شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام- شرح المواد (162-163) ح37
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أما نص المادة 162:
(لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية المتعلقة بكافة شؤون الحياة، وعلى الدولة أن تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات.)
أباح الله سبحانه وتعالى العلم مطلقا، والأدلة على ذلك مستفيضة جدا في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة، يقول تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق)، ويقول: (علم الإنسان ما لم يعلم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، وإنما العلم بالتعلم)، فقوله سبحانه وتعالى (اقرأ)، عام يشمل كل علم، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم)، اسم جنس محلى بالألف، فهو من ألفاظ العموم، وهذا كله يدل على إباحة العلم مطلقا.
وعلى هذا فإن لكل فرد من أفراد الرعية أن يطلب العلم أي علم، وأن يتخذ الوسائل اللازمة للوصول الى المعارف والحقائق العلمية، فلكل فرد الحق أن يقوم بإنشاء المختبر الذي يراه، وأن يساعد من يشاء في إنشاء المختبرات.
إلا أنه إذا كانت بعض العلوم يؤدي تعليمها الى الى زيغ في العقائد أو ضعف في المعتقدات، فإن هذه العلوم بالذات، يحرم تعليمها ما دامت توصل الى ذلك، وكذلك المختبرات.
إن المختبرات إنما يتولاها الأفراد، لأنها من الملكية الفردية، وليست من الملكية العامة ولا ملكية الدولة، إلا أن هذه الملكية الفردية، يجوز للدولة أن تملكها بوصفها شخصية معنوية، كما تملكها أية شخصية حقيقية، أي كما يملكها كل فرد من أفراد الرعية، إلا أن ما تملكه الدولة يصبح ملكية لها من أملاكها، مع كونه ملكية فردية.
والدولة حين تقوم بإنشاء المختبرات، إنما تقوم بذلك من باب رعاية الشؤون، ومن باب القيام بالفرض الذي أوجبه الله عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته)، وللقاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فالمكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة هي من شؤون الأمة التي يجب على الإمام أن يرعاها، فهو مسؤول عنها، وإذا قصر يحاسب على تقصيره.
وهذه الوسائل للمعرفة، إن كانت مما لا يتأتى ايجاد الإجتهاد في الفقه إلا بتوفيره، أو مما لا يتأتى ايجاد الإختراع فيما يلزم من المختبرات لإعداد القوى إلا به، فإن توفيرها فرض على الخليفة، عملا بقاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وإن كانت مما يساعد على ذلك، ويسهل أمر الإجتهاد والاختراع، كانت داخلة في رعاية الشؤون مما هو من جلب المنافع، وحينئذ لا تكون واجبا، فإن كان لدى الدولة مال قامت بها وإلا فلا.
أما المادة 163 والتي نصها:
(يمنع الأفراد من ملكية المختبرات التي تنتج مواد تؤدي ملكيتهم لها الى ضررعلى الأمة أو على الدولة.)
تبين هذه المادة ملكية الأفراد للمختبرات مباحة، ولكن الدولة إن رأت أن تمنع بعض المختبرات، التي تؤدي ملكية الأفراد لها الى ضرر، من مثل مختبرات الذرة وغيرها، فلها ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، ولأن القاعدة الشرعية التي نصها: (الشيء المباح إذا أوصل فرد من أفراده الى ضرر، حرم ذلك الفرد وحده وبقي الشيء مباحا)، وذلك لما روي عن النبي صلى الله وسلم، أنه حين مر بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها، فلما راحوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الأبل ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم الا ومعه صاحبا له)، فشرب الماء مباح، ولكن ذلك الفرد من أفراد الماء، وهو بئر ثمود، قد حرمه الرسول لأنه يوصل إلى أذى، ولكن ظل الماء مباحا.
وخروج الشخص في الليل دون أن يكون معه صاحب مباح، ولكن خروج أحد من ذلك الجيش في تلك الليلة في ذلك المكان، قد حرمه الرسول، لأنه يوصل إلى أذى، وما عدا ذلك ظل خروج الشخص ليلا بدون صاحب مباحا، وهذا دليل على أن الفرد الواحد من المباح إذا أوصل إلى أذى، صار ذلك الفرد وحده حرام، وظل الشيء نفسه مباحا.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق