تسع وثمانون سنة ...
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تسعٌ وثمانون سنةً مضت منذ أن أُسقطت دولة الخلافة، وطُرِدَ آخرُ خلفاء بني عثمان من استانبول بشكل مُذل. تسعٌ وثمانون سنةً مضت وأحكام الله معطلة ، لايهتم بها حاكم ولايطبقها رئيس ، والله عز وجل يقول: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» (المائدة 44). تسعٌ وثمانون سنةً لم يُعط المسلمون بيعةً لخليفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» صحيح مسلم . تسعٌ وثمانون سنةً لم يُطبَّق حدٌّ من حدود الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إِقَامَةُ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي بِلَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ابن ماجه. وقال أيضاً: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ» مسند أحمد. تسعٌ وثمانون سنةً والمسلمون ليس لهم خيار أو إرادة في اختيار زعيم أو حاكم، يحكمهم الصبي والمجنون ، ويحكمهم الملقى على سرير الموت غير القادر على تسيير الأمور، يحكمهم أمثال كرزاي ومبارك والقذافي، فأيّ مهانةٍ للأمة أكبر من هذا ؟!
تسعٌ وثمانون سنةً والجهاد ملغى، لم تنطلق نداءات «أيا خيل الله اركبي» و «حيَّ على الجهاد»، لم يُنشر الإسلام في أرض جديدة، ولم يُحمل الإسلام إلى قوم آخرين، ولم يدخل الناس في دين الله أفواجاً، تسعٌ وثمانون سنةً لم تُرفع راية المسلمين -راية العقاب- خفاقةً في سماء الدنيا، ولم تُرسل الرسائلُ باسم أمير المؤمنين ولا باسم خليفة المسلمين.
تسعٌ وثمانون سنةً لا يخرج المسلمون من احتلال أو استعمار إلا ويذوقون ويلات آخر. تسعٌ وثمانون سنةً وصرخات النساء في فلسطين والشيشان والعراق وكشمير تعلو وتعلو ولا مجيب. وما زالت صرخات وآلام خمسين ألف امرأة بوسنية اغتصبهن الصرب لم تلقَ ناصراً أو آخذاً بثأر. تسعٌ وثمانون سنةً وما زال عشرات الملايين من المُهجَّرين المسلمين لا يجدون مأوى كريماً، ولا راعياً صالحاً، ولا بلداً حافظاً لهم. وما زال مئات الآلاف من المسلمين في سجونٍ ومعتقلاتٍ الداخل فيها مفقود، والخارج منها إما إلى قبرٍ أو حياةٍ من جحيم. تسعٌ وثمانون سنةً وما زالت نداءات الثكالى والأيتام ونداءات المظلومين لم تجد جواباً أو نصراً من حاكم أو رئيس.
تسعٌ وثمانون سنةً لم نرَ حاكماً يتصرف كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهز جيشاً وحارب يهود حين كشفوا عورة امرأة مسلمة وقتلوا مسلماً حاول الدفاع عنها. أين أمثال عمر من الحكام ليتفقدوا أحوال الرعية لا ليتجسسوا عليها ويرهبوها؟! أين أمثال أبي بكر ليجعل الضعيفَ قوياً حتى يأخذ الحق له، والقويَ ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه؟! أين أمثال عمر بن عبد العزيز في المحافظة على أموال الأمة ورعايتها حتى يزول الفقر والعَوَز؟! أين أمثال هارون الرشيد ليردَّ على من يستخف ويهين المسلمين قائلاً: «من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بأذنك»؟! أين أمثال المعتصم ليلبّي صرخات النساء والثكالى ويمسح الحزن عن الأطفال واليتامى؟! أين أمثال السلطان محمد الفاتح؟ وأين أمثال السلطان عبد الحميد الذي وقف سدّاً منيعاً في وجه ضياع فلسطين، ومنع عرض مسرحية في فرنسا تُهين الرسول الكريم؟! أين الحكام اليوم من المحافظة على دماء المسلمين-بل هم السافكون لها- وحرمة دم المسلم أعظم عند الله من الكعبة المشرفة؟! فهل جفّت الأرحام عن إنجاب أمثال أولئك حتى لم نعد نرى إلا الإمّعة والمتردية والنطيحة والمتخاذل والعميل من الحكام اليوم؟!
تسعٌ وثمانون سنةً لم يسجل التاريخ نصراً لحاكم، بل هزائم تتلوها هزائم، وخيانات تتلوها انسحابات، وتسليم وبيع لأرض المسلمين، ومؤامرات تُدبر بليل وقودها دماء المسلمين وأموالهم. تسعٌ وثمانون سنةً والمسلمون في فرقة وتشرذم، قُسموا على بضع وخمسين كياناً بعضها لا يزيد عن تعداد ضاحية لمدينة.
لقد فقد المسلمون معنى الوحدة، ولم يعودوا يشعرون بمعنى الأمة الواحدة. نخرت فيهم سوسة الوطنية والقومية ونسوا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ» سنن أبي داوود.
تسعٌ وثمانون سنةً ذهب منها بريق العلماء ومحاسبتهم للحكام، وتعليمهم للرعية. تسعٌ وثمانون سنةً كثرت فيها الالقاب لعلماء ومشايخ ليس لهم نصيب من ذلك إلا الاسم. علماء أفتوا بوقف الجهاد وعدم الحاجة إليه، بل إن بعضهم خذل المسلمين ونصر الكافرين في الغرب في مسألة الحجاب. وبعضهم أفتوا بجواز الاستعانة بالكفار على المسلمين، والدخول في جيش الكفار لمحاربة المسلمين. أين هؤلاء من العزّ بن عبد السلام الذي وقف في وجه حاكم دمشق عندما أراد الاستعانة بالكفار على قتال المسلمين في مصر. وأين هؤلاء من أمثال سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل في محاسبة الحكام والبعد عن الجبن والخنوع؟!
ألم يأن للذين آمنوا وخشعت قلوبهم لذكر الله أن يبدأوا السير مجدّين في العمل لعودة الخلافة! ألم يأن لمن أحب الله ورسوله أن يطيعهما ويبذل الغالي والنفيس من أجل إعادة الحكم بما أنزل الله في الأرض! ألا تشتاق الأنفس للعزة والكرامة؟! ألا تتلهف الأنفس لنشر الخير والعدل والرحمة للبشرية؟! ألا تكفي تسعٌ وثمانون سنةً من الذل والضياع؟!
كتبه للاذاعة ابو هيثم