تلخيص كتاب سرعة البديهة ح6
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
المعاناة وسرعة البديهة
إن المعاناة تعالج بطء التفكير، أي تعالج سرعة البديهة، إلا أن المعاناة التي تعالج بطء التفكير لا بد أن يضاف لها شيء حتى تعالج سرعة البديهة، ألا وهو بيان ما يطرح من دلائل على وجود سرعة البديهة فيه. فسرعة البديهة ناجمة عن سرعة الإدراك، ولا يمكن أن تأتي إلا من سرعة الإدراك، أما سرعة الإدراك فلا ضرورة لأن تؤدي إلى سرعة البديهة.
ومن هنا كان الجهد منصباً على إيجاد سرعة الإدراك عند الناس، ولكن سرعة الإدراك هذه قد تنتج سرعة البديهة وقد لا تنتج، لذلك لا بد من إضافة أشياء أخرى لإنتاجها ألا وهي إضافة شيء لما يطرح، ألا وهو بيان ما فيما يطرح من أمور تدرك فعلاً. وعلى ذلك فإن المعاناة وإن كانت توجد سرعة التفكير، ولكنها لا توجد سرعة البديهة حتماً.
أما في إيجاد سرعة البديهة، وفي جعل سرعة البديهة مثمرة، ومنتجة، لا بد من إضافة شيء آخر إليها، وهو لفت النظر إلى ما يطرح، أما بيان نقصه، أو بما فيه هو من أمور خفية.
ما ينبغي فعله أولاً
تقديس التفكير أمر مستحب بل واجب، لأنه قيمة من أعلى القيم، ولأجل أن لا نقضي على انشغال الناس بالتفكير، ولا نقضي على تقديسهم التفكير، لا بد من فعل شيء، هو إيجاد أشياء إلى جانب التفكير. فمثلاً نوجد إلى جانب انشغال الناس بالتفكير إعطاء هذا التفكير واقعه، أو واقع ما يفكر فيه، فلا يفكر بالآليات. وبذلك لا نقضي على الانشغال بالتفكير، ولا نقضي على تقديس التفكير كتفكير، بل نضعه في مكانه.
ومثلاً: جعل التفكير سائرا بحسب ما يفكر فيه، فإن كان مما ينبغي السرعة فيه فإنا نوجد السرعة، وذلك بالمعاناة، وإن كان مما يوجب البطء فيه فليكن البطء، فنعطي التفكير أن يسير بحسب ما يفكر فيه، لا بحسب ما نريده منه. أي أن تكون النفوس ليست مشغولة بالتفكير، وليست مقدسة للتفكير، وذلك قبل كل شيء لا بد أن يؤدى بشكل لا يصرف عن التفكير والانشغال به، ولا يخفف أو يقضي على قداسة التفكير.
فإذا أريد العلاج: علاج التفكير وعلاج سرعة البديهة، فلا بد من التركز على العاطفة وعلى مركزها وعلى أثرها. فانصراف الإنسان إلى العاطفة يجعله سائرا في الحياة دون ضابط، وانشغال المرء بالتفكير وحده، أو بالعقل وحده يفقده القدرة على الصمود في الحياة، لأن العاطفة هي المحرك، والعقل هو الموجه. فالمشكلة ليست بانشغال الناس في التفكير، ولا بتقديسهم له، بل المسألة هي بإرجاع العاطفة إلى مركزها. أي أن إهمال العاطفة: هو إهمال للعقل؛ لأنه بدون العاطفة لا ينتج، فهو وإن لم يهمل ولكنه صار لا ينتج، لذلك كان أول ما يجب فعله هو الانشغال بالعاطفة إلى جانب الانشغال بالتفكير.
المعاناة وسرعة البديهة
إن سرعة البديهة في الشيء الواحد أو في حادثة معينة، لا بد أن تكون ذاتية، وأن تكون لدى الشخص القدرة على فهم الحوادث والأحداث، لذلك فإن المعاناة توجد فكرة سرعة البديهة، ولا توجد سرعة البديهة نفسها، فسرعة البديهة شيء يتعلق بسرعة التفكير وسرعة الإدراك للشيء وللحادثة مع وجود فكرة سرعة البديهة عند الشخص.
سرعة البديهة لا بد أن تكون ذاتية لدى الناس، وحتى تصدر ممن لديه فكرتها، لا بد من ملاحظة أمور وأوضاع معينة في حادثة معينة، فما سبق أن بحثناه من العمل لإيجاد سرعة البديهة، إنما هو العمل لإيجاد فكرتها أو الاستعداد لها. فما نشكوه ليس فقدان سرعة البديهة فقط، بل إن ما نشكوه هو عدم وجود فكرتها كلياً، وعدم وجود الاستعداد لها، فالعمل هو لإيجاد فكرتها وإيجاد الاستعداد لها، ثم بعد ذلك يترك للملاحظة والوقائع والحوادث والصيغ أن تبعث على إيجادها.
واقع ما هو موجود فعلاً:
الواقع هو وجود التفكير البطيء، وهذا وحده غير كاف لإماتة فكرة سرعة البديهة، فلا بد من إماتة فكرة الدرس والتمحيص بشكل عام. فالتربة هي أن تكون النفس مهيأة للعلاج، مدركة لخطر المرض، والمناخ هو أن يوجَد رأي عام في ذلك. فالموضوع في أساسه هو النظرة إلى أشياء الحياة، فإذا كانت النظرة هي أن كل شيء يحتاج إلى رأي ودراسة وتمحيص، فإن سرعة البديهة، أي سرعة التفكير لا يمكن أن توجد ولا بحال من الأحوال.
النفوس لا يصح أن تصرف عن التفكير، بل يجب أن توجه إلى سرعة التفكير. فإن كانت الظروف تقتضي الدرس والتمحيص لا بد من الدرس والتمحيص، وإن كانت الظروف تقتضي ذلك، لا يصح أن يفكر بالدرس والتمحيص، بل ينتقل إلى سرعة العمل من جراء سرعة البديهة في الإدراك، لذلك كانت الظروف هي الحكم.
يجب أن يوجَد عند الأذكياء حب السرعة في التفكير، بل يجب أن يتعودوا على سرعة التفكير، وهم بطبيعة ذكائهم ميالون للسرعة في التفكير والسرعة في الحكم. فيقال لهم أن كل فكر لا بد من السرعة فيه، فهم يعاملون معاملة خاصة.
والحاصل يؤخذ المجتمع ككل وينزع منه فكرة الدرس والتمحيص، وذلك عن طريق ضرب الأمثلة في كل ما يحتاج إلى درس وتمحيص، وما لا يحتاج إليه، وإذا كان ذلك في الشيء الواحد في حالتين مختلفتين يكون أحسن.