الأندلس الفردوس المفقود - انتهاء الفتح وبدء عصر الولاة -ح12
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نحييكم بتحية الإسلام ، فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، ونعود وإياكم لمتابعة حلقات الأندلس الفردوس المفقود ، وقلنا أنه انتهى زمن الفتح وسنرى الآن فترة الحكم ومن ثم نتابع أحداث السقوط ونعرف أسبابها ، لتكون لنا عبرة نتجنب فيها أخطاء من سبقونا ، فالعاقل من اتعظ بأخطاء غيره
قلنا في الحلقة السابقة بأن موسى بن نصير وطارق بن زياد عادا من الأندلس بعد أن تخطى المسلمون بلاد الأندلس ووصلوا بفتوحاتهم إلى غرب فرنسا، وبرجوعهما إلى دمشق تكون قد انتهت فترة هي من أهم الفترات في تاريخ الأندلس، وقد أُطلق عليها في التاريخ عهد الفتح؛ حيث إن تاريخ الأندلس يُقسّم إلى فترات أو عهود بحسب طريقة الحكم وبحسب نظام المُلك في هذه الفترات، وعهد الفتح هذا كان قد بدأ سنة اثنتين وتسعين من الهجرة، وانتهى سنة ست وتسعين من الهجرة أو أواخر خمس وتسعين.
وبهذا يكون عهد الفتح قد ظل ثلاث سنوات ونصف السنة فقط، وهذا بحساب كل العسكريين يُعدّ معجزة عسكريّة بكل المقاييس، معجزة عسكرية أن تفتح كل هذه البلاد بكل الصعوبات الجغرافيّة التي فيها من جبال وأنهار وأرض مجهولة للمسلمين، معجزة عسكرية أن يتمكن المسلمون في ثلاث سنوات ونصف فقط من السيطرة على بلاد الأندلس خلا هذه المنطقة في أقصى الشمال الغربي والتي تسمى منطقة الصخرة أو صخرة بليه، معجزة عسكرية لم توجد إلا في تاريخ المسلمين.
وبعد انتهاء عهد الفتح السابق يبدأ عهد جديد في تاريخ الأندلس يسمى في التاريخ عهد الولاة، وهو يبدأ من سنة ست وتسعين من الهجرة ويستمر مدة اثنين وأربعين عاما حيث ينتهي سنة مائة وثمان وثلاثين من الهجرة.
وعهد الولاة يعني أن حُكم الأندلس في هذه الفترة كان يتولاه واليا يتبع الحاكم العام للمسلمين، وهو الخليفة الأموي الموجود في بلاد الشام في دمشق.
كان أول الولاة ولاية على الأندلس هو عبد العزيز بن موسى بن نصير وذلك بأمر من سليمان بن عبد الملك رحمه الله، وكان كأبيه في جهاده وتقواه وورعه، كان يقول عنه أبوه موسى بن نصير: عرفته صوّاما قوّاما. فحكم الأندلس ووطّد فيها الأركان بشدة، وتوالى من بعده الولاة.
إذا نظرنا إلى عهد الولاة الذي استمر اثنين وأربعين عاما نرى أنه قد تعاقب فيها على حكم الأندلس اثنين وعشرون واليا.. أو عشرون واليا تولى منهم اثنان مرتين.. فيصبح مجموع فترات حكم الأندلس اثنين وعشرين فترة خلال اثنتين وأربعين سنة، أي أن كل والٍ حكم سنتين أو ثلاث سنوات فقط.
ولا شك أن هذا التغيير المتتالي للحكام قد أثّر تأثيرا سلبيا على بلاد الأندلس، إلا أن هذا التغيير المتتالي كان له ما يبرره؛ حيث كان هناك في بادئ الأمر كثير من الولاة الذين يستشهدون أثناء جهادهم في بلاد فرنسا، وبعد مرحلة ما كان هناك أيضا كثير من الولاة الذين يُغيَّرون عن طريق المكائد والانقلابات والمؤامرات وما إلى ذلك.
أي أن هناك فترتين من عهد الولاة، الفترة الأولى تختلف بالكلية عن الفترة الثانية، ومن هنا نستطيع أن نقسم عهد الولاة بحسب طريقة الإدارة وطريقة الحكم إلى فترتين رئيسيتين، الفترة الأولى وهي فترة جهاد وفتوح وعظمة للإسلام والمسلمين والفترة الثانية فترة ضعف ومؤامرات ومكائد وما إلى ذلك
وقد تميزت الفترة الأولى من عهد الولاة بعدة أمور، كان من أهمها :
نشر الإسلام في بلاد الأندلس
وذلك أن المسلمين بعد أن تمكنوا من توطيد أركان الدولة الإسلامية في هذه البلاد بدءوا يُعلمون الناس الإسلام، ولأن الإسلام دين الفطرة فقد أقبل عليه أصحاب الفِطَر السوية من الناس عندما عرفته، واختارته بلا تردد.
وجد الأسبان في الإسلام دينا متكاملا شاملا ينتظم كل أمور الحياة، وجدوا فيه عقيدة واضحة وعبادات منتظمة، وجدوا فيه تشريعات في السياسة والحكم والتجارة والزراعة والمعاملات، وجدوا فيه تواضعا كبيرا جدا للقادة، ووجدوا فيه كيفية التعامل والتعايش مع الأخ والأب والأم والزوجة والأبناء والجيران والأقرباء والأصدقاء، وجدوا فيه كيفية التعامل مع العدو والأسير، مع من تعرف ومن لا تعرف.
لقد تعود الأسبان فصلا كاملا بين الدين والدولة، فالدين عندهم لا يعدو أن يكون مجرد مفاهيم لاهوتيه غير مفهومه، يتعاطونها ولكن لا يستطيعون تطبيقها، وفي التشريعات والحكم فيشرع لهم من يحكمهم وفق هواه وما يراه، أما في الإسلام فقد وجدوا الأمر غاية في الاختلاف؛ فلم يستطيعوا أن يتخلفوا عن الارتباط به والانتساب إليه فدخلوا فيه أفواجا.
وفي فترة قليلة جدا أصبح عموم أهل الأندلس (السكان الأصليين) يدينون بالإسلام، وأصبح المسلمون من العرب والبربر قلة بينهم، وأصبح أهل الأندلس هم جند الإسلام وأعوان هذا الدين، وهم الذين اتجهوا بعد ذلك إلى فتوحات بلاد فرنسا.
وكان من جرّاء انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين أن نشأ جيل جديد عُرف باسم جيل المولَّدين، فقد كان الأب عربي أو بربري والأم أندلسية.
كما ألغى المسلمون الطبقية التي كانت سائدة قبل ذلك؛ حيث جاء الإسلام وساوى بين الناس حتى كان يقف الحاكم والمحكوم سواء بسواء أمام القضاء للتحاكم في المظالم.
كما اهتم المسلمون في هذه الفترة كذلك بالمدنية، فأسسوا الإدارة وأقاموا العمران وأنشأوا القناطر والكباري، ومما يدل على براعتهم في ذلك تلك القنطرة العجيبة التي تسمى قنطرة قرطبة، وهي من أعجب القناطر الموجودة في أوروبا في ذلك الزمن، كذلك أنشأ المسلمون ديارا كبرى للأسلحة وصناعة السفن، وبدأت الجيوش الإسلامية تقوى وتتعاظم في هذه المنطقة.
كان من السمات المميّزة أيضا في هذه الفترة الأولى من عهد الولاة أن الأسبان بدءوا يقلدون المسلمين في كل شيء، حتى أصبحوا يتعلمون اللغة العربية التي يتكلمها الفاتحون، بل كان الأسبان النصارى واليهود يفتخرون بتعليم اللغة العربية في مدارسهم.
كذلك كان من ضمن السمات المميزة لهذه الفترة أن اتخذ المسلمون قرطبة عاصمة لهم؛ فقد كانت طليطلة في الشمال قبل ذلك هي عاصمة الأندلس، ولكن المسلمون وجدوا أنها قريبة من فرنسا وقريبة من منطقة الصخرة وهما من مصادر الخطر عليهم، فرأوا أن طليطلة بذلك مدينة غير آمنة ومن ثم فلا يمكن أن تكون هي العاصمة، فكان أن اختاروا مدينة قرطبة في اتجاه الجنوب لانتفاء الأسباب السابقة، وأيضا حتى تكون قريبة من المدد الإسلامي في بلاد المغرب.
نكتفي اليوم بهذا القدر ، ونعود إليكم ونستكمل الحديق عن هذه الفترة ، الأسبوع القادم إن شاء الله فانتظرونا ، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته