الجمعة، 24 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح19)- من منشورات حزب التحرير - شرح المادة (144)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

نص المادة (144):

( تجبى الجزية من الذميين, وتؤخذ على الرجال البالغين بقدر ما يحتملونها, ولا تؤخذ على النساء ولا على الأولاد).

عرفت الجزية بأنها: هي حق أوصل الله المسلمين اليه من الكفار, خضوعا منهم لحكم الإسلام, ويلتزم المسلمون للكفار الذين يعطون الجزية بالكف عنهم, والحماية لهم, ليكونوا بالكف آمنين, وبالحماية محروسين. ودليل الجزية في الكتاب والسنة.

أما الكتاب: فقد قال سبحانه وتعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29.

وأما السنة: (فقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام، فمن أسلم قُبل منه, وإلا ضربت عليه الجزية في أن لا تؤكل له ذبيحة ولا تنكح له امرأة)، وتؤخذ على القادر من أهل الكتاب أي من اليهود والنصارى بدليل الآية السابقة (مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) عربا كانوا أم غير عرب, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها من يهود اليمن ومن نصارى نجران, وفي الحديث عن عروة بن الزبير قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى أهل اليمن: (....ومن كان على يهودية أو نصرانية فإنه لا يفتن عنها وعليه الجزية)، وعن أبن شهاب قال: (أول من أعطى الجزية أهل نجران, وكانوا نصارى) وأخذها أبو بكر من نصارى الحيرة وكانوا عربا, كما أخذها عمر من نصارى الشام من عرب وعجم .

وتؤخذ كذلك من غير أهل الكتاب من الصابئة والمجوس والهندوس والشيوعيين وأمثالهم, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذها من مجوس هجر, عن الحسن بن محمد قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام, فمن أسلم قُبل منه, ومن لا, ضربت عليه الجزية في أن لا تؤكل له ذبيحة ولا تنكح له إمراة, كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) رواه مالك .

أما العرب من عبدة الأوثان: فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام, وإلا فالسيف, لقوله تعالى: {... فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ...}التوبة5، وقوله سبحانه: {....سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ...}الفتح16، وكان هذا عام تبوك في السنة التاسعة للهجرة, وفيها نزلت سورة براءة, التي أوجبت الجزية على أهل الكتاب, وقتل المشركين من العرب من عبدة الأوثان، وقد انتهى وجودهم منذ السنة العاشرة للهجرة.

أما الأشخاص أو الفئات التي كانت مسلمة وارتدت عن الإسلام وهي موجودة اليوم في بلاد المسلمين, فإنه ينظر, فإن كانوا قد ولدوا من المرتدين, ولم يرتدوا هم أنفسهم, وإنما الذي ارتد آباؤهم أو أجدادهم أو أجداد أجدادهم, مثل الدروز والبهائيين والإسماعيليين والنصيرين الذين يؤلهون عليا كرم الله وجهه, فإنهم لايعاملون معاملة المرتدين, بل يعاملون معاملة المجوس والصابئة, فتضرب عليهم الجزية ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم, إلا إن جددوا إسلامهم ودخلوا في الإسلام. أما إن ارتدوا هم عن الإسلام ,كأن تحولوا إلى اليهودية أو النصرانية أو الشيوعية, أو إلى أية فكرة تنكر أن الإسلام دين منزل من عند الله, وتنكر أن محمدا رسول الله, اوتنكر أن الإسلام واجب التطبيق أو تنكر السنة أو غير ذلك مما يخرجهم عن الإسلام ,فإنهم يعاملون معاملة المرتدين سواء بسواء.

تؤخذ الجزية من الرجال العقلاء البالغين, ولا تؤخذ منصبي ولا مجنون ولا امرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذا إلى اليمن (أمره أن يأخذ من كل حالم دينار ) رواه أبو داود .

وكتب عمر إلى أمراء الأجناد (أن يضربوا الجزية ولا يضربوها على النساء والصبيان, ولا يضربوها إلا على من جرت عليه الموسى) أي البالغين, رواه أبو عبيد, فإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون, وجب عليه الجزية, وتجب على الرهبان في أديرتهم ,وعلى أهل الصوامع وعلى المرضى وعلى العمى والشيوخ، إن كانوا من أهل اليسار, فآية الجزية تشملهم, أما إن كانوا فقراء فتسقط عنهم الجزية لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة 286, وروى أبو يوسف وأبو عبيد عن عمر بن الخطاب (أنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل أبواب الناس, فقال له ما ألجأك إلى ما أرى؟

قال الجزية والسن والحاجة, فقال له عمر: ما أنصفناك أن كنا أخذنا منك الجزية في شيبتك ثم ضيعناك في كبرك ) وأخذه إلى بيته, وأعطاه ما يقيته, ثم أرسله إلى خازن بيت المال, وأمره أن يسقط عنه الجزية, وأن يعطيه من بيت المال من غير الزكاة.

وتسقط الجزية عند إسلام الشخص, سواء أسلم في أول الحول أم في منتصفه أم في منتصفه أم بعد انقضائه, لقوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ..... }الأنفال38، ولما روي أبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس على مسلم جزية)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام يجب ما كان قبله) رواه أحمد, وإذا كان الإسلام يهدم ما قبله من الشرك والكفر والمعاصي، فكيف لا يهدم الجزية وصغارها؟ والجزية لا تسقط بالموت، يعني إن مات الشخص بعد مرور الحول, فيجب عليه سدادها من تركته كبقية ديونه فإن لم يكن له تركه سقطت عنه, ولا يعفى الذمي من دفع الجزية حتى ولو كان جنديا متطوعا في الجيش الإسلامي يقاتل الكفار, طالما هو باق على كفره.

يختلف مقدار الجزية من مكان إلى أخر, فالرسول النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا عندما أرسله إلى اليمن ( أن يأخذ من كل حالم من أهل الذمة دينارا, أو عدله من المعافر) رواه أبو داود. وعمر رضي الله عنه فرض أهل الشام وأهل مصر على الغني منهم أربعة دنانير, وعلى المتوسط ديناران وعلى الفقير المتكسب دينارا, كما فرض عليهم فوق ذلك طعاما للجند, وضيافة للمسلمين, وفرض على أهل العراق ثمانية وأربعين درهما على الغني وأربعة وعشرين درهما على المتوسط, وأثنى عشر درهما على الفقير المتكسب.

يتبين من هذا أن مقدار الجزية ليس واحدا, وليس محددا بحد واحد ولا يجوز تعديه, بل ترك الشرع للخليفة أن يراعي فيه ناحية اليسار والضيق, بحيث لا يشق على أهل الذمة ولا يكلفهم فوق طاقتهم, فأهل الخبرة وكذلك العرف اللذان يرجع لهما الخليفة عند التقدير, فيعين من أهل الخبرة أشخاصا للتميز بين الأغنياء, والمتوسطين والفقراء, لوضع حدودها كي لا يظلم أهل الذمة ولا يظلم بيت المال فينتقصه حقه.

ويعمل سجل خاص لجميع أهل الذمة حسب أديانهم وفرقهم, يكون له مكان خاص في دائرة الجزية, يحوي جميع المعلومات اللازمة من تواريخ ميلادهم وأعمارهم وموتهم وحالتهم المالية ليكون تقدير أخذ الجزية على أساسه.

والجزية تستوفي بحلول الحول ويكون مرة في السنة, ويعين الحول بأول محرم وينتهي في آخر ذي الحجة, حتى يكون الحول محدد الأول والآخر للجميع, لا أن يكون لكل شخص حول خاص به, ويعين جباة خاصون لاستيفائها, ويمنعوا من أخذ ما يزيد عن مقدارها المفروض على الأشخاص, لأن الزيادة ظلم وغلول, والغلول في النار, ويمنع الجباة من ضرب أو تعذيب من يمتنع عن أدائها, لأن الرسول النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقد روى أبو يوسف عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب مرّ عن قوم وهو بطريق الشام, قد أقيموا في الشمس, يصب على رؤوسهم الزيت, فقال ما بال هؤلاء, فقالوا عليهم الجزية لم يؤدوها, فهم يعذبون حتى يؤدوها, فقال عمر فما يقولون هم, وما يعتذرون في الجزية؟ قالوا يقولون لا نجد, قال فدعوهم, لا تكلفوهم مالا يطيقون, فإني سمعت رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تعذبوا الناس, فإن الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم الله يوم القيامة) فَخُلي سبيلهم. فعلى المعسر منهم أن يأتي بالبينة على عسره, فإن أثبته يمهل إلى ميسرة, فإن لم يثبته وثبت أنه مماطل سجن وترك حتى يدفع الجزية.

والجزية تدفع بالذهب أو الفضة أو غير ذلك من عروض أو حيوان,، فقد أخذ معاذ بدلا عنها مغامرا أي ثيابا, ويجوز أن تجعل الجزية من النقد المتداول.

وإلى أن نلتقي في حلقة قادمة إن شاء الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبو الصادق

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع