البداية
إنَّ البحث في اقتصاد بلد ما يتناول أمرين: الأمر الأول، المادة الاقتصادية، وهي الثروة الموجودة فيه، سلعاً كانت أو خدمات، من جهة تنميتها أو تأمين إيجادها، وهذا الأمر محله علم الاقتصاد، يبحثه العلماء المختصون كل حسب اختصاصه، فهو بحث في الوسائل والأساليب التي من شأنها أن تنمي الثروة، زراعية كانت أم صناعية أم بشرية. فتحسين الأراضي الزراعية ومقاومة التصحر، أو اعتماد الغاز بدل البترول في توليد الكهرباء، أو إعداد طواقم صناعية وزراعية، كل ذلك أمور علمية عالمية تؤخذ من أي مصدر كان، فهي من باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».
والأمر الثاني، هو توزيع الثروة على أفراد المجتمع، ليتمكن كل فرد من حيازتها أو الانتفاع بها، من أجل إشباع حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن ثم تمكينه من إشباع حاجاته الكمالية. وهذا الأمر محله النظام الاقتصادي المنبثق عن عقيدة الأمة. فحقيقة المشكلة الاقتصادية هي توزيع الثروة على أفراد المجتمع، بينما السعي لحيازة الثروة مظهر من مظاهر غريزة البقاء، يندفع إليه الإنسان غريزياً من تلقاء نفسه، وُجد نظام أم لم يوجد.
إلَّا أَنِّهُ بعد هدم دولة الخلافة، وفرض النظام الرأسمالي على أكثر المسلمين، حصل خلط بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، أُضيف إليه بالنسبة للمسلمين، تفتيت بلادهم دويلات متعددة، حرصاً من الكفار على إضعاف الأمة الإسلامية وإفقارها للقضاء عليها، فإن توافرت الثروات الطبيعية في بعض هذه الدويلات، فلا تتوافر فيها الطاقة البشرية الكافية لاستغلال هذه الثروات، وإن وجدت الأيدي العاملة والمهندسون والمخترعون في بعضها الآخر، شحت فيها الثروات، فيهاجر أبناؤها منها إلى غيرها طلباً للرزق.
وإن ما زاد الطين بلة في أعمال الكفار هو تنصيب حكام على هذه الدول، غرباء عن عقيدة الأمة وما ينبثق عنها من أنظمة، فكانوا حراساً للكفار وعقائدهم وأفكارهم، فطبقوا أحكام الكفر على المسلمين، لإبعاد الأمة الإسلامية عن عقيدتها التي فيها نهضتها وعزتها.
|