بالترويض والتدجين والتضليل احتنكوا الأمة -ح5
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد الترويض والتدجين يأتي دور التضليل. والتضليل: من ضلل، أي تعمد إخفاء بعض الأمور لئلا يهتدي الناس إلى الحقيقة. قال في القاموس : والضَّلَلُ، محرَّكةً: ضِدُّ الهُدَى. ضَلَـِلْتَ، كَزَلَلْتَ ومَلِلْتُ. والضَّلولُ: الضالُّ. ضَلِلْتَ الطَّريقَ، كَمَلِلْتَ، وكلُّ شيءٍ مُقيمٍ لا يُهْتَدَى لَه. والتضليل السياسي والإعلامي، هو تضليل عامة الناس والشعوب، ويكون ذلك ببث الأفكار المضللة والخاطئة وبتزييف الحقائق وتعمد الكذب والمغالطات، لئلا تهتدي الشعوب والجماهير إلى الحقيقة. وهذا التضليل يكاد يكون ممارسا على جميع شعوب العالم. غير أن هناك نوعا ثالثا. وهو من أخطر الأنواع لا يمارس إلا على الأمة الإسلامية. وهو التضليل الديني باسم الوسطية والضرورة والمواطنة وفقه الموازنات والأخوة الإنسانية والتسامح الديني وغير ذلك مما يسمى عندهم بالفقه المعاصر. وهو في الحقيقة تحريف للأحكام وتمييع للإسلام، وبالتالي تضليل المسلمين في أمور دينهم.
فمنذ أن ألغيت الخلافة، وتمزقت بلاد الإسلام ومعها الأمة الإسلامية إلى دويلات وشعوب منفصلة عن بعضها، وحل محل الحكم بما أنزل الله الحكم بالقوانين الوضعية. قام الحكام العملاء للغرب الكافر بتقريب بعض الشيوخ وعلماء الدين إليهم وأعطوهم منصب الإفتاء في الدولة ليكونوا الغطاء الساتر لعوراتهم ومخالفتهم للكتاب والسنة والحكم بغير ما أنزل الله وتحريف الأحكام الشرعية عن مقصودها الشرعي. وبالفعل قامت تلك الزمرة من العلماء والشيوخ الموالين للسلطة بإضفاء الشرعية عليهم. وزعموا أنهم ولاة أمور المسلمين، تجب على المسلمين طاعتهم وعدم التمرد عليهم. وصرنا نحضر خطبا ودروسا في تحريف مفهوم الولاء والبراء. تزكي الحكام والسلاطين وتدعوا لهم بالتوفيق في مواصلة تضليل الأمة وانتهاك حقوقها. وهكذا بدأت الفتاوى تتناثر هنا وهناك. فصار كل بلد إسلامي له إسلامه الخاص به. حتى عادت شعائر المسلمين من صوم وفطر وأعياد مظهرا وطنيا وليس مظهرا إسلاميا يوحد الأمة الإسلامية. وعدنا نسمع أراءًًً وأحكاما ما أنزل الله بها من سلطان. وصار التمسك بالدين تعصبا وتطرفا، والدعوة إلى الجهاد إرهابا. وعاد قتال المسلم لأخيه المسلم تحت راية الكفار جائزا إذا كان من مواطني الدولة المحاربة. وأفتوا بجواز الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين. وسكتوا عن انتشار القواعد العسكرية وجنود الكفار في ديارنا. كما سكتوا عن جرائم قتل المسلمين وتعذيبهم بسبب عملهم الدعوي. وحرّموا على الشباب المسلم العمل السياسي، وهاجموا الأحزاب والجماعات الإسلامية، واعتبروا ذلك بدعة وانحرافا عن منهج الإسلام. وغضوا الطرف عن انتشار إرساليات التبشير وتنصير المسلمين. وجلسوا إلى حوار الأديان. وسكتوا كذلك عن انتشار المؤسسات والشركات الرأسمالية، كالبنوك الربوية وشركات المساهمة وشركات التأمين. وسكتوا عن منكرات الدولة، من تصدير وتوريد للخمور، وفتح لـ " كازينوهات" القمار والملاهي والمراقص الليلية، وفتح أوكار الدعارة. وسكتوا عن كل أنواع الفساد في الحكم والإدارة واشتغلوا بأمور جانبية لا قيمة لها. حتى وصل بهم الحال إلى إصدار الفتاوى العجيبة والغريبة، كالفتوى التي تبيح للمرأة المسلمة إرضاع زميلها في العمل خمس رضعات، كحل للخلوة المحرمة بينهما. هكذا صوغوا من الآراء والفتاوى ما تفوح منها رائحة التضليل والغش والتحريف واختلاس العلم من الناس. فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا يُغْنِي عَنْهُمْ ". [رواه الدارمي]. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ " يُوشِكُ أَنْ يَظْهَرَ شَيَاطِينُ قَدْ أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ يُفَقِّهُونَ النَّاسَ فِي الدِّينِ ". [رواه الدارمي].
أيها المسلمون لقد كنتم في مقدمة الأمم، وكنتم الدولة العظمى والأولى في العالم. إلى أن اجتمع عليكم الكفار والخونة من أبناءكم فاحتنكوكم بالترويض على أفكارهم وعقائدهم، ودجّنوكم بالترهيب والوعيد ومغريات الحياة، وضللوكم عن دينكم، بتحريف الأحكام، حتى جعلوكم في ذيل الأمم. أفلا تبصرون..؟ أفلا تفكرون في علاج لهذه المأساة..؟
أيها المسلمون ها قد رأيتم كيف أن قوى الشر اجتمعت عليكم وأحاطت بكم من كل جانب. ورأيتم كيف استخدموا كل الوسائل والأساليب، لإغوائكم والتغرير بكم والهيمنة عليكم. فالخلاص منهم والتحرر من أفكارهم وهيمنتهم عليكم. والرجوع بالأمة إلى مجدها وعزها، لن يكون بالعمل الفردي. فلا يتصور أنه بجهودنا الفردية سنتغلب على هذه الكيانات المجتمعة علينا. ولا يتصور أن بالتزامنا الفردي بالعبادات والأخلاق والدعاء عليهم سنقضي على هذه المؤامرات وهذه المكائد التي تستهدفنا. وإنما العلاج يكون بالعمل الجماعي. في كيانات سياسية تقاوم تلك الكيانات. أي لابد من وجود حزب سياسي أو أكثر يعمل للتغيير الجذري. وهنا لا بد من شروط يجب مراعاتها حين تشكيل هذا الكيان السياسي، أي الحزب، أو النظر فيها قبل الانضمام إليه إذا كان موجودا. وهذه الشروط نجملها فيما يلي :
يجب أن يقوم هذا الحزب على أساس العقيدة الإسلامية وليس على أساس آخر غير عقيدة الإسلام. كالقومية مثلا. وأن يكون حزبا مبدئيا يحمل الإسلام كمبدإ. وليس حزبا إسلاميا بالاسم فقط يعمل بجزء من الإسلام. كالدعوة إلى الأخلاق والعبادات والروحانيات. وأن تكون أفكاره صافية ونقية من كل الأفكار الأخرى التي تخالف الإسلام. كالديمقراطية والاشتراكية. وأن يقوم بالصراع الفكري. ليخلّص الأمة ويحررها من عقائد وأفكار الكفر، كعقيدة فصل الدين عن السياسة، أو كفكرة الحريات. وأن يقوم بالكفاح السياسي لكشف مخططات الاستعمار ومؤامراته على المسلمين، ويكشف عمالة الحكام وخياناتهم وتواطئهم مع دول الكفر. وأن يعمل على التغيير الجذري لهذه الأنظمة القمعية التي تحكمنا بأنظمة الكفر. ولا يعمل على الدخول معها في مفاوضات وحوارات وبيع وشراء ويشاركها في الحكم. وأن يكون هذا الحزب منفتحا على الأمة وليس منغلقا عن نفسه ومعزولا عن الناس. فيخرج بأفكاره إلى الأمة ويتفاعل معها بهذه الأفكار تفاعلا حيا، حتى تحس الأمة بوجوده ويصبح له ولأفكاره رأي عام منبثق عن وعي عام. وأن تكون غايته استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام وتوحيد العالم الإسلامي. ولا يكون عمله قطريا وهمه متعلقا بالقطر الذي هو فيه. وأن يكون الولاء في هذا الحزب للمبدإ، أي للإسلام. وليس للقادة والزعماء فيتنازعون الأمر بينهم فيفشلوا وتذهب ريحهم. وعلى هذا الحزب وهو يعمل في الأمة أن يشركها معه في العمل بإفهامها أن هذه القضية قضيتها، وأنها قضية مصيرية تتوقف عليها حياتها أو فناءها. ولا يجعل بينه وبين الأمة حاجزا بأي شكل من الأشكال، فتبقى الأمة كالمتفرج تنظر لما يجري بينه وبين السلطة. وأن يعمل على استلام الحكم لإقامة الخلافة الجامعة للأمة الإسلامية، ولا يعمل على الإصلاح الجزئي والترقيع هنا وهناك، أو المطالبة ببعض الحقوق. فإن وفق في هذا كله. واهتدت الأمة لما يدعوها إليه. فإنه بلا شك ستتغير الموازين والمعادلات. وتتغير أحوال المسلمين. فتتقلص عمليات الترويض والإغواء والتغرير. وتنقشع عنهم سحب الوهن فينتفضون على الأنظمة ويقاومون الحكام. وبذلك ينتهي التدجين. وتفتح بصائرهم على حقيقة دينهم وتعود لهم الثقة بأفكار الإسلام. فينجون من التضليل. وبتغير جميع أحوال المسلمين إلى ما يرضي الله عز وجل عندها سيأتي نصره الذي وعدنا به سبحانه وتعالى ويمكّن لنا في الأرض. ونعود من جديد في مقدمة الأمم. قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )[الرعد: 11].