رمتني بدائها وانسلت
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد الناس خلال اليومين الأخيرين نموذجاً جديداً من نماذج الحكام الساقطين، فها هي اليمن تسير على خط التغيير أسوة بأخواتها من بلاد المسلمين بعد تونس ومصر وليبيا، وقد شهدنا خطاب كل رئيس من رؤساء تلك الدول الثلاث، وكانت السخرية هي السمة الغالبة التي واجهت الشعوب بها حكامها نتيجة لخطاباتهم, وفوجئ الناس أمس بالخطاب المتخلف للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، حيث يستغرب من الجماهير المحتشدة المطالبة بخلعه يستغرب منها أنها ترفع سقف مطالباتها كلما قامت السلطة بتقديم تنازلات، ويتهم تلك الجماهير المحتشدة بأنها تدار من غرفة عمليات في تل أبيب تدار إعلامياً من البيت الأبيض.
في هذا اليوم شارك القذافي في ما سماه احتفالاً شعبياً بالذكرى الرابعة والثلاثين لسلطة الشعب، وألقى خطاباً طويلاً في مجموعة من المرتزقة، استمر أكثر من ساعتين، نفى فيه وجود مظاهرات في ليبيا، ونفى وجود مواجهات أو قتلى...
إن هذا الخطاب الذي ما زلنا نسمعه من هؤلاء الرؤساء المنتهية صلاحيتهم يوحي للمراقب بجملة من النتائج:
أولها: تخلف خطاب الحكام، فما زال هؤلاء الحكام يظنون أنفسهم يعيشون مرحلة الستينيات والسبعينيات، ويخاطبون الأمة التي قطعت شوطاً في إدراك قضيتها المصيرية، ووصلت من الوعي درجات ودرجات، يخاطبونها بلغة عفا عليها الزمن، لغة الاستخفاف بالعقول، كقول علي عبد الله صالح إن المظاهرات تدار من غرفة عمليات في تل أبيب وتدار إعلامياً من البيت الأبيض، فقد صار هذا الخطاب ممجوجاً لدى الناس، لأن الناس أصبحوا يدركون أن هؤلاء الحكام ما هم إلا دُمًى تحركها الدول الكبرى، فالحقيقة أصبحت مكشوفة للناس، أي حقيقة هؤلاء الحكام وأن أنظمتهم تدار من سفارات الدول الكبرى التي تشكل دولاً داخل كل دولة من بلادنا، وقد آن أوان اقتلاع هذه الأنظمة مع جذورها الغربية، أي مع اقتلاع نفوذ الدول الكبرى في بلاد المسلمين، ولكن الحكام لم يدركوا هذه الحقيقة بعد.
ثانيها: ما زال الحكام يتصرفون من منطلق أنهم المالك الحقيقي لكل شيء في الدول التي تربعوا على عروشها عقوداً من الزمن، وأنهم يملكون الأرض وما عليها وما تحتها، بل ويملكون البحر والهواء والجو والسماء، وأنهم إن أعطوا شعوبهم شيئاً من المال، أو شيئاً من التعبير عن مكنونات نفوسهم، فإنهم يعطونهم إياها منةً وتفضلاً وإنعاماً عليهم، وما زالوا يتصرفون بناء على أنهم هم أولياء النعمة، وأنهم هم الرزاقون للناس، وأنهم المطعمون لهم، وأنهم الحامون لهم، وأنهم وأنهم...، ولم يدروا أنه قد بات واضحاً لدى الأغلبية الواعية في الأمة أن هؤلاء الحكام ما هم إلا مجموعة من عصابات اللصوص، يسرقون ثروات الأمة، ويتحكمون فيها، بل ويفسحون المجال لأعداء الأمة ليتحكموا فيها، وينهبوا ثرواتها ومقدراتها.
ثالثها: ما زال هؤلاء الحكام يتخذون الإسلام والتهديد بالتطرف الإسلامي شمّاعة يعلّقون عليها ما يجري من رفض لهم في بلاد المسلمين، فهذا القذافي يصف ما جرى في ليبيا بأنه من عبث الإسلاميين المتطرفين، وهؤلاء الحكام بهذه الحجة التي يكذبون فيها على الناس، إنما يتقربون فيها إلى الغرب، ظانّين أن الغرب سيحمي لهم عروشهم في وجه شعوبهم التي كشفت كذبهم ودجلهم وزيف ادعاءاتهم، وهم لا يدركون نظرة أسيادهم في الدول الكبرى إليهم، وأنهم مجرد أدوات، يتخلصون منها بأي أسلوب حين استنفاد حاجتهم من هذه الأدوات، نعم، لم يدركوا هذه الحقيقة، رغم ما شاهدوه من أمثلة صارخة تعبر عن سهولة تخلّص الغرب من عملائه، واستبدال غيرهم بهم، أي ما هم إلا أدوات كالتي يستخدمها النجار أو الحداد أو عامل التنظيف أو غيرهم، فما أهون هؤلاء الحكام عند أسيادهم!! وما أهون الحكام عند شعوبهم!!
رابعها: على رأي المثل العربي القائل: "رمتني بدائها وانسلّت"، وهذا المثل يعبّر خير تعبير عن حالة هؤلاء الحكام، فالقذافي يتهم شعبه الثائر عليه وعلى ظلمه بأنه يتعاطى حبوب الهلوسة، والملاحظ لخطابات القذافي منذ بدء الانتفاضة الليبية المباركة يجد أنها متناقضة، وفاقدة لأبسط قواعد المنطق، مما يعني أنه هو المتعاطي الأول لحبوب الهلوسة، وليس الشعب الليبي المسلم المجاهد، الذي سطّر بطولات وبطولات في جهاده ضد المستعمرين. وهذا علي عبد الله صالح يسقط تهمة العمالة التي تميّز واتصف بها يسقطها على الحشود المحتشدة المطالبة برحيله، ويتهم هذه التحركات بأن وراءها يهود وأمريكا، ألا ساء ما يحكمون.
وأخيراً، فلعل بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آن أوانها، وأظلّ زمانُها، بشرى زوال الحكم الجبري لهؤلاء الحكام المتسلطين، وبشرى حلول الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فهذه الحركة العامة من أبناء الأمة الإسلامية على مختلف مناطقهم وبقاعهم تشير إلى هذا، تشير إلى تخلّص الأمة من حكام المرحلة الجبرية، تهيئة لمرحلة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، نسأل الله تعالى أن يبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد خليفة