- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة ارتفاع معدلات الطلاق في مصر
جذورها الحقيقية وأسبابها وغياب الإسلام وحلوله
خلال سنوات قليلة، قفزت معدلات الطلاق في مصر إلى مستوى غير مسبوق، حتى تجاوزت 273 ألف حالة في عام 2024. هذه ليست مجرد أرقام، بل صرخات لبيوت انهارت، وأطفال تشتتوا، وزوجين دخلا الحياة الزوجية بحثاً عن السكينة فإذا بهما يجدان القلق والمشكلات.
ورغم آلاف الحملات، والدورات، والبرامج الإعلامية، فإن الظاهرة تزداد؛ ما يعني أن المشكلة ليست في الإرشاد اللفظي، بل في منظومة كاملة خرجت عن طريق الإسلام وذهبت بالمجتمع إلى مسارات خطيرة.
لماذا يحدث هذا الانهيار الأسري؟
تتفجر الأزمة من عدة أسباب متشابكة، لكن أخطرها ما يلي:
1- ضغوط اقتصادية تخنق البيوت
أصبحت المعيشة عبئاً لا يحتمل؛ أسعار ترتفع، دخول تتراجع، بطالة تتسع، ديون تزداد، شقق لا تُطاق أسعارها. ومن الطبيعي أن يتحول البيت إلى ساحة توتر؛ فالزوج يشعر بالعجز، والزوجة تشعر بعدم الأمان، فتبدأ شرارة الخلاف.
2- إعلام يهدم القيم
قدم الإعلام في السنوات الأخيرة المرأةَ في صورة "المتمردة على الزوج"، "القادرة على الاستغناء عنه"، "من حقها أن تفعل ما تشاء"، بينما يُظهر الرجلَ دائماً ظالماً، جاهلاً، قاسياً، لا يستحق الاحترام.
هذا الخطاب المستمر زرع في نفوس كثير من النساء جرأة على الزوج داخل البيت، بينما في المقابل لا تجرؤ المرأة على مخالفة مديرها في العمل، ولا الاعتراض على ظلم المؤسسة التي تعمل فيها.
أصبح الزوج الحلقة الأضعف في نظر الإعلام، والبيت ساحة تمرد، بينما الخارج هو مكان "الانضباط والطاعة"!
3- الاختلاط المفرط وما يغرسه من فتن
بيئات العمل المختلطة التي تُفرض على الرجال والنساء تفتح أبواباً من الشر لا تُغلق. تبدأ القصة بمزاح، أو اهتمام، أو حديث جانبي، ثم إعجاب، ثم انزلاق تدريجي، ثم خيانة، وفي النهاية تدخل الأسرة في طريق واحد: الطلاق.
الإسلام لم يُحرم الاختلاط عبثاً، بل لأنه يعلم طبيعة النفس البشرية، وما قد ينشأ عنها إن تُركت بلا ضوابط.
4- قوانين وضعية تفكك الأسرة بدل أن تحفظها
القوانين الحالية جعلت الطلاق سلاحاً في يد كل طرف، وزرعت العناد مكان الرحمة. منظومة الأحوال الشخصية القائمة لا تستند إلى الإسلام، بل إلى تشريعات غربية، فكانت النتيجة مزيداً من النزاعات، وأزمات الحضانة والنفقة والرؤية، وصراعاً طويلاً في المحاكم.
5- تغير القيم وضياع فهم الزواج بوصفه "ميثاقاً غليظاً"
الإسلام وصف الزواج بالميثاق الغليظ؛ أي أنه عهد ثقيل، لا يجب نقضه إلا لأسباب حقيقية، لكن الإعلام والثقافة الحديثة جعلته علاقة خفيفة يمكن إنهاؤها لأي خلاف بسيط.
كيف ينظر الإسلام إلى الأسرة؟
الإسلام ليس مجرد مواعظ، بل هو نظام حياة كامل يحمي الأسرة من جذور المعاناة. وحين نعرض رؤية الإسلام، فإننا لا نقدم أفكاراً نظرية، بل حلولاً عملية طبقتها الدولة الإسلامية قروناً فحفظت البيوت وأقامت مجتمعاً متماسكاً.
1- إعادة الاعتبار للزوجية بوصفها ميثاقاً لا علاقة عابرة
جعل الإسلام الزواج سكناً ورحمة، وجعل الطلاق آخر مرحلة بعد كل محاولات الإصلاح. هذا الفهم يضبط العلاقة ويمنع التهور والانفعالات المؤدية للطلاق.
2- ضبط العلاقة بين الرجل والمرأة
الرجل مسؤول عن الإنفاق والحماية والرعاية. والمرأة مسؤولة عن السكينة ورعاية البيت وشؤونه.
هذه الأدوار ليست ظلماً لأحد، بل توزيع إلهي يحقق الانسجام، ويمنع الصراعات التي نشأت بسبب "تشابه الأدوار" الذي فرضته الثقافة الرأسمالية.
3- منع الاختلاط الذي يفتح باب الفتنة
الإسلام لا يقبل اختلاطاً غير مبرر ولا منضبط يتيح النظر، والحديث، والمزاح، والتقارب العاطفي بين الرجال والنساء. فذلك هو بوابة كثير من الخيانات، وما يترتب عليها من طلاق وانهيار.
4- محاسبة الإعلام وإلزامه بخطاب إصلاحي
الدولة في الإسلام لا تسمح لإعلام يعبث بالعقول، أو يقدم صورة المرأة المتمردة، أو يشوه صورة الزوج، أو يبث مسلسلات الخيانة وكأنها أمر طبيعي، بل يلتزم الإعلام بإشاعة الفضيلة، وحماية الأسرة، وإظهار قدسية العلاقة الزوجية.
5- إقامة نظام قضائي شرعي يعالج الخلاف بعدل ورحمة
أحكام الإسلام تقوم على الإصلاح، والتحكيم، والصلح، وتضع الطلاق في أضيق دائرة. وحين يكون القضاء شرعياً، تختفي المكايدة، وتنتهي معظم النزاعات قبل أن تصل للمحاكم.
6- معالجة الأسباب الاقتصادية من جذورها
يضمن الإسلام حياة كريمة بمعالجات اقتصادية جذرية؛ فيمنع الربا والاحتكار، ويضمن الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع؛ فيضمن للفرد أن يصل إلى حد الكفاية في المأكل والملبس والمسكن، ويضمن للفرد في المجتمع الأمن والتعليم والرعاية الصحية على أعلى مستوى وبالمجان، ويضمن الكماليات حسب القدرة، ويمنع الإسلام تسليم موارد البلاد لشركات الغرب ومؤسساته الرأسمالية ويوجه عائداتها لرعاية شؤون الناس رعاية حقيقية، ما يؤدي للقضاء على الفقر، وحين يزول الفقر، يزول جزء كبير من مشاكل البيوت.
ما الذي يجب القيام به اليوم؟
1- تصحيح المفاهيم التي زرعها الإعلام
يجب أن يدرك الناس أن جرأة المرأة على زوجها ليست قوة، بل طريق إلى انهيار البيت. وخجلها من مديرها في العمل وتزينها أمامه وتلطفها في الحديث معه وخروجها عن فطرتها ليس تحرراً، بل عبودية للبيئة المادية. فالاختلاط ليس "تطوراً"، بل هو فتنة تهدد مستقبل الأسرة.
2- إعادة بناء الوعي على أساس الإسلام
لا بد أن يعرف كل زوجين واجباتهما قبل حقوقهما. وأن الزواج صبر ومودة ورحمة، وليس صراعاً على المكاسب. وأن البيت أهم من الوظيفة، والأبناء أهم من المظاهر.
3- الدعوة إلى تطبيق أحكام الإسلام في الأسرة والقضاء والإعلام
الحلول الجزئية لن تعالج الأزمة، لأن المشكلة ناتجة عن نظام كامل يناقض الإسلام. ولا يمكن للأسرة أن تستقيم في ظل قوانين مستوردة وإعلام منحرف واقتصاد منفلت.
4- مقاومة المظاهر الفاسدة من مغالاة في المهور وشروط الزواج
هذه العادات لا يقرها الشرع، وهي سبب رئيسي في تأخر الزواج ووقوع المشاكل بعده.
إن ارتفاع الطلاق ليس مشكلة بين زوجين فحسب، بل هو نتيجة مسار اجتماعي واقتصادي وثقافي منحرف عن طريق الإسلام. الإعلام الفاسد، والاختلاط، وتشويه صورة الزوج، وتمجيد التمرد، كلها عوامل صنعت جيلاً لا يعرف معنى "الميثاق الغليظ". وما دامت الأسرة تُدار بقوانين وقيم لا علاقة لها بالإسلام، فإن الانهيار سيستمر.
أما العودة الصادقة إلى أحكام الله فهي وحدها القادرة على إعادة السكينة للبيوت، وبناء مجتمع صحيح، وتأسيس أجيال تسير على الفطرة، لا على ما يشتهيه الغرب والأنظمة والإعلام ومحتواه الهابط.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر



