الصراع بين الخير والشرّ، وبين الحقّ والباطل، سُنَّة من سُنن الحياة، إذ اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل الصراع والتدافع بين الناس من عوامل ظهور الحقّ والخير، وانهزام الباطل والشرّ، قال تعالى: {ولولا دفعُ اللّهِ الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض} وقال: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدِّمت صوامع وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذكر فيها اسمُ الله}.
فبعد أن خاض الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، صراعاً فكرياً، وكفاحاً سياسياً، مع المشركين والكفار، لإقامة الدولة الإسلامية، وصراعاً دموياً مع الصراع الفكري بعد قيامها، حاملةً الإسلام رسالة خير وهدىً إلى الناس كافة، كان الكفار على مرّ العصور يكيدون لهذه الدولة، أحياناً بأعمال مادية حربية، كالمغول والصليبيين وكفار إسبانيا، وأحياناً أخرى بأعمال فكرية ثقافية، كالزنادقة والمبشرين والمستشرقين، من أجل القضاء على دولة الخلافة كجهاز تنفيذي على رأسه الخليفة.
وفي الحرب العالمية الأولى تحقق ذلك، فهدموا دولة الخلافة، وطردوا الخليفة، ومزقوا بلاد المسلمين إلى دويلات ضعيفة، طبقوا فيها أحكام الكفر، ظانّين بعملهم هذا أنّهم قضوا على الإسلام في نفوس المسلمين.
إلاّ أنّ الأمة الإسلامية، على أيدي أبنائها المؤمنين والواعين المخلصين، دبّت فيها أحاسيس النهضة، فأدركت دولُ الكفر، أنَّ قوة الإسلام غير محصورة في جهازه التنفيذي فقط، وأنَّ استمالة بعض ضعاف النفوس المسلمين، بتلويث أفكارهم بالثقافة الغربية، لم يحقق ما كانوا يتمنونه.
وبعد مراجعة ودراسة، وصلوا إلى أنّ قوة الإسلام و(المسلمين) تكمن في عقيدته وما ينبثق عنها من أفكار، ما دعاهم إلى إعادة النظر في خططهم وإلى تطويرها، لتتولى الدول الكافرة، بأجهزتها الرسمية وعملائها من الحكام والمفكرين، مهمة الإجهاز على الإسلام، بالإجهاز على عقيدته، بصفتها عقيدة سياسية، ليُحلّوا محلّها عقيدة فصل الدين عن الحياة، فبدأوا بطرح وتبني أفكار تؤدي إلى ما ذهبوا إليه، كالقومية والاشتراكية والديمقراطية، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان، والحريات، وسياسات السوق، التي بيّنا زيفها وخطرها.
ثم طرحوا أفكاراً أخرى مصحوبة بأعمال، كالحوار بين الأديان والحضارات، ومقولة أبناء إبراهيم، ثم وصم الإسلام بالإرهاب والأصولية والتطرف. فكان لا بدّ أن نبيّن حقيقة هذه الطروحات وخطرها على الأمة الإسلامية، لتعي عليها، ولتقف الموقف الشرعي تجاهها، لا سيما وأنَّ إعادة الإسلام إلى الحياة، كمبدأ عالمي، وكنظامٍ سياسي، تحمله دولة الخلافة للناس كافّة، أمرٌ قد تأكد، ليس للمسلمين العاملين فحسب، بل وللأمة الإسلامية، ولأعداء الإسلام، الذين ما فتئوا يتآمرون على هذا الدين وعلى هذه الأمة.
وسوف نتناول هذه الأفكار لبيان خطرها وزيفها، لا باعتبارها أفكاراً يراد فهمها، أو شبهات يراد دفعها، بل باعتبارها عملاً من أعمال الغرب الكافر، وعلى رأسه أميركا وبريطانيا وفرنسا، يُراد به ضرب الإسلام، وضرب العاملين لإعادة الخلافة، بل وضرب دولة الخلافة حين يأذن الله بإقامتها.
وعليه، فقد كان لزاماً أن يتمّ كشف هذه الأفكار والأعمال، ليتبيّن المسلمون ما يُراد بهم، وما يُكاد لدينهم، ليتمسكوا بهذا الدين، وليجدُّوا للعمل لإعادة الخلافة على منهاج النبوة، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليتحقق على أيديهم إعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله. {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كلّه ولو كره المشركون}.
ونحن، إن قُمنا بما أوجبه الله علينا، لعلى يقين أنّ الكفار الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، سيخيب أملهم، وسيخسرون أموالهم وستنطفئ نارهم {إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله، فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يُغلَبون}.
|