الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

كلمة في ذكرى هدم الخلافة - 1431هـ

بسم الله الرحمن الرحيم


وفي هدم الخلافة نقول....

 

الحمد لله قيوم السماوات والأرض ، مالك الملك، وملك الملوك، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، أعزنا بالإسلام ، وأعز الإسلام بدولة الإسلام ، وأعز دولة الإسلام بالجهاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في محكم التنزيل: ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسولـه وصفيه من خيرة خلقه وخليلـه، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: ( لينقـضن عرا الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة ، تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة ) رواه أحمد في مسنده.
أما بعد فيا حماة الإسلام وحراس العقيدة: في مثل هذا اليوم الثالث من آذار لعام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين عاما ميلاديا كانت المصيبة العظيمة التي أصابت الأمة بطعنة فأردتها صريعة ، تمثلت بهدم دولتـها، دولة الخلافة.
تلك المصيبة التي كانت سبب تمزقها، وسبيل ضياعها. ومصيبة عظمى، أدت لغربتها وفرقتها، وطامة كبرى ألمت بالأمة فآلمتها. وما زالت تنزف بشتى أنحاء جسدها المنهك بطعنات مميتة على يد بعض من أبنائها المتسلقين، وبتحريض من أعدائها المجرمين .
فقبل تسعة وثمانين عاما: كان الزلزال الأعظم، وكانت الصاعقة التي أصابت الأمة بمقتل ، لولا كتاب من الله سبق بحفظ دينه وبقاء أمته.
هذا الدين الذي سادت به أمة الإسلام قرونا طوالا. فكانت بحق خير أمة أخرجت للناس، وقد حملت مشاعل النور والهدى والخير للبشرية جمعاء، تستظل به، فتنعم بعدله، وتسعد بحكمه، حتى إذا وئدت الخلافة غاب عن الأرض كل الأرض الأمن والأمان، والعدل والإحسان، والأمانة والسلام.
قبل تسعة وثمانين عاما: هدمت الخلافة ، وغاب حكم الإسلام عن الوجود بعد أن غار حكم الله عن التطبيق في شتى أصقاع الدنيا، فـفقدت الأمة راعيها: الأب الحاني، وحاميها الأخ الشفوق، وأميرها السيد المطاع ، وخليفتها الملاذ الآمن، وحامي الحمى .
ومن يومـها ! والمسلمون من نازلة إلى نازلة، تنصب عليهم المصائب تترى، حتى أضحوا كالريشة في مهب الريح تتقاذفهم الأيدي يمنة ويسره.
وإن المسلم حين ينظر إلى الحال الذي وصلت إليه أمة الإسلام فإن قلبه ولا شك يتفطـر حزنا وألما, وحسرة وندما، حين يستذكر لها ماض مجيد، وعز تليد.
كيف لا!! وقد اقتعدت مركز الصدارة قرونا عديدة . كانت لها الصولة والجولة ، وكانت لها السيادة والريادة ، حتى كاد أن يظهر دينـها، ويسود مبدؤها على الدين كله.
كيف لا وقد طأطأ لها الشرك ذليلا صاغرا، وقد علت هامتـها، ونمت قوتـها، وعزت بدولتـها، وخاطب الغمام سيدها.
قبل تسعة وثمانين عاما: أضحت الأمة بحق غـثاء كغثاء السيل ، وأضحى حالـها كالأيتام على موائد اللئام، تنوشها ذئاب الغـضى {وهي أشرس أنواع الذئاب} وتلسعها حيات الأرض وتتخطفـها شياطين الإنس والجن من كل جانب.
ثم ليبدأ عهد تخلـف فيه المسلمون عن حمل ما كـلـفوا به من فوق سبع سماوات، فتولى الكافر قضاياهم ،إذ جعل من نفسه وصيا عليهم، فكانوا له نهبا، ومزقوا شر ممزق . وصاروا كأيدي سبأ شـذر مذر، فاستـبيحت خيراتـهم، وهتـكت أعراضهم، واحتـلـت بلادهم، وضعفت شوكتـهم وهان على الكفار شأنـهم، ونطق الفويسق فيهم، وظهر عليهم أراذل خلق الله ممن خلق، من عباد الخشبة، وشذاذ الآفاق وعبدة الأوثان.
قبل تسعة وثمانين عاما أسودا: رفع الأشرار، ووضع الأخيار، وظهر التحوت وذهب الفحول، وفشا في القوم المثناة ( وتعني ما اكتـتب سوى كتاب الله ) من رأسمالية ظالمة مجرمة، وبم انبثق عنها من أنظمة جائرة، وحريات فاجرة، ومن اشتراكية ملحدة، وقوانين مجحفة، فـقـد بها الإنسان إنسانيتـه، وعاد لجاهليته الأولى من عاد، وعم الأرض كل الأرض ، ظلم وجور، ساد أصحابها، ظلمات بعضها فوق بعض، وأصبحوا يعيشون حياة الغاب صراع بقاء، فيه البقاء للأقوى، والله يقر بأن ألبقاء للأتقى، وأن العاقبة للتقوى. وصدق الله العلي العظيم: ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين }
قبل تسعة وثمانين عاما: غـيبت الخلافة فـكـثـر الحكام والأمراء والوزراء وقد نصبهم الكفار المستعمرون خدمة لأغراضهم، فكانوا طوع أمرهم، ورهن إشارتهم، وقد صنعهم الكافر على عين بصيرة، فكانوا نعم العبيد لأسيادهم.

أذاقوا الأمة صنوف الذل وعلقم الهوان ، وقد حكموها بالكفر الصراح ، وربطوا قضاياها بأذيال أعدائها فلم يرقـبوا فيها إلا ولا ذمة .

إلى أن وصل بها الحال إلى ما ترون وتحيون وتسمعون من استخفاف أعدائها بها، وتداعيهـم عليها حتى انفرجت عن دينها، إلا من رحم الله، وغـزيت في عقر دارها. وما غـزي قوم في عـقر دارهم إلا ذلوا.

فأصاب الأمة ما أصابها من ضعف في فهم مبدئها الذي قامت على أساسه نهضتها, وقـويت شوكتـها، وعلا شأنـها، حتى نسيت اليوم الذي رفعت فيه راية الجهاد، ولواء الحق, فضاعت سيادتـها. وكانت النتيجة الطبيعية زعزعة أركان النهضة, وتـمزق الخلافة مزقـا كثيرة على رأس كل واحدة منها حارس أمين على مصالح أسياده، خائن لدينه، خائن لأمته, يتربص بها الدوائر.

أيها المسلمون العاقلون:
أعتقد: أن الأمة الإسلامية ما نهضت إلا بعد حملـها لمبدئها، فكان سبيل نهضتها.
وأقطع: أنها ما سادت إلا عندما حملته وكان سر حياتها.
وأجزم: يقينا أنه لن يصلـح حالـها إلا بما صلـح به أولـها، وعادت سيرتـها الأولى, وفي هذا يكون نصر الله لها .

أيها الإخوة الأكارم: إنكم وقد أدركتـم أن الأمة ما نهضت يوما إلا بإحسان فهمها لمبدئها, وإحسان تطبيقه, وإحسان حمله, كيف لا ؟ وهو تكليف مـن الله أوجبه عليها.

فكيف يمكن أن يستقيم فهمها وهي تطلق العنان للعقل في التشريع ؟

أم, كيف يستقيم فهمها لمبدئها وهي تـمعن بإدخال أفكار كفر في دائرته ؟ من ديمقراطية وعلمانية وبم انبثق عنهما من عولمة وخصخصة وحريات ؟

وهل يمكن أن يطبق الإسلام إلا بدولة الخلافة التي تـستأنف بها الحياة الإسلامية ، لتعود الحياة للأمة فتحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع بالجهاد.

وصدق الله العلي العظيم إذ يقول: ( ولو أن أهل القـرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض , ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} .
ألآ فاعلموا عباد الله يرحمني وإياكم الله: أن الخلافة حظيرة الإسلام , ومحيط دائرته, والحصن الحصين لأهله, فبها تصان بيضة الإسلام , وتقام الحدود, وتـصان الحقوق, وتـحصن الثـغور, وتـحمل الدعوة , وتـرفـع العقاب، لتـنزل العقاب بأمريكا وأوروبا وأمثالهـم، فتـنسيهـم ومعهم شذاذ الآفاق وأضرابهم وساوس شيطانهم. وتدعو الأحمر والأسود والناس أجمعين، لعبادة رب العالمين.

إخوة الإسلام, إخوة الإيمان: تلك والله هي الخلافة , فهي ليست خيالا يداعب الأحلام, ولا خـرافة كما يزعم من بعقله خرف, فبها امتلأت جوانب التاريخ ثلاثة عشر قرنا متواليا, فهي حقيقة , كانت كذلك في الماضي, وكائنة بإذن الله قريبا. لأن عوامل وجودها أقوى من أن تـنكرها الأجيال ,أو يصارعها الكفار, أو تسري عليها الآجال, لا، بل قد أخبر الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه, أنـه سيقضى عليها وتعود, لتعود أقوى مما كانت, وقد أخذت العبرة فاتعظت من أخطائها، وفاقت من سباتها. ليظهر الله دينـه على الدين كلـه مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم (هذا الأمر{أي الخلافة} كائن بعدي بالمدينة، ثم بالشام , ثم بالجزيرة، ثم بالعراق ، ثم بالمدينة، ثم ببيت المقدس فإذا كانت ببيت المقدس فـثـم عقر دارها ).
ولم يبق والله إلا العود الأخير خلافة على منهاج النبوة، ببيت المقدس زهرة بلاد الدنيا .
إخوتي في الله وأحبتي: إن الخلافة اليوم قد امتلأت بها العقول المستنيرة , وهي كذلك أمينة الأمة الإسلامية المتعطـشة لمجد الإسلام وأمنيتـها, والخلافة ليست رغبة تستأثر بها النفوس عن الهوى, بل هي فرض أوجبه الله على المسلمين وأمرهم أن يقوموا به, وحذرهم عذابه إن قصروا بأدائه. فكيف يرضى عنهم ربهم وهم لا يعملون مع العاملين لإعادة الخلافة الغائبة ؟!

وكيف يرضون ربهم والعزة في بلادهم ليست لله ولا لرسوله ولا للمؤمنين ؟!
وكيف يتقون عذابه وهم لا يقيمون دولة تـجهز الجيوش, وتحمي الثغور, وتـقيم الحدود, وتـحكم بما أنزل الله ؟!.
أيها المسلمون في كل مكان: هذه هي دولة الخلافة التي نطمح إليها أيها المسلمون.
فإلى فهم الإسلام فهما نقيا خالصا نستحثـكم, وإلى إقامة دولة الخلافة التي هدمها الكفار ندعوكـم، ونستصرخـكم أن تكونوا مع الذين يشيدونها ليعمروها, ولا تكونوا مع الذين يحملون معاول هدم لوأدها.
فلسنا نرضى لأبناء خير أمة أخرجت للناس أن تقف موقف صمت, ولا تعمل لتغيير حالها, وكأن الأمر ليس يعنيها، فالعمل لإقامة الخلافة الراشدة هو العمل المنتج، والحل الجذري لجميع مشاكل المسلمين المسقط للإثم ، والمبرء للذمة.

ولنجعل من إقامتها قضيتنا المصيرية التي نبذل في سبيلها النفس والنفيس، ونفتديها بالمهج والأرواح , ولن نـحيد عنها قيد أنملة ما حيينا, امتثالا لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: ( يا عم والله: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركتـه حتى يظهـره الله أو أهلـك دونه ).
فالإسلام لا يكون إلا بالخلافة، ولن يسود إلا بها.
فإلى بناء الحصن الحصين , والقصر المشيد، والركن الشديد, ندعوكم أيها المؤمنون.
فبها العز والمجد، وبها الرفعة والسؤدد، وبها ينصركم ربكم، فيرضى عنكم أهل الأرض ، وتستغفر لكم ملائكة السماء، فتفوزوا في الدارين.
ألا فاعلموا عباد الله يرحمني وإياكم الله: أن الخطب جلل، وأن المصيبة عظيمة , وأن العمل المطلوب ضخم في حجمه، كبير في أجره، صعب أداؤه، جزيل ثوابه، يتطلب فقها دقيقا، ومهرا غاليا، وصبرا متناهيا، وحيلة واسعة , فهل من مشمر لها .
فالخلافة هي قطرة الماء التي تنزل على الأرض المقحلة الجدباء فتحييها من موات.
وهي البلسم الشافي لأسقام ألمت بالمسلمين، بل بأهل الأرض جميعا.
وفي الختام مسك الختام قولـه تعالى :( وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين}.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا ووفقنا اجتنابه، اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا لأنفسنا طرفة عين، وآتنا الخير كلـه في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم أعزنا بالإسلام ، وأعز الإسلام بنا, وأعز الإسلام بقيام دولة الإسلام، وأعز دولة الإسلام بالجهاد.
اللهم عجـل بقيام دولة الخلافة، ليعز بها كل عزيز, ويذل بها كل ذليل، واجعلنا اللهم وإياكم شهداء يوم قيامها، واجعلنا اللهم وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك مولانا قريب سميع مجيب الدعوات.
اللهم آمين, اللهم آمين, اللهم آمين, رب, رب العالمين .
وصل وسلم وبارك اللهم على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

الأستاذ: سعيد عبد الله الصالح

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع