إضاءات على تاريخ الدولة الإسلامية- الأيوبيين
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أي مطلع على التاريخ الإسلامي وأي باحث في التاريخ الإسلامي لا يستطيع أن يغفل ما قامت به السلطنة الأيوبية من فعال عظيمة في حركة الجهاد الإسلامي ممن يستطيع أن يغفل ذكر أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي بل من يستطيع أن يغفل فعال الشعب الكردي كله أثناء الحروب الصليبية. حقا لقد كتب الأكراد الذين انحدر منهم الأيوبيون تاريخهم بمداد من العز والفخار فتعالوا معنا نلقي إضاءة على تاريخ الأيوبيين المجيد فمن هم الأيوبيون؟
الأيوبيون أيها السادة أسرة من أكراد شمال العراق ومن بلدة شقلاوة الواقعة بالقرب من مدينة أربيل، بدأ نجمهم يسطع بعد أن أظهر كل من نجم الدين أيوب والد صلاح الدين وأخيه أسد الدين شيركوه كفاية عظيمة ومقدرة فائقة في جيش نور الدين زنكي فكما بينا سابقا كان لنجم الدين أيوب دور عظيم في ضم دمشق سلما لنور الدين زنكي كما كان له دور كبير في إزالة الجفاء بين ولده صلاح الدين الذي تولى الوزارة في مصر ونور الدين زنكي أمير الجهاد في الشام ومصر، أما أسد الدين شيركوه، فقد أظهر براعة وبطولة نادرتين في ضم مصر إلى السلطنة الزنكية بعد محاولات ثلاث، وبفعله هذا رجحت كفة المسلمين إلى الأبد في الحروب الصليبية، أما عظمة الأيوبيين فقد سطرها صلاح الدين الأيوبي الذي بدأ نجمه يسطع أثناء محاولات ضم مصر للسلطنة الزنكية فقد أظهر رغم حداثة سنه براعة عظيمة في استتباب الأمور للمسلمين في مصر بقضائه على جميع أسباب الفتن في مصر، أليس هو من خلص مصر من فتن وخيانات بعض المتنفذين في مصر كالوزير ضرغام والوزير شاور اللذين عاثا فسادا في مصر وكثيرا ما استعانا بالصليبيين أعداء الأمة على المسلمين، أليس هو من قضى على الخلافة الفاطمية في مصر، وأعاد مصر إلى حضن أمتها، أليس هو من وحد القلوب والعقول في مصر بقضائه على الفكر الباطني المنحرف في مصر، وبنشره الفكر الإسلامي الصحيح، أليس هو من نظف الجبهة الداخلية في مصر، ليتمكن بعدها من قذف كل ما تملكه مصر من خيرات وإمكانات في ميدان الجهاد ضد الصليبيين، أليس هو من امتشق الحسام لإعادة الوحدة إلى المسلمين في الشام وشمال العراق ومصر بعد وفاة نور الدين زنكي وانقسام الإمارة الزنكية إلى إمارات عديدة متعادية، أليس هو من ضم برقة والحجاز واليمن للسلطنة الأيوبية ليضاعف حشد الجهاد ضد الصليبيين، أليس هو من أعاد للخلافة العباسية بهاءها بعد ضم كل ما ذكرت من ولايات للخلافة العباسية، مقتديا بذلك بما فعله أميره العظيم وسلطانه العادل نور الدين زنكي هكذا يكون الحشد للجهاد أيها السادة هكذا تكون السياسة الحربية، لقد كانت سياسة صلاح الدين الحربية أيها السادة منبثقة من الكتاب والسنة، رص الصفوف وتأليف القلوب، وحشد الجيوش وبذل أقصى ما يستطاع من قوة ومن رباط الخيل، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد هجرته من مكة إلى المدينة ثم هكذا فعل كل أمير وكل حاكم كان يتقي الله في أمته فعلها السلطان نور الدين زنكي أيضا فعل كل هؤلاء ما ذكرت سابقا لإعداد الساحة للجهاد لم يفعل أسلافنا الزنكيون والأيوبيون وغيرهم كما يفعل بعض المراهقين في العصر الحاضر بإرسال بعض الأفراد للقتال هنا وهناك في فلسطين لخدمة مخططات الكفر كإقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين لم يفعل أسلافنا الأيوبيون ما يفعله بعض الخونة من تشتيت لجهود الأمة والابتكاء كذبا على الجهاد لتسويغ كل ما يقومون به من ظلم وجور وتخاذل لقد تسلم أسلافنا المجاهدون زمام الأمور في امتنا وأكلوا خيرات بلادنا ولكنهم كانوا أهلا لذلك فقد خلصوا البلاد والعباد من الصليبيين أما مراهقو زماننا فقد استلموا زمام الأمور وأكلوا خيرات بلادنا وسامونا عسفا وظلما بفعال تزكم الأنوف لخدمة أسيادهم الصليبيين الجدد فهم والصليبيون الجدد في خندق واحد لسحق كل محاولة خيرة لإنقاذ الأمة وسحق كل حامل دعوة يسعى لتوحيد الصفوف وإقامة شرع الله وتهيئة الساحة للجهاد ورفع الضيم عن المسلمين.
أيها السادة: لقد أعد صلاح الدين كما قلت الساحة للجهاد وقد عقد هدنة مع المملكة الصليبية في القدس، ولكنه كان يراقب ما يقوم به الصليبيون وكما هي عادة الكفار في كل حين لا يلتزمون بعهودهم ولا يحترمون مواثيقهم أخذ أرناط أمير حصن الكرك آنذاك، وكان تابعا لمملكة القدس الصليبية، أخذ يشن الغارات هنا وهناك على المسلمين، يسطو على قوافل المسلمين المتنقلة بين مصر والشام، ويروع الآمنين بل سولت له نفسه أن يجهز بعض السفن ويشحنها بالجنود يغزو بها سواحل مصر ثم سواحل الجزيرة العربية بل وهمَّ لعنه الله باحتلال المدينة المنورة فهل اكتفى صلاح الدين بالاستنكار وبالاحتجاج على هذه الفعال الخسيسة (هل اشتكى للأمم المتحدة أم لمجلس الأمن) كما يفعل حكام العار في عصرنا الحاضر، لا وألف لا فلقد أمر أخاه الملك العادل بإرسال حملة بحرية لسحق حملات أرناط البحرية على سواحل مصر والجزيرة فتمكن رحمه الله وبمساعدة بعض القبائل العربية في سواحل الحجاز من إبادة حملات أرناط البحرية هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد أخذ صلاح الدين يعد للمعركة الفاصلة التي ستمحق الصليبيين فيما بعد أخذ صلاح الدين بجيشه العظيم يضرب الصليبيين في الشام هنا وهناك وقد أراد بفعله هذا أن يفرض زمان ومكان المعركة على الصليبيين في الشام هنا وهناك وضرب بيسان وضرب طبرية وفتحهما فجن جنون الصليبيين فتحركوا من طرابلس والقدس بجيش كبير لإنقاذ حصونهم ومدنهم في غور الأردن وكان الجو قائظا فوصل الصليبيون إلى الغور واتخذوا حطين مركزا لهم وكان صلاح الدين بانتظارهم واشتعلت الحرب وحمي الوطيس وحمل المسلمون بصدق على الصليبيين فهزموا أكثر جيشهم أما قيادتهم على تلة حطين فقد بقيت صامدة وكان صلاح الدين يراقب المعركة فحمل المسلمون على قيادة الصليبيين في حطين فردهم الصليبيون مرتين وكلما كان المسلمون يتراجعون كان صلاح الدين يقول: كذب الشيطان، يقول هذا القول وهو يحسن الظن بالله، إذ أن الله لن يخذله أبدا، وفي المرة الثالثة اقتحم المسلمون قيادة الصليبيين وأطاحوا بلوائهم وأخذ المسلمون يأسرون قادتهم وفرسانهم وانجلى الأمر عن نصر عظيم للمسلمين، إذ قتل المسلمون أغلب الجيش الصليبي وأسروا الملك الصليبي وكبار القادة والفرسان ومنهم أرناط الذي قتله صلاح الدين بيده جزاء فعاله الخسيسة ونقضه للعهود وقد عامل صلاح الدين الملك الصليبي وكبار القادة الصلييبين معاملة حسنة مما أدهش الصليبيين ثم افتدى الصليبيون أنفسهم بفدية كبيرة.
هذه معركة حطين التي تعتبر من المعارك الفاصلة في التاريخ والتي كانت بداية انهيار الصليبيين في المشرق، والتي أظهرت أن المسلمين أمة من دون الناس أمة وفية لعهودها، تحترم مواثيقها، أمة تعفو وتمن على أعدائها وبخاصة عند مقدرتها. أمة تتقيد بأحكام دينها إذا سالمت وتتقيد بأحكام دينها إذا جاهدت وانتصرت، فماذا فعل صلاح الدين بعد حطين، تقدم صلاح الدين نحو الساحل الشامي وأخذ يفتح المدن والحصون الصليبية وذلك ليحرم الصليبيون من الاتصال بأوروبا ففتح عكا وصيدا وبيروت وحيفا ويافا ثم تقدم لفتح المدن الداخلية فتم له فتح نابلس ثم حاصر القدس وقد ظن الصليبيون أنهم يستطيعون المقاومة إلى أن تأتيهم النجدات من أوروبا فخاب فألهم، ولم يلبثوا أن استسلموا، وهنا تنجلي عظمة الإسلام وعظمة صلاح الدين فلم يفعل كما فعل الصليبيون عندما دخلوا القدس قبل فتحه للقدس بأكثر من ثمانين عاما فلقد فعلوا في القدس كما ذكروا في أدبياتهم أفعالا يندى لها جبين البشر، أما صلاح الدين فكان مضرب المثل في العفو عند المقدرة، فعفا عن الكثير منهم وقبل فدية كثير منهم وساعد الضعفاء منهم على الخروج من بيت المقدس ولم ينتهك جيش المسلمين عرضا أو ينهب متجرا تماما كما فعل الجيش الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب عندما دخل القدس، هذه فعالنا أيها السادة في سلمنا وحربنا وهذه فعالهم في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرهما، إنهم في حربهم لا يقيمون وزنا لأية قيمة إلا قيمة الظلم والتسلط إن كانت هناك للظلم قيمة، بل لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا أن صلاح الدين بالغ في العفو عن أناس لا يستحقون العفو، فهؤلاء قوم لا يفهمون إلا لغة القوة والبطش والإثخان اقتداء بقوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (لأنفال:67) إننا لا نحاكم صلاح الدين في هذا العصر، ولكننا نذكر بآية كريمة رسمت لنا طريق في مثل حالة صلاح الدين مع الصليبيين.
أيها السادة: لا يظنن أحد أن، صلاح الدين في جهاده سلك دربا مفروشا بالورود والرياحين بعد حطين، فبعد حطين هاجت أوروبا وماجت، وأرسلت الحملة الصليبية الثالثة بقيادة ثلاثة ملوك، فجيش يقوده ملك ألمانيا، وجيش ثان يقوده ملك فرنسا، وجيش ثالث يقوده ملك بريطانيا قلب الأسد، ولكن الله كان في عون المسلين فما لبث الجيش الألماني أن تفرق بعد غرق ملكه، في أحد الأنهار في آسيا الصغرى وما لبث الملك الفرنسي أن عاد بجنوده إلى أوروبا، أما ريتشارد قلب الأسد فبقي يقاوم المسلمين، وقد أصبح موقف صلاح الدين حرجا، بعد أن تركه أكثر جنوده بعد معركة حطين وعادوا إلى ديارهم شمال العراق ولم يبق لديه رحمه الله إلا قوات لا تقارن بعددها مع أعداد جنود الصليبيين في الحملة الثالثة مما أجبر صلاح الدين على هدم قلعة عسقلان وإلقاء حجارتها في البحر خوفا من سقوطها بأيدي الصليبيين الذين سيتخذونها مركزا لاحتلال مصر إذ لو كانت لديه قوات كافية لحمايتها لما هدمها ولكن الله خذل الصليبيين عن غزو مصر فحاولوا حصار بيت المقدس ولكن صلاح الدين نهض بكل قوة وجمع الجند ثانية مما أدخل الوهن واليأس في نفس ملك بريطانيا مما أجبره على إبرام اتفاقية صلح الرملة التي أسفر عن إعطاء الصليبيين شريطاً ساحلياً من صور إلى يافا، أما سائر الشام ومنها القدس فقد بقيت في أيدي المسلمين وما لبث أن توفي صلاح الدين بعد أقل من عام من صلح الرملة، فخلفه أخوه العادل ثم الكامل بن العادل وبعد الكامل انقسم البيت الأيوبي وانقسمت السلطنة الأيوبية وانتهى حكم الأيوبيين بعد وفاة الملك الصالح ومقتل ابنه توران شاه على أيدي المماليك وبمقتل توران شاه بدأ عهد دولة المماليك.
أيها السادة: لقد سطر الأيوبيون وبخاصة صلاح الدين تاريخاً مجيداً وعلى الرغم من إخلاصه المنقطع النظير، إلا أنه لم يسلم في الداخل من تآمر المتآمرين فقد تعرض أكثر من مرة لمحاولة اغتيال من الحشاشين الخونة ومن الموتورين من زوال الدولة الفاطمية.
أيها السادة: إن سيرة نور الدين زنكي وسيرة صلاح الدين في لم شعث الأمة ورص الصفوف وحشد القوى تعتبران نبراسا لمن أراد أن يحذو حذوهما ويخلص الأمة الإسلامية مما هي فيه من تفرق وتدابر، وضعف وهوان وإن أمتنا ولود ودود، فسيخرج من رحم أمتنا إن شاء الله رجال ورجال يجمعون شتات الأمة، ويمهدون الطريق، ويعدون العدة، ويحشدون القوى، لرفع راية الإسلام، ومحق الكفر وأهله، وجعل رايات العدل ترفرف في جميع أرجاء المعمورة فقد وعدنا الله ذلك، ووعدنا رسولنا ذلك، والله غالب على أمره ولكن المنافقين لا يفقهون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو بكر