- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحزبية والتحزب فرض من الله عظيم
إن كلمة حزب وردت في القرآن في مواضع عديدة، مرات في مواضع الذم وأخرى في مواضع المدح وسأورد الآيات التي ذكرت فيها لفظة حزب في القرآن ليتسنى لنا فهم معناها بشكل يزيل الشوائب والغبار عما علق بهذه اللفظة في هذا الزمان.
﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 56]
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً﴾ [الكهف: 12]
﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: 53]
﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 32]
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6]
﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: 19]
﴿لَّا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]
في الآية 56 من سورة المائدة والآية 22 من سورة المجادلة يذكر الله فيها أن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين هم حزب الله وكذلك من لا يوادّ من يحارب الله ورسوله وهو مؤمن أولئك هم حزب الله، ففي الآيتين امتدح الله من يقوم بعمل معين حدده الله فوصف هؤلاء بأنهم حزب الله في معرض المدح لهذا الفعل، وفي آيات أخرى وصف الله من يقوم بأفعال معينة أنهم حزب الشيطان وهم من ينسى ذكر الله، وذكر الله هو دينه وقرآنه وكل ما أمر الله به ووصف كذلك أن للشيطان حزبا، وهم من يطيعه من البشر فيوردهم عذاب السعير، فمن لا يتخذ الشيطان عدوا هو من حزب الشيطان.
أما آيتا سورة الروم والمؤمنون ففيها تحذير من الله من التفرق في الدين والعقيدة مثل المشركين حيث أمرهم الله باتباع الدين القيم وهو الإسلام ولكنهم اختاروا التفرق وعدم الالتزام بأمر الله بأن يكونوا أمة واحدة واتخاذ كل فرقة منهم ديناً آخر يشركون به مع الله فكانوا أحزابا تقوم على عدم طاعة الله ورسوله واتباع أديان ما أنزل الله بها من سلطان إن هي إلا اتباع للأهواء، وفي آية سورة الكهف وردت كلمة الحزبين في وصف لواقع وهو وجود فريقين اختلفوا في مدة نوم أهل الكهف فكان اختلافهم هذا تحزبا أي أنه يفهم من الآية أن أي مجموعة من الأشخاص لديهم رأي موحد يجتمعون عليهم هم حزب.
وفي أدبيات عصر النبوة، استخدم لفظ الحزبية، فيروي البخاري، عن عائشة، رضي الله عنها، أن نساء رسول الله ﷺ كُن على حزبَيْن، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر فيه أم سلمة وسائر نساء رسول الله، ويروي أنس بن مالك أن الأشعريين، وفيهم أبو موسى الأشعري، عندما قدموا على رسول الله، ﷺ، ودنوا من المدينة، كانوا يرتجزون، يقولون: «غداً نلقى الأحبة.. محمداً وحزبه».
ويؤكد ذلك معنى الحزب في اللغة العربية وهو أعوان الرجل أو الرجل والذين على رأيه أو مجموعة اتحدت أهواؤهم وأعمالهم، وبهذا نفهم أن الحزب أو الحزبية لذاتها ليست مذمومة أو ممدوحة بل هي بحسب ما يقوم عليه هذا الحزب من مبدأ وعقيدة ودعوة، والآن ننظر هل أمر الله بالتحزب وعلى ماذا أمرنا أن نتحزب؟
إنه مما لا شك فيه أن التحزب فرض من الله عظيم وحكيم حيث قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ حيث يأمر الله في هذه الآية بوجود جماعة (حزب) من المؤمنين يقوم بالدعوة إلى الخير وهو الإسلام ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وجعل مكافأة هذا العمل هو الفلاح وهي الجنة، مما دل على فرضية إيجاد هذا الحزب الذي يقوم بهذه الفروض والتي بالقيام بها يكتب لهذه الجماعة الفلاح، وفي هذه الآية أمر واضح بالتحزب والتكتل والتجمع لأجل القيام بهذا العمل العظيم حيث إن التحزب في الآية مطلوب لذاته حيث إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم ولكن الآية تشير إلى وجوب العمل الجماعي لذلك إضافة إلى دور الفرد المسلم في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحدث الإمام ابن تيمية عن الحزب والتحزب، فقال: (...وأما رأس الحزب، فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان، فهم مؤمنون لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم.. فإن الله ورسوله أمرا بالاجتماع، ونهيا عن التفرقة والاختلاف). (مجموع الفتاوى 92/11).
بعد استعراض الأدلة وبيان أهمية وفرضية وجود جماعة واحدة على الأقل تعمل لإقامة الإسلام في الأرض وتزيل وتغير كل ما يخالفه بقي لنا أن نبين أهمية العمل الجماعي على مستوى واقعي لا يمكن إحداث تغيير بدونه.
إن العمل الجماعي الحزبي هو الطريق الوحيد لإحداث أي تغيير في المجتمعات فقدوتنا وأسوتنا محمد ﷺ ابتدأ هذا الأمر فكان عمله لإقامة دولة الإسلام وإقامة الدين في الأرض عملا جماعيا؛ فقد كان ﷺ يكتل أصحابه ويعلمهم الإسلام في بيت الأرقم بن أبي الأرقم فكانوا حزبا بكل ما تحمل كلمة حزب من معنى وكان هذا الحزب صاحب قضية وغاية يسعى لها الأعضاء بشكل جاد ويقدمون في سبيلها الغالي والنفيس، وهكذا سار محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه على النهج نفسه إلى أن أقام ﷺ دولة المدينة والتي بها بدأ نور الإسلام يسطع ويزداد قوة ووضوحا، وهكذا كانت جميع عمليات تغيير المجتمعات سواء للأفضل أو الأسوأ فإنه لا يقوم بها إلا حزب صاحب مبدأ (فكرة وطريقة) يؤمن أتباعه بفكرته وطريقته فتكون لهم نبراسا حتى تحقيق غايتهم. وهكذا اليوم من أراد أن يغير المجتمع عليه أن يعمل بشكل جماعي في إطار حزب ذي مبدأ يستحق أن يضحي لأجله بالغالي والنفيس إيمانا بأهمية عمله وغايته، لأنه ببساطة ليس بقدرة الفرد أن يغير المجتمع أو يقيم دولة أو تغيير منكر، بعكس العمل الجماعي فهو ما كان واجباً شرعياً وطريقاً عملياً موصلاً للتغيير عقلا وواقعا.
إن حكام المسلمين اليوم يستندون في الاستمرار في طغيانهم وظلمهم على تجريم وتحريم الحزبية والعمل الحزبي المنتج فسخروا علماءهم وأقلامهم المأجورة لتنال من فكرة الحزبية وأهميتها وفرضيتها باعتبارها أمراً من الله لإيجاد الإسلام واقعا في الحياة.
أيها المسلمون! لن تقوم لكم قائمة ولن يعاد لكم حق مغتصب ولن تعود لكم أمجاد إلا بالعمل الجماعي الحزبي الجاد للتغيير، عمل يحمل مشروعا نهضويا يصل أصحابه ليلهم بنهارهم لتحقيقه وإيجاده واقعا في الحياة.
إن العمل الحزبي مع حزب يسعى لإقامة دولة الإسلام هو فرض عظيم بعظم فرض إقامة دولة الإسلام (الخلافة) فهو الطريق الأوحد والوحيد شرعا وعقلا لإيجاد الإسلام واقعا في الحياة تطبقه وتحمله دولة يحكمها خليفة يطبق على الأمة الإسلام كما أنزل على محمد ﷺ.
إن المعروف الذي أمرت به الآية ليس قائما اليوم في واقع الحياة فلا أحكام الله مطبقة، ولا أمة الإسلام موحدة، ولا الجهاد في سبيله قائماً كما أمر الله، ولا عزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا نصرة قائمة للمسلمين في المشارق والمغارب، فيصبح بذلك عمل الأحزاب والجماعات اليوم غير كاف ولم يحقق الكفاية لإقامة فروض الله في الأرض فيلحق الإثم بالمسلمين جميعا القاعدين عن العمل الجماعي الحزبي لإقامة أحكام الله في الأرض، وكذلك الحال في المنكر المأمورين بتغييره وإنكاره فهو لا زال قائماً ومتمثلاً بوجود المعاصي مستباحة، ودماء المسلمين المسفوكة، وأراضي المسلمين ومقدساتهم المحتلة، وأحكام الجاهلية المطبقة عليهم، وحدود سايكس بيكو التي ترسم علاقاتهم... فكل هذه منكرات لم تتحقق الكفاية لتغييرها فيلحق بذلك الإثم المسلمين جميعا القاعدين عن العمل الجماعي الحزبي لإقامة أحكام الله في الأرض بدلا عن حكم الجاهلية الذي نعيش تحت ظلاله.
أيها المسلمون! إن كثيراً من علمائكم هم شركاء للحكام في إجرامهم وحربهم على الله ورسوله بتحريم الحزبية ومحاربتها ودعوة المسلمين في المقابل إلى الخنوع والخضوع للواقع الفاسد الذي لا يرضي الله ولا رسوله ولا المؤمنين، إنهم بذلك ارتضوا لأمة الإسلام الذل والمهانة والانتكاس، فلن يُنزل الله نصرا من السماء على من لم ينصره ويلتزم أمره ويقتفي أثر نبيه ﷺ، إن الله لا ينزل ملائكة من السماء تقيم دولة الإسلام على من لا يعمل لها بطريقتها الشرعية الموصلة لها، إن الله لن يغير ما بنا وبحالنا ما لم نقم نحن بتغييره، إن الله لن يغير حكامنا ولا أنظمتنا ما لم نقم نحن بتغييرها... فالله الله في العمل الجماعي الحزبي فهو أمر رباني عظيم وحكيم من الله ناصر رسله والمؤمنين.
وفي الختام نسأل الله أن يعجل بنصر العاملين الجادين المخلصين في جماعة لإقامة دولة الإسلام، ونسأله تعالى أن يكتب أجرهم ويعليهم ويكتب لهم بعملهم مثل أجر المهاجرين والأنصار الذين عملوا مع النبي ﷺ لإقامة دولة الإسلام الأولى وأن يحشرنا معهم بفضله وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. عمر باذيب – ولاية اليمن