من إرث مفكرينا وعلمائنا حملة الدعوة - ج1- المرأة في الإسلام
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا" النساء.
وأصلي وأسلم على خير البشر رسول الله محمد بن عبد الله القائل "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه الحاكم وابن حبان.
وبعد، فإن الحديث عن المرأة وحقوقها، بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة حيزا كبيرا في وسائل الإعلام المختلفة، كما أخذ اهتماما لافتا للنظر من قبل المؤسسات الدولية والمؤسسات المحلية، كما أسست العديد من الجمعيات والمراكز المهتمة بأمور المرأة. ورصدت أموال طائلة للإنفاق على هذه الجمعيات والمراكز وعلى الأبحاث المتعلقة بقضايا المرأة، كما يتوالى عقد المؤتمرات الدولية التي تبحث قضايا المرأة. وقد توجت هذه الجهود بإعلان اتفاقية "القضاء على جميع إشكال التمييز ضد المرأة" "المسماة باتفاقية السيداو" والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 34/180 والمؤرخ 18 كانون الأول 1979. على أن يبدأ نفاذ الاتفاقية اعتبارا من اليوم الثالث من أيلول 1981. كما توالت المؤتمرات الدولية تحت مسميات شتى مثل مؤتمر التنمية والسكان في القاهرة، و مؤتمر كوبنهاجن وإعلان بكين +10 وإعلان بكين +15 المنعقد في الفترة من 1-12 آذار من العام الجاري 2010.
و قبل الحديث عن هذا الاهتمام بالمرأة وحقوقها في الوقت الراهن، وعن الجهات التي تقف وراء هذا الاهتمام، والغاية التي تسعى جاهدة وبكل السبل لتحقيقها، والأساليب التي تنتهجها، الإظهار الظلم الواقع على المرأة بشكل عام، وعلى المرأة المسلمة بشكل خاص، ما يستوجب بزعم هذه الجهات إزالة القوانين وتغييرها لتتمكن المرأة من تبوء المكانة التي تستحقها. لا بد من الوقوف على جملة من الحقائق بكل صراحة ووضوح، فإن الكلمة أمانة تحسب لقائلها او عليه. خاصة وأن الحديث وإن كان يدور في ظاهرة عن المرأة إلا انه في جوهره يستهدف المرأة والرجل، كما يستهدف الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، أي يستهدف العقيدة التي هي أصل المفاهيم عن الحياة وأصل الأنظمة والقوانين التي ينبغي أن يقوم عليها المجتمع، وتنظم بها كل العلاقات فيه. سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.
الحقيقة الأولى: إن الأحكام المتعلقة بالمرأة شأنها شأن بقية الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد والسياسة والحكم، أو المتعلقة بالعبادات أو العقوبات و سائر المعاملات، هي أحكام شرعية، أي هي أوامر من الله سبحانه وتعالى، خالق الإنسان والكون والحياة. وأوامر الله تعالى تؤخذ كما هي ولا دخل للعقل إلا في فهمها، فالعقل ليس مسلطا على أوامر الله تعالى ونواهيه بالتحريف والتعديل ولا بالإلغاء. فما أوجبه الله تعالى يبقى على الوجوب إلى يوم القيامة، وما حرمه يبقى محرما إلى يوم القيامة.
ورفض الالتزام بهذه الأوامر والنواهي، هو معصية من اكبر المعاصي، إن اعتقد أحد ببطلانها أو عدم صلاحيتها فقد كفر وخلع ربقة الإسلام من عنقه. ولما كانت هذه الأحكام الشرعية هي أوامر من الله تعالى خالق الكون والإنسان والحياة، كانت هي وحدها الصالحة للإنسان والحياة، وهي وحدها التي يصلح بها الإنسان وتصلح بها الحياة. وهي رسالة رب العالمين إلى البشرية جمعاء، وهي شرف للعرب وأمانة طوقت بها أعناقهم. قال تعالى:[وإنه لذكر لك ولقومك و سوف تسألون] الزخرف 44
الحقيقة الثانية: إن المساواة بين الرجل والمرأة لم تكن قضية محل بحث عند المسلمين قديما ولا هي قضية ذات موضوع في النظام الاجتماعي في الإسلام، ولا هي مشكلة محتملة الوقوع في الحياة الإسلامية، حال تطبيق الإسلام. لقد عاش المسلمون قرونا طويلة في ظل أحكام الإسلام، ولم تكن المساواة بين الرجل والمرأة قضية تبحث، ولا مشكلة تحتاج إلى حل. فقد أقام الإسلام نظامه الاجتماعي على أساس متين، يضمن تماسك الجماعة والمجتمع ورقيهما، ويوفر للإنسان رجل كان أو امرأة السعادة الحقيقية، والكرامة اللائقة بالإنسان الذي كرمه الله تعالى بقوله:[وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] الإسراء 70
ولقد جعل الإسلام للرجل حقوقا وجعل عليه واجبات، وجعل للمرأة حقوقا وجعل عليها واجبات، وهذه الحقوق والواجبات هي أحكام شرعية، شرعها الله تعالى خالق الإنسان والكون والحياة. وقد جعلها الإسلام واحدة للرجل والمرأة، حين النظر للطبيعة الإنسانية للرجل والمرأة، وجعلها متنوعة، حين تقتضي طبيعة كل من المرأة والرجل التنوع. ولا يصح بالتالي أن يطلق على هذا التنوع بأنه مساواة، ولا أنه عدم مساواة.
والإسلام حين خاطب الرجال والنساء بوصفهم الإنساني جعل الخطاب أو الحكم واحدا للرجال والنساء، فلم يفرق بينهما في الدعوة إلى الإيمان ولم يفرق بينهما في التكليف بحمل الدعوة للإسلام.
قال تعالى:[إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً] الأحزاب 35. وقال تعالى: [وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً[ النساء. وقال تعالى ]مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ] الأنعام. وقال تعالى:[وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً] الأحزاب 36
وقد جعل الإسلام أحكام العبادات كلها الصلاة والزكاة والصوم والحج أحكاما واحدة للرجال وللنساء على السواء. قال تعالى:[قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً] إبراهيم. كما جعل أحكام العقوبات من حدود وتعزير على السواء بين الرجال والنساء. قال تعالى:[وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ]المائدة 38. وقال تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ] النور. وقال تعالى:[وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً] النور
كذلك جعل الإسلام أحكام المعاملات من بيع وشراء ووكالة وكفالة وغيرها أحكاما واحدة للرجال والنساء على السواء. و حين طلب الإسلام الاتصاف بحسن الخلق طلب ذلك من الرجال والنساء على حد سواء ، وحين طلب غض البصر طلبه من الرجال والنساء على حد سواء. قال تعالى:[قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..] النور 30-31
وإذ نظر الإسلام إلى الناحية الإنسانية في الرجل والمرأة، وجعل الأحكام المتعلقة بإنسانيتهم إحكاما واحدة، لم يغفل الأحكام الخاصة بالرجل كرجل كما لم يهمل الأحكام الخاصة بالمرأة كامرأة، فقد أوجب الإسلام على الرجل ان يدفع مهرا للمرأة، وأوجب عليه أن ينفق عليها و على أولادها بالمعروف، أي بما تعارف عليه الناس من نفقة أمثاله على عيالهم، فإن كان موسرا انفق بسخاء، وإن كان فقيرا انفق بقدر الاستطاعة، قال تعالى:[لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا] الطلاق.
و فرض الله تعالى الجهاد على الرجل ولم يفرضه على المرأة. كما فرض على الرجل أن يدفع لمطلقته أجرا على إرضاع ابنه منها، مع أنه ابنها أيضا. قال تعالى: [فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ .. ] الطلاق. وكما خص الإسلام الرجل بأحكام، خص المرأة بأحكام، فجعل الحضانة حقا لها، كما خصها بأحكام العدة، وأحكام الحمل والحيض والنفاس، وهذه أحكام تتعلق بالمرأة كأنثى ومن الطبيعي أن تكون أحكاما خاصة بها. ولقد كرم الإسلام المرأة تكريما لم تنل مثله لا في التشريعات السابقة على الإسلام ولا في التشريعات الوضعية بعد الإسلام.
فقد كرم الإسلام البنت وجعلها شقيقة الولد، وحرّم وأدها و عاب على من يفعل ذلك أشد العيب، قال تعالى:[وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ] النحل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات} البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم {من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار} رواه البخاري، وعن ام المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول{ من أنفق على ابنتين او أختين أو ذواتي قرابة، يحتسب النفقة عليهما، حتى يغنيهما الله من فضله عز وجل كانتا له سترا من النار}. و كرم الإسلام المرأة زوجة ففرض لها مهرا، و جعل مقدار هذا المهر، مهر أمثالها من النساء، قال تعالى: [وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً] النساء- والنحلة هي العطية بدون مقابل. وفرض للزوجة نفقتها ونفقة ولدها بالمعروف، قال تعالى: [ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ] الطلاق. ولم يكلف المرأة نفقة زوجها ولا نفقة أولادها حتى لو كانت موسرة وزوجها فقيرا، وجعل لها أن تأخذ من مال زوجها لتنفق على نفسها وأولادها بالمعروف دون إذنه إن كان معروفا بالبخل وقلة الإنفاق.
كما أعطاها الحق في ان تباشر الإنفاق على نفسها وأولادها دون تدخل منه، فقد روى البخاري أن هند بنت عتبة زوج أبي سفيان قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم{ أن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي أن آخذ من ماله سرا؟ قال: خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف}. وأمر الرجل بحسن عشرتها والصبر على ما يكره منها. قال تعالى:[ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ]النساء. وأمر لها بمتعة بعد الطلاق، قال تعالى:[وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ] (236 البقرة). وحرم عضلها أي منعها من الزواج إضرارا بها أو من اجل أن تتنازل له عن بعض حقوقها، قال تعالى:[وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ]. 232 البقرة.
عبد الله الجبار التميمي- أبو أحمد