زلزال الخير..!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تونس الخضراء، بلد عقبة بن نافع، وبلد القيروان، كانت على موعد مع حدث عظيم، هزَّ العالم الإسلامي حاكمه ومحكومه، وتعدّاه إلى الحكومات الغربية. وأصبح هذا البلد محطّ أنظار العالم خلال الأسابيع الماضية. ومع أنّ أحداث تونس بدأت عادية من حيث الظلم اليومي الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة على الناس حيث يتم مَنع شاب من بيع بضاعة على عربة لا تكاد تسدّ حاجته، إلا أنّ الجميع تفاجأ من استمرارها، ومن خروج الناس ضد نظام مُتجبِّر سامهم سوء العذاب. وفي ظل هذه الأحداث فإن عدة أمور تلفت نظر المُتتَبِّع لها:
1) إنّ الأمة الإسلامية أمة حية، ينطبق عليها حديث رسول الله e: «أمّتي كالمطرِ لا يُدرى، الخيرُ في أوِّلهِ أم في آخِرهِ» مسند أحمد. وأثبتت الأحداث أن الأمة قادرة على الأخذ على يد الحكام ومحاسبتهم، وأنها أمة يمكن الاعتماد عليها وإن ضعفت في بعض الأحيان ولبعض الوقت. وأنها تحب دينها وإسلامها ومستعدة للتضحية من أجله وفي سبيل الله، وإنّ الذين يراهنون على ضعف الأمة وهوانها هم الخاسرون، فما هي إلا لحظات حتى تعود الأمة إلى سابق عهدها واقتعادها مركز الصدارة بين الأمم.
2) لقد أثبتت الأحداث أنّ الأمة الإسلامية أمة واحدة وإن فرّقها الحكام العملاء، شعورها واحد، مصابها من فرح أو ألم واحد. فما إن تَرنّح نظام «بن علي» حتى عمّ الفرح والسرور مناطق العالم الإسلامي، وعبَّرت الأمة عن مطلبها -صراحة- برحيل حكام السوء والقهر والطغيان، وأخذ الناس بالتململ، فاستجابت مصر الكنانة وخرج الناس بالمسيرات والمظاهرات ضد نظام مبارك، وتردد صدى المظاهرات في اليمن والأردن.
3) لقد أثبتت الأحداث أن تغيير أحوال المسلمين ممكن غير مستحيل، بل هو أقرب من لمح البصر. وأنّ ما يحتاجه المسلمون ليس إلاّ قليلاً من الشجاعة والثبات بعد التوكل على الله حتى يفرَّ هؤلاء الحكام العملاء بغير رجعة. فالخوف الذي زرعه الحكام قد فقد أثره، وهالة الحكام والأنظمة قد فقدت هيبتها، وإلاّ فمن كان يظن أن أهل تونس سيقفون في وجه نظام «شين الهاربين» و «الخائفين» الذي منع الصلاة والصوم والحج، ومنع ستر العورات، وحكم بغير الإسلام، وتجبَّر على الناس طوال عقود؟! ومن كان يظن أن هذا النظام سيزعزعه الجوعى والثكالى الذين حكمهم النظام بالحديد والنار!!
4) لقد أظهر زلزال تونس مدى خوف الحكام وجبنهم، ومدى الفجوة الموجودة بين الحاكم والمحكوم. فما إن تفاقمت الأحداث حتى هوت قلوب الحكام ليروا مصير «بن علي». فحاكم الكويت يعطي كل مواطن ألف دينار، ونظام العلويين في سوريا يخفض أسعار المحروقات، و«عابث ليبيا» يتحسر على «بن علي» ويعتبره الأفضل لتونس، وينفق المليارات لتوفير السكن للشباب!!، ونظام الأردن يوزع الماء والعصير على المتظاهرين المطالبين بسقوط رئيس الوزراء لا الملك!! ونظام مصر يسارع إلى تخفيض الأسعار وتغيير الحكومة، ومُقسِّم السودان «بشير السوء» يعبّر عن استعداده لترك الحكم إن أراد الناس ذلك!! وذاك من الحكام من يدعي أن واقع اليمن أو الجزائر مختلف عن واقع تونس، وذاك وذاك...، وكل حاكم منهم كذّاب أشِر. فالخوف قد تملَّكَهم جميعاً، وخيّم الرعب على قلوبهم فلا ينطقون وكأن على رؤوسهم الطير.
5) إنّ الحكام العملاء ليس لهم إلاّ مزابل التاريخ. فحكام المسلمين باعوا أمتهم وقضاياها ومصالحها، ووقفوا مع الغرب ضد أمتهم، فخانوا الله ورسوله وعامة المسلمين، وصاروا أعداءهم، فنبذهم وكرههم المسلمون. وأما الغرب فيختار وينتقي منهم من يحقق مصالحه، ولا يعتبرهم ولا ينظر إليهم إلا أنهم دمى تَبلى وتُستنزف. فكم من حاكم قتله أو طرده أحد أبنائه، وكم من حاكم قتله أو نحّاه رفقاء الأمس، فما إن سقطت ورقة «بن علي» حتى منعت فرنسا -مثلاً- دخوله إليها وصادرت أمواله.
6) لقد اظهرت الدول الغربية وجهها القبيح المعتاد. ففي أحداث تونس لم يهمّ الدول الغربية أعداد القتلى أو الجرحى بمقدار ما تهمّها مصالحها. فلم تلقِ بالاً لما جرى في البداية حيث أنّ نظام «بن علي» يمسك بزمام الأمور كما ادّعت فرنسا، وتخاف الدول الغربية من حركة الناس العاديين المخلصين غير المرتبطين بها كحال الأنظمة الحاكمة، ويَهالها أن تقع السيطرة على النظام لغير عملائها، ويمسك بزمام الأمور غير رجالها، فلم يكن من هذه الدول غير التخويف من سيطرة «المتشددين الإسلاميين» على الحكم في تونس، رغم ادّعائهم أنهم مع أهل تونس في اختيارهم ودعم حقوقهم كما ادّعت أمريكا.
7) لقد بان عوار الإعلام في أحداث تونس، ولم يغير من عادته القديمة، ولم يكترث إلاّ بما يحقق له مصلحة أو سبقاً صحفياً دون الاكتراث بالحقيقة ونقل الوقائع دون تحيز أو تعتيم. فالإعلام الغربي لم يكترث بما كان يجري، فخبر مباراة رياضية أهم من خبر مسيرة لجياع ومظلومين يُقتل خلالها عدد منهم!! وخبرٌ عن ممثلٍ أفضل من خبر أناس قاموا ضد الظلم والطغيان!! ومن يكترث بمن؟! أإعلام الشهوات والمال والتلفيق وتزوير الحقائق سيكترث بالمسلمين «الإرهابيين»؟! وأما الإعلام في العالم الإسلامي فهو إما إعلام رسمي يخشى ويخاف أن يذكر شجاعة الناس في تونس فتنتقل العدوى إلى المناطق الأخرى، وإما إعلام ينافق للحاكم والسلطة فلا يجرؤ إلاّ على ذكر أخبار تقبيل الأيادي للحاكم والدعاء له بطول العمر، وإما إعلام له أغراض خاصة فيظهر ما يحلو له وما يخدم أغراضه من تحقيق للشهرة، ويخفي الأخبار الحقيقية والمنتجة. فلا يذكر مثلاً خروج الناس في مسيراتهم ومطالبتهم بالإسلام والخلافة، ولا يذكر رفضهم للنظام الحاكم بغير الإسلام، والمطالبة بضرورة خلعه من جذوره والإتيان بنظام يحكم بالإسلام.
8) إنّ على المسلمين ألا ينخدعوا بسياسة تغيير الوجوه وذر الرماد في العيون. فالنظام في مصر تغير وجه الحاكم فيه عدة مرات، فهل تغيرت الأوضاع؟ ونظام تونس تغير وجه الحاكم فيه ما بين «بورقيبة» و «بن علي» فهل تغيرت محاربته لله ولرسوله ولعامة المسلمين؟ والنظام في بلاد الحرمين تغير وجه الحاكم فيه كثيراً فهل تغيرت السياسات المعادية والمفرطة بحقوق المسلمين؟ والغريب أن يخرج علينا من المسلمين من يرضى بحكومة وحدة وطنية في تونس كما صرح راشد الغنوشي، أو يرضى ببقاء النظام مع وجود انتخابات! أليس فؤاد المبزع ومحمد الغنوشي من أعمدة النظام؟ أليس هؤلاء من قد وَلَغت أيديهم في دماء المسلمين في تونس؟ فكيف يقبل إنسان ناهيك عمن يدّعون السياسة ببقاء أمثال هؤلاء في الحكم؟
9) لقد أثبتت الأحداث أنّ ثمن الخروج على الحاكم ومحاسبته أقل بكثير من ثمن السكوت عليه. فكم عانى المسلمون على مدار أكثر من ستة عقود من قتل واحتلال وفقر وسجن وتشريد وظلم ذاقوا خلالها الأمرَّين. لقد ثبت كذب وفشل المقولة التي أشاعها الحكام من أنّ الخروج على الحاكم لا يجوز لأنه سيؤدي إلى فتن وأضرار كثيرة. ولقد ثبت صدق ونجاح دعوة حزب التحرير من ضرورة الخروج على الحكام وخلعهم، وعدم الركون إليهم ومساعدتهم والدعاء لهم. نعم إنّ لكل شيء ثمن، وإن التغيير والنهضة والعيش تحت حكم الله يستحق أغلى الأثمان كيف لا وإرضاء الله ودخول جنّته هي غاية المسلم في هذه الحياة. وإننا لنرجو الله عز وجل أن يحفظ المسلمين من كل مكروه وأن يبعد عنهم مكر الكافرين، وإننا لنرجو أن ينفرط عقد مسبحة الغرب وعمالة الحكام، ويُمكِّن الله لدعاته والعاملين لتغيير أحوال المسلمين من استئناف الحياة الإسلامية، فيعُمَّ حكم الله الأرض ويومئذ يفرح المؤمنون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ تَكونُ خِلافَةً عَلى مِنْهاجِ النُبُوَّة» (رواه أحمد).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأستاذ أبو هيثم جزاه الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته