أضواء على قصيدة خلافة الإسلام لأمير الشعراء احمد شوقي ح9
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
\n
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
\n
الإخوة الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: أنا محدثكم محمد أحمد النادي أقدم إليكم هذه السلسلة المكونة من تسع حلقات ألقي فيها الضوء على قصيدة خلافة الإسلام لأمير الشعراء أحمد شوقي ومع الحلقة التاسعة أقول وبالله التوفيق:
كلمة أخيرة لا بد منها:
وبعد: فهذا الحدث الجسيم، وهو هدم الخلافة، لا شك بأنه يعد منعطفا خطيرا في حياة الأمة الإسلامية، فقبل هذا الحدث كان المسلمون يعيشون في ظل دار الإسلام، والذين لم يستظلوا بظل الدولة الإسلامية كانوا يستطيعون الانتقال إليها ليعيشوا رعايا فيها، وللتمتع بالحياة الإسلامية، وإبراء أعناقهم من وجوب وجود بيعة لخليفة امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: \"ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية\".
ولكن بعد هدم الدولة لم يتمكن أي مسلم من أمة لا إله إلا الله من الالتزام والتقيد بفرض العيش في دار الإسلام والاندماج في جماعة المسلمين. لذلك كانت هذه المناسبة الحزينة جديرة بالتأمل لخطورتها على مستقبل الشعوب الإسلامية، ولاتخاذ العبر منها، وعليه كانت ذكرى سقوط الخلافة مختلفة متميزة وليست ككل الذكريات. فهي ليست ذكرى دينية بالمعنى الشرعي وإن كان لها علاقة تتصل بأعظم واجبات الدين ألا وهي وجوب إقامة الدولة الإسلامية لتطبيق شرع الله تعالى على الناس. فهي فعلا ذكرى، ولكنها ليست كسائر الذكريات، إنها ذكرى حزينة وأليمة؛ لأنها تتعلق بسقوط أعظم دولة عرفتها البشرية. وبسقوطها سقطت المفاهيم الدولية المبنية على المبادئ والقيم الرفيعة والأخلاقيات، وحلت محلها المفاهيم الدولية المبنية على المصالح والأهواء والماديات.
وبسقوط الدولة العثمانية بوصفها آخر دولة خلافة للمسلمين في عام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين ميلادية، لم يتبق للأمة الإسلامية منذ ذلك التاريخ دولة حقيقية تمثلهم، ولم يعودوا يحيون في جماعة إسلامية يقودها خليفة مبايع شرعا على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وبفقدان دولة الخلافة فقدت الأمة الإسلامية ما وصفه القلقشندي: بـ\"حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه، ومرتع سائمته، والتي بها يحفظ الدين ويحمى، وبها تصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك، وتحفظ الفروج فتصان الأنساب عن الاختلاط، وتحصن الثغور فلا تطرق، ويذاد عن الحرم فلا تقرع\".
لقد افتقدت فعلا هذه المعاني واختفت بسقوط دولة الخلافة، وغاب واقع هذا الوصف الذي ذكره القلقشندي عن الخلافة تماما من حياة المسلمين. والدويلات التي أقيمت على أنقاض الدولة العثمانية فإنها في الواقع ليست بأكثر من كيانات زائفة لا تمثل الأمة بحال من الأحوال؛ لأن الاستعمار هو الذي فرضها على شعوب الأمة الإسلامية، ولذلك كان الاستعمار أولى بأن تمثله هذه الكيانات بدلا من أن تمثل شعوبها.
والمسلمون منذ سقوط الخلافة قبل اثنتين وتسعين سنة هجرية لم يذوقوا طعم الانتصار والعزة والكرامة ولو لمرة واحدة، فهم لم يكسبوا معركة قط، ولم يفوزوا بحرب أبدا، فحروبهم بعد عهد الخلافة لم تنتج سوى الهزائم والنكسات والنكبات، وأما سلمهم الذي ينادون به ويروجون له فلم يكن سوى الاستسلام بعينه للأجنبي، ولم يتمخض عنه إلا الخيبة والسراب والأوهام.
فلو كانت الأمة الإسلامية في ذلك الوقت واعية لخطورة المرحلة، ومتسلحة بالثقافة الإسلامية ومتمسكة بالفقه السياسي، ومتشبعة بالأفهام الشرعية؛ لما تمكنت بريطانيا والدول الأوروبية من إلغاء الخلافة بهذه السهولة، ولكن المشكلة أن الأمة كانت خاضعة للاستعمار المباشر، وكان الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام قد استشرى في العقول، وتمكن من الاستحواذ على الأفئدة؛ لذلك لم تبد الأمة مقاومة تذكر إزاء هذا الحدث الجلل، فكانت ردود أفعال الأمة حقيقة لا تتناسب مع جسامة الحدث، وكان التعبير المشاعري والعاطفي هو الذي يميز ردات فعل المسلمين على إلغاء الخلافة، فقد جاءت الوفود الإسلامية إلى تركيا، وطلبت من مصطفى كمال أن لا يلغي الخلافة، وطلبت منه أن ينصب نفسه خليفة، وكذلك طلب بعض النواب في الجمعية الوطنية أن يبايع مصطفى كمال خليفة، فرفض طلبهم هذا؛ لأن له دور ومهمة أنيطت به يريد استكمالها حتى النهاية، فهو أجير لبريطانيا، ومطلوب منه القيام بالدور كما رسم له.
الإخوة الكرام:
ها قد مضى أربعة وتسعون عاما، والأمة الإسلامية تحت سلطان الكفر وتحت نفوذ الكفار حتى أشرفت على الفناء، إلا أن يتداركها الله برحمته، مضى أربعة وتسعون عاما، ولا زال في الأمة يا للأسف من ينادي بفصل الدين عن الدولة. نقول لأولئك الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة: إن عقيدة فصل الدين عن الدولة عقيدة كفر، وكل من يعتقدها مرتد عن الإسلام، إذ الكفر بقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) كالكفر بقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة). والكفر بقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) كالكفر بقوله تعالى: (وآتوا الزكاة). وعقيدة فصل الدين عن الدولة هي كفر بآيات الحكم والسلطان، وآيات العقوبات والمعاملات، وإيمان بآيات العقائد والعبادات ليس غير، والله تعالى يقول: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون). (البقرة 85) ويقول: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولـئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا). (النساء 151)
الإخوة الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:
بهذا نكون قد أنهينا سلسلة الحلقات التسع التي ألقينا فيها الضوء على قصيدة خلافة الإسلام لأمير الشعراء أحمد شوقي، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
\n
\n
أخوكم محمد أحمد النادي