الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح58 الأمر بالوفاء بالعقود, وبيان ما يحل وما يحرم من الذبائح ‏ج1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

‏(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود * أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير ‌محلي الصيد وأنتم ‏حر‌م إن الله يحكم ما ير‌يد).‏



الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. ‏والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, ‏واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. ‏


أيها المؤمنون: ‏


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا ‏للذين آمنوا, ومع النداء الثامن والعشرين نتناول فيه الآية الكريمة الأولى من سورة المائدة التي يقول فيها الله تبارك ‏وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود * أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير‌ محلي الصيد ‏وأنتم حر‌م إن الله يحكم ما ير‌يد)‏

 

أيها المؤمنون: ‏


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: إنه لا بد من ضوابط للحياة .. حياة ‏المرء مع نفسه التي بين جنبيه, وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة .. الناس من الأقربين ‏والأبعدين، من الأهل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة, ومن الأصدقاء والأعداء .. والأحياء مما سخر الله ‏للإنسان ومما لم يسخر .. والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض .. ثم .. حياته مع ربه ومولاه ‏وعلاقته به وهي أساس كل حياة. والإسلام يقيم هذه الضوابط في حياة الناس. يقيمها ويحددها بدقة ووضوح, ‏ويربطها كلها بالله سبحانه, ويكفل لها الاحترام الواجب، فلا تنتهك، ولا يستهزأ بها, ولا يكون الأمر فيها ‏للأهواء والشهوات المتقلبة ولا للمصالح العارضة التي يراها فرد، أو تراها مجموعة أو تراها أمة، أو يراها جيل من ‏الناس فيحطمون في سبيلها تلك الضوابط ..

فهذه الضوابط التي أقامها الله وحددها هي «المصلحة» ما دام أن ‏الله هو الذي أقامها للناس .. هي المصلحة ولو رأى فرد ، أو رأت مجموعة أو رأت أمة من الناس أو جيل أن ‏المصلحة غيرها! فالله يعلم والناس لا يعلمون! وما يقرره الله خير لهم مما يقررون! وأدنى مراتب الأدب مع الله ‏سبحانه أن يتهم الإنسان تقديره الذاتي للمصلحة أمام تقدير الله. أما حقيقة الأدب فهي ألا يكون له تقدير ‏إلا ما قدر الله. وألا يكون له مع تقدير الله، إلا الطاعة والقبول والاستسلام، مع الرضى والثقة والاطمئنان .. ‏هذه الضوابط يسميها الله «العقود» .. ويأمر الذين آمنوا به أن يوفوا بهذه العقود .. ‏


أيها المؤمنون: ‏


وافتتاح هذه السورة بالأمر بالوفاء بالعقود، ثم المضي بعد هذا الافتتاح في بيان الحلال والحرام من الذبائح ‏والمطاعم والمشارب والمناكح. وفي بيان الكثير من الأحكام الشرعية والتعبدية. وفي بيان حقيقة العقيدة ‏الصحيحة. وفي بيان حقيقة العبودية وحقيقة الألوهية. وفي بيان علاقات الأمة المؤمنة بشتى الأمم والملل ‏والنحل. وفي بيان تكاليف الأمة المؤمنة في القيام لله والشهادة بالقسط والوصاية على البشرية بكتابها المهيمن ‏على كل الكتب قبلها، والحكم فيها بما أنزل الله كله والحذر من الفتنة عن بعض ما أنزل الله والحذر من عدم ‏العدل تأثرا بالمشاعر الشخصية والمودة والشنآن ..


أيها المؤمنون: ‏


افتتاح السورة على هذا النحو، والمضي فيها على هذا النهج يعطي كلمة «العقود» معنى أوسع من المعنى الذي ‏يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. ويكشف عن أن المقصود بالعقود هو كل ضوابط الحياة التي قررها الله .. وفي ‏أولها عقد الإيمان بالله ومعرفة حقيقة ألوهيته سبحانه، ومقتضى العبودية لألوهيته .. هذا العقد الذي تنبثق ‏منه، وتقوم عليه سائر العقود وسائر الضوابط في الحياة. وعقد الإيمان بالله, والاعتراف بألوهيته وربوبيته ‏وقوامته, ومقتضيات هذا الاعتراف من العبودية الكاملة، والالتزام الشامل والطاعة المطلقة والاستسلام العميق ‏‏.. هذا العقد أخذه الله ابتداء على آدم عليه السلام وهو يسلمه مقاليد الخلافة في الأرض، بشرط وعقد هذا ‏نصه القرآني: (قلنا: اهبطوا منها جميعا. فإما يأتينكم مني هدى، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم ‏يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).. فهي خلافة مشروطة باتباع ‏هدى الله الذي ينزله في كتبه على رسله وإلا فهي المخالفة لعقد الخلافة والتمليك. المخالفة التي تجعل كل عمل ‏مخالف لما أنزل الله باطلا بطلانا أصليا غير قابل للتصحيح المستأنف! وتحتم على كل مؤمن بالله، يريد الوفاء ‏بعقد الله، أن يرد هذا الباطل، ولا يعترف به ولا يقبل التعامل على أساسه. وإلا فما أوفى بعقد الله. ولقد تكرر ‏هذا العقد- أو هذا العهد- مع ذرية آدم. وهم بعد في ظهور آبائهم. كما ورد في السورة الأخرى: (وإذ أخذ ‏ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا! أن تقولوا ‏يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم. أفتهلكنا بما فعل ‏المبطلون؟) .. فهذا عقد آخر مع كل فرد, عقد يقرر الله سبحانه أنه أخذه على بني آدم كلهم وهم في ظهور ‏آبائهم .. وليس لنا أن نسأل: كيف؟ لأن الله أعلم بخلقه وأعلم كيف يخاطبهم في كل طور من أطوار ‏حياتهم. بما يلزمهم الحجة. وهو يقول: إنه أخذ عليهم هذا العهد، على ربوبيته لهم .. فلا بد أن ذلك كان، ‏كما قال الله سبحانه .. فإذا لم يفوا بتعاقدهم هذا مع ربهم لم يكونوا أوفياء! ‏


أيها المؤمنون: ‏


ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل يوم نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة, وظنوا أنه واقع بهم .. وسنعلم من السياق ‏كيف لم يفوا بالميثاق, وكيف نالهم من الله ما ينال كل من ينقض الميثاق. والذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه ‏وسلم قد تعاقدوا مع الله على يديه تعاقدا عاما «على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وألا ‏ننازع الأمر أهله». وبعضهم وقعت له بعد ذلك عقود خاصة قائمة على ذلك التعاقد العام .. ففي بيعة ‏العقبة الثانية التي ترتبت عليها هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، كان هناك عقد مع ‏نقباء الأنصار .. وفي الحديبية كان هناك عقد الشجرة وهو «بيعة الرضوان».‏

أيها المؤمنون: ‏


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله, فإلى ذلك الحين وإلى أن ‏نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع ‏قلوبنا, وشفاء صدورنا, ونور أبصارنا, وجلاء أحزاننا, وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا, ‏وعلمنا منه ما جهلنا, وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار, على الوجه الذي يرضيك عنا, واجعله اللهم ‏حجة لنا لا علينا.. آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

 

 

محمد أحمد النادي

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع