذه الوحدة هي المقتضى الطبيعي البديهي لكون هذه الكتب - قبل تحريفها - صادرة كلها عن الله.

 

أيها المؤمنون:


ومنهج الله واحد، وإرادته بالبشر واحدة، وسبيله واحد، تتفرق السبل من حولها وهي مستقيمة إليه واصلة. والإيمان بالكتاب كله - بوصف أن الكتب كلها كتاب واحد في الحقيقة - هو السمة التي تنفرد بها هذه الأمة المسلمة. لأن تصورها لربها الواحد، ومنهجه الواحد، وطريقه الواحد، هو التصور الذي يستقيم مع حقيقة الألوهية. ويستقيم مع وحدة البشرية. ويستقيم مع وحدة الحق الذي لا يتعدد .. والذي ليس وراءه إلا الضلال "فماذا بعد الحق إلا الضلال".

 

أيها المؤمنون:


وبعد الأمر بالإيمان، يجيء التهديد على الكفر بعناصر الإيمان مع التفصيل فيها في موضع البيان قبل العقاب: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا...) وقد ذكر في الأمر الأول الإيمان بالله وكتبه ورسله. ولم يذكر الملائكة. وكتب الله تتضمن ذكر الملائكة وذكر اليوم الآخر، ومن مقتضى الإيمان بهذه الكتب الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر. ولكنه يبرزها هنا؛ لأنه موطن الوعيد والتهديد، الذي يبين فيه كل عنصر على التحديد. والتعبير بالضلال البعيد غالبا يحمل معنى الإبعاد في الضلال، الذي لا يرجى معه هدى ولا يرتقب بعده مآب! والذي يكفر بالله الذي تؤمن به الفطرة في أعماقها كحركة ذاتية منها واتجاه طبيعي فيها، ويكفر بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، استمدادا من كفره بالحقيقة الأولى .. الذي يكفر هذا الكفر تكون فطرته قد بلغت من الفساد والتعطل والخراب، الحد الذي لا يرجى معه هدى ولا يرتقب بعده مآب!

 

وبعد هذين النداءين للذين آمنوا يأخذ السياق في الحملة على النفاق والمنافقين. ويبدأ بوصف حالة من حالاتهم الواقعة حينذاك، تمثل موقف بعضهم، وهو أقرب المواقف إلى الحديث عن الكفر والكفار: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا)... إن الكفر الذي يسبق الإيمان يغفره الإيمان ويمحوه. فالذي لم يشهد النور معذور إذا هو أدلج في الظلام .. فأما الكفر بعد الإيمان مرة ومرة .. فهو الكبيرة التي لا مغفرة لها ولا معذرة .. إن الكفر حجاب فمتى سقط فقد اتصلت الفطرة بالخالق. واتصل الشارد بالركب، واتصلت النبتة بالنبع، وذاقت الروح تلك الحلاوة التي لا تنسى .. حلاوة الإيمان .. فالذين يرتدون بعد الإيمان مرة ومرة، إنما يفترون على الفطرة، عن معرفة، ويلجون في الغواية عن عمد، ويذهبون مختارين إلى التيه الشارد والضلال البعيد .. فعدل ألا يغفر الله لهم، وعدل ألا يهديهم سبيلا؛ لأنهم هم الذين أضاعوا السبيل بعد ما عرفوه وسلكوه. وهم الذين اختاروا السيئة والعمى، بعدما هدوا إلى المثابة والنور .. (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، وللحديث بقية، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا، واجعله اللهم حجة لنا لا علينا.. آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


محمد أحمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع