نفحات إيمانية- الدخول في السلم كافة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فـتح أبواب الجـنـان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسـلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تبـعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستـن بسنــته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أمـا بعد:
إخــوة الإيمـان: في أيام شهر رمضان المبارك، يبرز إلى الأذهان سؤال مفاده ومؤداه: هل يجوز أن يكون الصيام والصلاة لله تعالى، وتكون الحاكمية لغير الله سبحانه؟
للإجابة عن هذا السؤال نقول وبالله التوفيق: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208 فكلمة (السلم) هنا الإسلام كما فسره ابن عباس رضي الله عنه والمقصود من الإسلام كله أي الإيمان به كله دون استثناء والعمل بشرعه كله دون غيره. و (كافة) حال من (السلم) أي السلم كله بمعنى الإسلام كله..
فالمراد من الآية الكريمة هو الأمر بالأخذ بتكاليف الإسلام جميعها: ما تميل إليه النفس منها، وما يخالف هواها. فالآية الكريمة تصرح بأن عدم الأخذ بالإسلام كاملا نوعا من اتباع الشيطان، فالتفريط بشيء من ذلك المنهج سيكون فيه اتباع آلي لسبيل الشيطان حيث لا يوجد أي خيار آخر، فإما اتباع لمنهج الرحمن، وإما اتباع لسبيل الشيطان.
لذلك قال الله تعالى عقب ذلك: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).
نفهم من ذلك إخوة الإيمان أنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ بعض أحكام الإسلام ويترك بعضها، فأن يصوم المسلم ويصلي، ولا يزكي إن كان معه ما يستحق الزكاة لا يجوز، وأن يصلي ويصوم ويزكي، ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر لا يجوز، أي لا يجوز للمسلم أن يترك فرضا فرضه الله عليه، حتى ولو قام بجميع الفروض وترك فرضا واحدا كالحكم بما أنزل الله مثلا فهذا غير جائز، فالإسلام هو ما جاء وحيا من الله، أي ما جاء بالكتاب والسنة، وما ارشد إليه الكتاب والسنة من أدلة، هذا وحده هو الإسلام، وما عداه كفر سواء أكان موافقا للإسلام أم كان لا يخالفه.
والدليل على ذلك إخوة الإيمان أن الله تعالى أمرنا أن نأخذ ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نترك ما نهانا عنه, وأمرنا أيضا أن نحتكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلى ما جاء به، قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
فهو نص في وجوب أخذ ما جاء به الرسول، وترك ما نهى عنه، وإذا قرنت هذه الآية بقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) وعرف أن ( ما) في قوله: (ما آتاكم) وقوله: ( وما نهاكم) للعموم ظهر جليا وجوب أخذ ما جاء به، وترك ما نهى عنه، وأنه عام في جميع ما أمر به وجميع ما نهى عنه والطلب في هذه الآية سواء طلب الفعل أو طلب الترك طلب جازم يفيد الوجوب بدليل تهديد الله لمن يخالفه بالعذاب الأليم.
وقال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
أي أن من دخل في الإسلام إخــوة الإيمـان: ، عليه أن يدخل فيه كله، فلا يبقي شرعا غيره، فالإسلام ناسخ لغيره من الشرائع لقوله تعالى: (مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) (المائدة 48) أي: ناسخا له، والإبقاء على شيء من الشرائع السابقة، التي لم يقرها الإسلام، يكون اتباعا لدين غير دين الإسلام، وهذا مرفوض وغير مقبول، بل إن صاحبه يكون يوم القيامة من الخاسرين. لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
على أن الله تعالى لم يكتف بذلك بل إنه نهى نهيا صريحا عن الأخذ من غير ما جاء به الوحي من الله، فنعى على الذين يريدون أن يتحاكموا لغير ما جاء به الرسول قال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا).
وقد نزلت عشرات الآيات إخــوة الإيمـان من القرآن الكريم في موضوع الحكم والسلطان تأمر المسلمين بالحكم بما أنزل الله.
* وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). (المائدة44)
* وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). (المائدة 45)
* وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). (المائدة 47)
* وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). (النساء:65)
* قال تعالى: (فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق). (المائدة48)
* وقال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ). (المائدة49)
* وقال:(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). (النساء59)
* وقال: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). (النساء58).
وغيرها من عشرات الآيات المتعلقة بالحكم من حيث هو حكم وسلطان.
وقد آن الأوان لهذه الأمة العظيمة والتي أدركت أن خلاصها بالإسلام أن تسود في دولة واحدة، هي دولة الخلافة التي وعدنا الله بها في قوله عز وجل: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون). والتي بشرنا بقدومها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي عزنا ومجدنا قال صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) .
لقد آن الأوان لهذه الأمة العظيمة أن تتلبس بالعمل مع العاملين المخلصين من أبناء هذه الأمة للعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة، ( الخلافة على منهاج النبوة) . كيف لا و قد قرر علماء الإسلام و أعلامه أن الخلافة فرض أساسي من فروض هذا الدين العظيم بل هو (الفرض الأكبر) الذي يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض، و إن الزهد في إقامة هذه الفريضة من ( كبائر الإثم )، وما الضياع والتيه والخلافات والنزاعات الناشبة بين المسلمين كأفراد و بين الشعوب الإسلامية كدول إلا لتفريط المسلمين في إقامة هذه الفريضة.
وختامـــا إخوة الإيمان: نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أبو إبراهيم