كيف نبني وكيف نهدم- ضيق النظر
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتنا في الله وأخواتنا في الله، في كل مكان - السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. نرحب بكم في حلقة جديدة من موضوعنا " كيف نبني وكيف نهدم " ونبحث معكم اليوم في تداعيات ضيق النظر. وكيف أنه يهدم الأحكام الشرعية، وكيف أن النظرة الشاملة للأمور تبني هذه الأحكام . فلنبدأ بإذن الله تعالى - خذ إبرة ، وأنت جالس في غرفة ، وأنظر من خلال ثقبها ، ماذا ترى ؟ لا شك أنك ترى فقط بحجم ذلك الثقب الصغير جدا ، فإن اردت أن تنقل ما ترى حولك. وتصف ما تحتويه الغرفة. هل يصح لك النظر من خلال ثقب الإبرة ؟ فعندما تنظر من ثقب الإبرة ترى من الغرفة فقط بحجم ذلك الثقب . ثم يدخل آخر إلى الغرفة، وعند سؤاله عن محتوى الغرفة، يوصفها لك كاملة ، فلا شك أن من ينظر نظرة واسعة يصل إلى الجواب الصحيح أو أقرب للصواب ممن معه الإبرة .
هذا مثال عن من يرى الإسلام يعالج زاوية واحدة فقط، زاوية ضيقة جدا ، تقزم من حجم الإسلام العظيم. فالإسلام هو نظام حياة كامل ، وهو يستند إلى عقيدة إسلامية عقلية. يستطيع كل فرد من البشر أن يدركها من خلال البحث في واقع الإنسان والحياة والكون ، وتنبثق عن هذه العقيدة الإسلامية أحكام شرعية تعالج وتنظم حياة البشر ، في جميع أنحاء العالم، وفي كل مناحي حياتهم ، فلم يترك هذا الدين القيم أى فعل من أفعال الناس إلا وجعل حكم الله تعالى فيه موجودا لمن يبحث عنه ويجتهد في إستنباطه ، ثم يعمل به ، لتستقيم حياته ، وحياة كل البشرية بتطبيق الإسلام . وفي واقع البشرية المتخبط اليوم نجد من يلتزم ويتشدد في القيام بالمندوبات ويترك الفرض. ومثال ذلك، القيام بالأعمال الخيرية وترك العمل لإقامة الدولة الإسلامية ، فيجب أن نبني ونشجع دائما الإلتزام بالفروض أولا ، فلا نتهاون عندما نجد من يترك فرضا. وكذلك من فعل حراما، فهذا يتطلب منا القيام بعمل آخر وهو فرض النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، فالأحكام الشرعية تعمل معا. ولا غنى لحكم شرعي عن آخر . وإذا حصل التهاون ، يكون قد حدث هدما وإنحرافا عن الطريق المستقيم . فيكون كمن ينظر للإسلام من خلال ثقب الإبرة. فمن يخلط بين الديموقراطية والشورى. ويتخذ له إسلاما معتدلا وإسلاما وسطا ، ويصر على ذلك بحجة العصر والحداثة والتطور والتقدم ، بناء على فهمه المحدود وجهله بهذه المصطلحات ، يكون كمن نظر من خلال ثقب الإبرة . والأسواء أن لا يصغي لمن ينظر نظرة واسعة للأمور، فيكون قد هدم أحكاما شرعية كثيرة تتعلق بالمسألة. ومن يهاجم المرأة ويحدد إقامتها في بيتها، متجاهلا الأحكام الشرعية الأخرى في حقها كجواز العمل والتجارة للنساء. يكون قد ضيق النظر في تناوله لوضع المرأة في الإسلام ويكون قد هدم أحكاما شرعية وضيع حقوقا أعطاها الله تعالى للمرأة . ومن ينتقي من الأحكام الشرعية. ويطبق منها ما يصب في مصلحته او ما تهوى نفسه، يكون قد هدم أحكام الله تعالى التي تخص حياته وحياة من حوله ، ومثال ذلك كأن يأخذ الربا ، بحجة أن هذا هو الواقع وهو يجاريه حتى تتم له مصالحه الدنيوية، مرتكبا الحرام ، يكون قد فرط في آخرته ودخل النار بسبب فعل المنكر في دنيا فانية زائلة. ويكون قد أغضب الله تعالى وأعلن حربا عليه سبحانه ، كما جاء في سورة البقرة ، ويكون ترك حياة أبدية في الجنان ، فأليس ذلك من ضيق النظر ؟ ومن يأخذ من الإسلام فقط العبادات، من صلاة وصيام وحج وزي شرعي، تاركا تطبيق معنى السياسة في الإسلام بحجة أنها ليست من الإسلام ، متغافلا عن رعاية شؤون حياته وحياة من حوله في المجتمع والدولة ، يكون مسؤولا أمام الله تعالى عمن ليس لديه مسكن ولا مأكل ولا مشرب و بدون علاج، و يتلقى مناهج تعليم علمانية تدرس لأبناء المسلمين في المدارس، ويكون مسؤولا عن تعطيل حكم الجهاد و عدم نشر الإسلام في العالم كله ، بسبب غياب دولة الخلافة الراشدة التي تحكم بما أنزل الله تعالى وتقيم الصلاة والصيام وسائر أحكام الإسلام ، فإن أمثال هؤلاء من تركوا كل ذلك ، كمن ينظر من ثقب إبرة !
وأخيرا، وليس آخرا ، المسلم الذي يتعصب لقبيلة ينتمي إليها أو لوطن ولد فيه، يتسمى بإسم ذلك البلد ومتعصبا لقضاياه فقط ومشاكله فقط، ويتعامل مع المسلمين من خارج بلاده هذه على اساس الوطنية والقبلية الممقوتة، ناسيا أنه ينتمي لخير أمة أخرجت للناس، وأن الله تعالى خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وإن أكرمهم عند الله أتقاهم، فهذا يكون قد هدم أحكام الأخوة في الشرع. فالمسلم أخ المسلم لا يخذله. وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، وكل المسلمين سواسية كأسنان المشط، فالمسلمون في الباكستان ليس خيرا من المسلمين في السودان. و قبيلة الجعليين في السودان مثلا ليست خيرا من الأكراد في تركيا أو البربر في شمال افريقيا، والكافر الأجنبي لا نحترمه أكثر من المسلمين من بلاد أخرى ، فقط لأنه يعيش على نفس الأرض التي نعيش فيها فهو ذمي له حقوقه الشرعية. وأكثر من ذلك يكون قد إكتفى بما رآه من ثقب الإبرة. وترك كل الغرفة .كمن يتمسك بوطنه تاركا سائر بلاد المسلمين التي تكون بعضها ملك لجميع المسلمين. ومن يكتفي بأن ينتسب لبلد واحد في إطار حدود رسمها له الغرب المستعمر. يكون قد فرط في انتمائه إلى الدولة الإسلامية التي لا حدود ثابتة لها، فترك كل أراضي المسلمين. وجلس في واحدة منها ! فبالله عليكم، ذلكم بنظر من ثقب الإبرة ، وما نتيجته ؟ أن المارد صار قزما .
فحقيقة الأمر أننا مخلوقون لخالق عظيم، فالله تعالى أكبر، افنترك عبادته سبحانه ونعبد العباد ؟ وكيف ذلك بنظرة من ثقب إبرة تداعياتها جهنم والعياذ بالله ! لذلك وجب أن نبني بناء متينا راسخا، فهنا نركز على بناء مفاهيم العقيدة، كالولاء لله تعالى والبراء من أفكار الشرك. ونبني ونركز على أن الدنيا فانية. وأنه لا يمتلك حبها عقولنا وقلوبنا، وأن إتباع أحكام الشرع وحده هو المطلوب. وليس إتباع الأشخاص، وليس إتباع الأهواء ولا الإنسياق وراء المشاعر. فكلها أحكام شرعية دقيقة ومفصلة نبنيها ونقيمها. فنقيم في المسلمين كيفية النظرة الصحيحة إلى الأمور من ناحية شرعية. وهى النظرة الواسعة الشاملة. وأن نظرتنا للأمور بأرائنا الشخصية، وإتباع أهوائنا هى النظرة الضيقة الخانقة . فشتان ما بين النتائج وشتان ما بين قيمة الحياة. وشتان ما بين الاهداف الغايات وشتان ما بين الشخصيات. وصلي اللهم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .