عيدٌ بأيِّ حالٍ عدتَ يا عيدُ
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد انقضاءِ شهرِ الطاعاتِ والتقربِ الى الله زُلفى , شهرِ الصومِ الفضيلِ , فقد شاء الله سبحانه وتعالى ان تكونَ نهايةُ هذا الشهرِ عيداً للمسلمين يُنهون به صيامَهم وقيامَهم ضارعين الى الله عز وجل القبولَ والمغفرة , والعتقَ من النار , فكل عام وانتم بخير وتقبلَ الله منا ومنكمُ الطاعات .
وفي استعراضٍ لأحوالِ عيِد الفطرِ وترابطِه بشهرِ رمضانَ المباركَ عبرَ عصورِ الاسلامِ الذهبيةِ والتى زادت عن الفِ عام , فقد كان لرمضانَ وقعٌ خاصٌ في قلوبِ المسلمين , رعاةً ورعيَّة , جيوشاً ومدنيين , فكان الترابطُ وثيقاً , مما لازمَ قدومَ فرحةِ العيدِ بقدومِ الانتصاراتِ والفتوحاتِ المُتتالية , فكانت أخبارُ هذه الانتصاراتِ والفتوحاتِ العظيمةِ في شهرِ رمضان المبارك تنتقلُ الى الأمصارِ في كافةِ بقاعِ الدولة الإسلامية , تنشرُها اجهزةُ الدولةِ لمواطنيها عبر ما توفرَ آنذاك من وسائلِ لإعلامِ الناسِ بالاخبارِ التي ترفعُ الهمةَ وتُفرحُ القلوبَ , فلا ينتهي رمضانُ الا وقد ذاعتْ هذه الاخبارُ فيستبشرُ بها المسلمون خيراً , لتتحولَ فرحتُهم بقدومِ عيدِ الفطرِ بفرحتين , فرحةِ العيدِ بانقضاءِ شهرِ الطاعةِ والصومِ , وفرحةِ الانتصاراتِ والفتوحاتِ , وما يليها من فضلِ الله على هذه الامة .
وقد يتبادرُ الى الذهنِ أنَّ الفتوحاتِ والانتصاراتِ لم تقتصرْ فقط على الشهرِ الفضيل , وهذا قولٌ حق ٌّ, بالرغمِ منَ الاهتمامِ البالغِ لولاةِ امرِ المسلمين آنذاك ببثِّ روحِ الجهادِ والفتحِ خلال الشهرِ الفضيلِ لما في ذلك من تحقيقِ النتائجِ المرجُوَّةِ بالبذلِ والعطاءِ بالنفسِ والمالِ تقرباً الى الله سبحانه وتعالى .
وقد كان لولاةِ أمرِ المسلمين عبرَ العصورِ الذهبيةِ لحكمِ الاسلامِ طرائقُ وسبلٌ لاستقبالِ عيدِ الفطر , مما أضفى عليه صِبغةً خاصةً تُشعرُ الناسَ بالفرحةِ والطمأنينةِ والاستقرار , فتجدُ الناسَ مهلِّلين مكبِّرين حامدينَ الله عز وجل على نِعمِه , يعيشون حياتَهمُ الاسلاميةَ بكلِّ معانيها , مستبشرين بانتصاراتِهم , داعين لخلفائِهم بالتوفيقِ في تطبيقِ شرعِ ربِّهم , فكانوا رحمةً على بعضِهمُ البعض .
اما حالُ الامةِ الاسلاميةِ منذ ان هُدمت دولةُ الخلافةِ العثمانية , فانَّها تعيش ُمسلسلِ سقوطِ الخلافةِ الى هذا اليوم , فالمؤامراتُ التى حيكت على الامةِ لاسقاطِ خلافتِها , ما زالت خيوطُها متصلةً بالأصل , بالرغمِ منَ اختلافِ بعضِ الحائكين , وما زالت هذه الخيوط تُنسَجُ بالوانٍ متجددةٍ براقة , تعملُ بلا كللٍ او مللٍ على تثبيتِ التشرذمِ والفُرقةِ لهذه الامة , عبرَ المحافظةِ على الانظمةِ الحاكمةِ في كافةِ البلادِ الاسلامية لتكون ذراعاً للاستعمارِ الغربيِّ في بسطِ نفوذِه وفرضِ طريقةِ عيشِه وسرقةِ ثرَواتِ الامةِ ومواردِها .
فبأيِّ حالٍ عدت يا عيدُ ..... ففلسطينُ ما زالت ترزحُ تحت نارِ احتلالٍ عدوٍّ حاقدِ , يمثلُ رأسَ حربةٍ للغربِ بصلَفِهِ وعُدوانيَّتِه , تحالفَ مع سلطةٍ سُمِّيت (وطنية ) لتكونَ ممثلةً ( شرعيةً ) للمصالحِ الغربيةِ في هذه القضية , والعراقُ تبكيه ضفافُ دجلةَ والفرات , استشهدَ من ابنائه مئاتُ الالوفِ باسلحةِ امريكا الفتاكةِ ودسائسِها الطائفيَّة النَّتِنَة , وما زالت هيمنةُ امريكا جاثمَةً على صدورِ اهلِها عسكرياً وسياسياً واقتصاديا بالرغمِ منَ ادِّعائِها اكاذيبَ غيرَ ذلك .
وافغانستان يُقتلُ ابناؤُها بايدي امريكا وحُلفائِها , حتى ان بُنيتَها التحتيةَ اصبحت شبيهةً بالعصرِ الحجري ... , اما الباكستان فانها لا تسلمُ يوميا من قصفِ الطائراتِ الامريكيةِ التي تقتلُ شيوخَها واطفالَها ونساءَها , بينما نظامُها السياسيُّ المجرم , يتآمرُ على ابناءِ شعبِه ويرسلُ قواتِه المسلحةَ لتنوبَ عن امريكا في حربِها , ويقتلُ شعبَه بيديه محاولاً حمايةَ ظهرِ امريكا في افغانستان .
والصومالُ يتفتتُ ألماً وكمداً على قتالِ ابنائه بعضَهم بعضا , والمستعمرُ الغربيُّ يترقبُ وينتهزُ الفرصَ ويدعمُ اولياءَ الشيطانِ لما قد يَجنيه في القرنِ الافريقي .
والسودانُ وبخيانةِ نظامِه الحاكم يتدرجُ بتطبيقِ الاحكامِ الانفصاليةِ لتصبحَ السودانُ سودانَيْن , ناهيك عن القتلِ والتشريدِ والدمارِ في دارفور لتحقيقِ مصالحَ غربيةٍ بحتة . اما اليمنُ فهنالك دوافعُ انفصالٍ وتشرذمٍ تدعمُه قوى غربيةٌ متصارعةٌ تستخدمُ دماءَ ابناءِ اليمنِ السعيدِ وقوداً لتحقيقِ مآربهِا .
ولن ننسى كشميرَ الرازحةَ تحت حكمِ المحتلِّ الهندي , والشيشانَ تحتَ حكمِ المحتلِّ الروسي , وتركستان الشرقية وما يعانيه اهلُها من ظلمِ الصين , والبوسنة , والكثيرَ الكثيرَ غيرَهم مما لا يتسعُ المقالُ لذكرِهم , بالاضافةِ لمحاكمِ التفتيشِ الاوروبيةِ التى تلاحقُ المسلمين في لباسِهم ومآذنِهم وعَيْشِهم .... وفوق كل ذلك , ما تعانيه الامةُ الاسلاميةُ منَ الانظمةِ المغتصِبَةِ الجاثمةِ على صدورِها , من اندونيسيا شرقا الى المغربِ غربا .... انظمةُ الجورِ والطغيان ....
فبأي حال عدت يا عيد .... انه حالٌ سئٌّ ولا شك , بل ان ما تعانيه الامةُ الاسلاميةُ هو منْ اسوأ ما مرَّ عليها منذ بَعثةِ محمدِ صلى الله عليه وسلم , لذلك فانه من بداهةِ القول , انَّ الخروجَ من هذا الحالِ الى ما هو افضلَ منه , هو وبلا شك , سيكونُ اعظمَ حدثٍ في تاريخِ هذه الامةِ بعد النبوة , فتوحيدُ الامةِ الاسلاميةِ جمعاء في كيانٍ سياسيٍّ واحدٍ ونظامٍ واحدٍ وجيشٍ واحدٍ واقتصادٍ واحدٍ تحت حكمِ خليفةٍ واحد , هو منْ اعظمِ الاعمال~ على الإطلاق , وهو شامةٌ بين الاعمال , وتاجُ وَقار ٍعلى رأسِ كلِّ عامل , فاللهَ نسألُ ان يوفِّقَ العاملينَ المخلصينَ لاقامةِ هذا الدينِ بالسدادِ والتمكينِ والنصر , انه على كلِّ شئٍ قدير .