التبعية السياسية وآثارها الكارثية
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين , وبعد :
ان من اشد ما ابتليت به الامة الاسلامية منذ ان هدمت دولتها , ومزقت اركانها , وتشتت قواها , ونهبت خيراتها , هو تقييد الانظمة الحاكمة في بلاد المسلمين بالدول الاستعمارية وذلك في سياستها الخارجية وبعض المسائل الداخلية - ان لم نقل كلها -.
حيث ان الاستعمار قد نجح بتمزيق بلاد المسلمين الى بضع وخمسين مزقة , وضع على رأس كل مزقة منها نظاما بوليسيا مجرما , ينفذ للاستعمار مآربه السياسية والاقتصادية والثقافية , وقيد هذه الانظمة الفاسدة بقيود لا تمكنها من الانعتاق من هيمنته وغطرسته , ليكون الاستعمار هو الآمر الناهي في كافة الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية , وهو المالك الحقيقي للارادة السياسية في تلك البلاد , والحاكم الفعلي فيها , حتى انه انشأ سفاراته لتكون دورا للحكم والسيادة , واوكارا لتأهيل العملاء والخونة من الحكام واوساطهم السياسية العفنة .
فتقيد الدولة في سياستها الخارجية وبعض مسائلها الداخلية بدولة اخرى , يعرف بالتبعية السياسية , حيث تكون الارادة السياسية للدولة التابعة مسلوبة منها , وتكون اعمالها السياسية والعسكرية تعبيرا عن مصالح الدولة المتبوعة وتحقيقا لنفوذها وتطلعاتها , حتى انها تسخر اجهزتها السياسية والامنية لتكون أدوات تستخدمها الدولة المتبوعة بشكل مباشر او غير مباشر في صراعها الدولي مع الدول الكبرى او عملاءهم من الدول التابعة الاخرى .
وقد أدرك الغرب ومنذ هدمه لدولة الاسلام , ان العقيدة الاسلامية ونظامها المنبثق عنها , تعتبر محركا جوهريا للشعوب الاسلامية ومولدا اساسيا لحركة تلك الشعوب , وطاقة كامنة في وجدانها تمكنها من العودة والنهوض والارتقاء واستعادة مكانتها الدولية وقيادتها للعالم في حال ارتباطها بعقيدتها واتخاذها للاسلام مرجعا وحيدا للنهوض والوحدة على اساسه , مما يؤدي حتما لبناء صرحه السياسي المتمثل بالدولة الاسلامية .
لذلك فقد اعتبر الكافر المستعمر ان من اسس قواعده الاستراتيجية في العلاقة بينه وبين البلدان الاسلامية , هو علاقة التابع بالمتبوع .والعبد بالسيد , ليضمن بذلك بسط هيمنته في كافة مناحي الحياة على الشعوب الاسلامية من خلال انظمتها التابعة العميلة , لتكون تلك الانظمة ذراعا له في قهر الشعوب وحرفها عن عقيدتها ومنعها من الوعي على ما تكيده الدول الاستعمارية بحقها , ووسيلة فعالة في سلب الثروات وتصديرها الى الدول المتبوعة الاستعمارية , وسدا منيعا امام انعتاق الشعوب الاسلامية من الهيمنة الاستعمارية وطراز عيشها .
وبالرغم من الصراعات الدولية بين الدول الكبرى المتنازعة على المصالح والتى سادت الموقف الدولي لعقود خلت , في مدها وجزرها , وبروزها واختفاءها في بعض الحالات والفترات , الا ان الدول الاستعمارية اجمعت - ويظهر هذا من خلالِ متابعةِ اعمالِها السياسيةِ - على ان تبقي حالة التبعية السياسية هي الاساس في علاقتها ببلدان المسلمين , فسواء انتقلت التبعية السياسية لبلد ما الى البيت الابيض بدل داونينج ستريت , او لقصر الاليزيه بدل واشنطن , الا ان الدول الاستعمارية جميعها تقف صفا واحدا في الحيلولة دون انعتاق الامة الاسلامية من التبعية .
لقد كانت دولة الاسلام ومنذ بزوغ نورها في المدينة المنورة والى ان تم القضاء عليها من خلال مؤامرة دولية قادتها بريطانيا , ووافقت عليها روسيا بعد غرز سهامها في خاصرة الدولة الاسلامية , والتهمت فرنسا اجزاء منها, وورثت خيراتها امريكا التى تعمل على وضع العوائق في سبيل عودتها , كانت دولة مستقلة دوما في قرارها وفي سياساتها الداخلية والخارجية , ورائدة في السياسة الدولية , امتلكت ارادتها السياسية , وتربعت على عرش الدولة الاولى في العالم بلا منازع لاطول مدة زمنية عرفها التاريخ , تنشر الخير لشعوب الارض , حتى ملأ نورها جنبات الدنيا .
اما تلك الانظمة القمعية المتهالكة في بلاد المسلمين , فقد سطرت بخيانتها وعمالتها اسوأ صور التبعية السياسية والعبودية للكافر المستعمر , مما جلب البلايا والويلات على ابناء الامة الاسلامية , التي نحياها يوما بيوم وساعة بساعة , ولا يكفي المقال لذكرها لكثرتها , فهي اشهر من النار على علم .
ونسأل الله ان يعجل بالانعتاق من التبعية السياسية والانتحار السياسي الذي رسمته الدول الاستعمارية وتنفذه الانظمة الحاكمة في بلاد المسلمين , وان يعجل بالعودة الى سابق العهد , متربعين على عرش الدولة الاولى في العالم , بقرار سياسي مستقل , وارادة سياسية لا تقيدها الا احكام الاسلام العظيم .
كتبه - ابو باسل