مع وجود معالجات من الحكومة... بائعات يبحثن عن حلول!!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلنت وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية بالخرطوم عن صدور توجيهات من السلطات للمحليات قضت بعدم إجراء أي عمليات مطاردة لمحال النساء التجارية بالأسواق، وكشفت عن دراسة علمية تعرض بدائل اقتصادية لعمل النساء عبر مؤسسات التمويل الأصغر.
وقال المدير العام لوزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية بالخرطوم التجاني الشيخ الأصم، لبرنامج "إشارة حمراء"، الذي بثته "فضائية الشروق"، مساء الثلاثاء 2014/3/4م، إن الدراسة العلمية اكتملت الآن، والسلطات بصدد تصميم مشروعات غير ملزمة لبائعات الشاي وصاحبات المهن الأخرى، حول البدائل المطلوبة عبر مؤسسات التمويل الأصغر.
وأكد المدير أن واجب الدولة هو تقنين الوضع وتقديم الخدمات لهذه الشريحة المهمة من المجتمع، مبيناً أن المعالجات الصادرة نفذها فريق علمي من الوزارة وقام بدراسة حالة لكل المحليات عبر التصنيف والإحصاء.
وبثت حلقة البرنامج التي ناقشت قضية المرأة بسوق العمل وتحديات الفقر، العديد من الاستطلاعات لبائعات شاي أجمعن على أن الظروف الاقتصادية هي التي اضطرتهن لممارسة المهنة التي تعينهن على مواجهة مطلوبات الأسرة اليومية، وشكت العديد من النساء العاملات في مجالات مختلفة، مثل بيع الطعام والعطور وتحويل الرصيد عبر الهواتف النقالة، لحلقة البرنامج، من مصادرة سلطات المحليات لمعينات عملهن واستمرار المطاردات لهن. (فضائية الشروق).
ليس بالأمر الجديد مثل هذه الدراسات، فحسب موقع الوزارة على الإنترنت هناك ما يفوق العشر دراسات عن المرأة، مثل دراسة تسويق منتجات المرأة في السودان، كما نفذت العديد من المشاريع تحت مشروع وحدة تنسيق أنشطة المرأة في التنمية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مشروع شندي لتنمية المرأة المتكاملة بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان، ومشروع تنمية المرأة النازحة بتمويل من UNFPA وغيرها من المشاريع..
لو رجعنا إلى الوراء قليلا نجد أن وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي نشأت نتيجة التدرج الآتي عام 1993 بقرار رأس الدولة رقم 203 والخاص بإنشاء وزارة التخطيط الاجتماعي (وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي حالياً) وتحديد اختصاصاتها والتي تتضمن رعاية النشاط النسوي ووضع السياسات العامة والبرامج اللازمة لذلك، وقانون الضمان الاجتماعي 2011 ناتج من دمج مجموعة قوانين اجتماعية. ومنذ 2002م تحولت صناديق المعاشات والتأمين الاجتماعي والتأمين الصحي إلى نظام الضمان الاجتماعي تزامنا مع بداية الحملة العالمية بشأن الضمان الاجتماعي وتوفير التغطية للجميع. وحسب المادة (22) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية، كما أكدت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 2008م أن الضمان الاجتماعي حق، وفي نيسان/أبريل 2009م تبنت اللجنة العليا للمديرين التنفيذيين لبرامج الأمم المتحدة منصة الحماية الاجتماعية بقيادة منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية وعدد من الوكالات المتعاونة بهدف إنشاء ائتلاف يضم وكالات دولية وجهات مانحة ويدعم الدول من أجل رسم وتنفيذ خطط الحماية الاجتماعية، وفي العام 2011م: التزام منظمة العمل الدولية بتوسيع نطاق تغطية الضمان الاجتماعي وبتحسين تنظيم وتمويل وإدارة الضمان الاجتماعي.
إن أهم الأهداف التي قامت عليها الوزارة هو تعبئة قطاع المرأة كمورد بشري هام لتحقيق التنمية والارتقاء بوظيفة المرأة داخل الأسرة وخارجها (موقع وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي على الإنترنت)، وأهم الاختصاصات استقطاب العون الفني من الجهات التنموية، وأهم الأهداف الاستراتيجية تمكين المرأة وتعزيز مكانتها وتحريك وتوظيف طاقتها في بناء ونهضة المجتمع، وذلك عن طريق إعطائها الفرص المتكافئة في كل مناحي الحياة، وأهم اختصاصات الإدارة العامة للتعاون الخارجي ترويج مشروعات التنمية والرعاية الاجتماعية للمانحين للتمويل، وأهم سياساتها فتح قنوات اتصال وتعاون مشترك مع الهيئات والمؤسسات الإقليمية والدولية مخاطبة المجتمع الدولي والمنظمات العاملة في مجال التنمية الاجتماعية للمساهمة في عملية التنمية (موقع الوزارة على الإنترنت).
إن وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي تعبر عن الحلول الواقعية لمشاكل المرأة العاملة؛ فهي تعتبر المرأة مورداً بشرياً هاماً لتحقيق التنمية، مع أن هذا المورد لو جعل دوره الأساس هو تربية الأجيال لكان ذلك متماشياً مع فطرته ولكان هذا عين التنمية التي لا تتحقق، والأم ربة البيت تسعى لجلب لقمة العيش ملزَمة وليست مخيرة، فكما قالت الكثير من العاملات في البرنامج إنهن اضطررن للعمل، مما يعني أنهن يعلمن دورهن ولكن الحاجة هي التي دفعتهن إلى هذه الأعمال، ولم تشفع لهن كل جهود الوزارة والمجتمع الدولي بشركائه وتمويله، بل أصبح ذلك لعنة تزيد من المعاناة. إن لسان حال هؤلاء النسوة هو ما عبرت عنه إحدى الغربيات في مجلة الأسبوع الألمانية، حيث قالت: (إنني أرغب في البقاء في منزلي لكن طالما أن أعجوبة الاقتصاد الألماني الحديث! لم يشمل كل طبقات الشعب، فإن أمرًا كهذا (العودة للمنزل) مستحيل ويا للأسف).
عودة إلى موضوع بائعات الأطعمة، فإنها ليست المرة الأولى التي تستقطبهن فيها الجهات الرسمية باعتبار أنها تمد يد العون لهن، ففي 2010م أكدت الأستاذة/ خديجة أبو القاسم وكيل وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي اهتمام الوزارة بتمكين المرأة وتعزيز حقوقها خاصة بائعات الشاي. وقالت لدى مخاطبتها بالمجلس القومي لرعاية الطفولة ورشة مخرجات دراسة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لبائعات الشاي بولاية الخرطوم إنه لا بُد من اختيار بدائل ومسارات مقننة تليق بعمل المرأة بجانب توفير خدمات اجتماعية وسياسات دائمة لتلك الشريحة العامة. وأشارت إلى الجهود التي بذلت لوضع الدراسة من الشركاء داعية إلى تعميمها على كل الولايات وإيجاد رؤية واضحة ومعالجة مشاكل تلك الفئة. وأكدت استعداد الوزارة العمل على مناصرة هذه الشريحة معلنة أن هنالك تقصيراً تجاه هذه الفئة، مشيرة إلى أهمية إيجاد بدائل والاستفادة من تجارب الآخرين. من جانبه أشاد الأستاذ/ بشير سهل الأمين العام للجنة الوطنية لليونسكو بالدراسة واهتمام الدولة بتلك الشريحة مشيراً إلى الأسباب التي أدت إلى وجود الظاهرة من نزوح وحرب وظروف اقتصادية واجتماعية، داعياً إلى وضع خطط ودراسات جديدة. وأكد أن اللجنة تسعى مع الجهات المختصة لدراسة الظاهرة وإيجاد حلول لها في الخارطة الاستراتيجية. وقد قدمت في الورشة ورقة عن الفقر وأسبابه والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية على بائعات الشاي (شبكة ديارنا الشاملة).
هذه الجهود الصورية لم تغن عن المرأة العاملة في هذا المجال شيئاً، بل إن المناصرة الحقيقية على الأقل تكون بعدم ملاحقتهن وفرض الضرائب عليهن. فما دامت الحكومة عاجزة عن إعالتهن وحل مشكلاتهن فلتتركهن يكابدن من غير ضرائب وملاحقات، فكم عانت بائعات الأطعمة من السلطات المحلية التي لا تنظر لضعفهن وقلة حيلتهن، فتقوم بإطفاء النار التي يعملن عليها بما عليها من أطعمة، وكم تفطرت أفئدتهن على تمزيق وتدمير كل ما يملكن لإطعام صغارهن الذين يقبعون في شوارع الأحياء نهباً لكل المخاطر الجسدية والأخلاقية، فربة البيت غائبة والأب كذلك، فمن للصغار؟! مشروع رأسماله (الأواني التي يعملن عليها) أصبح نهبا لعمال المحلية الذين لم تبق لهم مسحة حياء بهذا العمل الذي لا يتناسب مع شهامة الرجال، فتضطر البائعة المسكينة لدفع كل ما بيدها والذي جمعته من عرق وعمل يبدأ فجرا لينتهي في الساعات الأولى من الصباح الباكر لعصابات المحلية؛ التي اختارت أن تكون أداة الحكومة لظلم الناس. قال صلى الله عليه وسلم : «لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلا يَكُونَنَّ عَرِيفًا، وَلا شُرْطِيًا، وَلا جَابِيًا، وَلا خَازِنًا» (رواه ابن حبان في صحيحه).
إن هؤلاء الأمراء الظلمة يستعملون الشرطي والعريف في ظلم الناس، والجابي والخازن في أكل أموال الناس بالباطل، الجابي يأخذها، والخازن يحرسها، فيكون الشرطي والعريف والخازن والجابي؛ شركاء للحكام الظلمة في ظلمهم وجرائمهم. ويدل الحديث؛ على أنه لا يجوز العمل في وظيفة يَعصي فيها الموظف خالقه في طاعة المخلوق، ويعين الظالم على ظلمه، ويشاركه في جرائمه. وهذا عام في كل الوظائف التي يترتب عليها مشاركة الظالمين في ظلمهم.
إن الناس قد يئسوا من حكومات الجباية وصاروا يبحثون عن حلول وإن كانت قاصرة لا ترقى لحل كامل للمشكلة، ولو أنهم جدوا في بحثهم لوجدوا الأصل والفصل، حلَّ الإسلام الشامل لكل الأزمات، في أنظمة الحياة، بتطبيق شرع الله؛ الحبل المتين موجب الرحمة والخير، وقد سبق الإسلام أنظمة الضمان الاجتماعي الحديثة بسنين ضوئية، فالزكاة هي فلسفة الإسلام لحل مشكلات ذوي الحاجات قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وهي الصدقات.
أما الملكية العامة فثراء بلاد المسلمين البيّن لا يدع لأحد حجة، ولكن كل هذه الحلول مرجوة عندما تكون دولة الإسلام هي الحاكمة، بحيث تقطع صلتنا كممول للنظام الرأسمالي الذي يرتع في أموالنا ونحن نعاني الأمرين، وتشرّع للمسلمين قوانينهم، من دستورهم الدائم (الكتاب والسنة) غير القابل للتغيير وآراء الشركاء والمانحين ذوي الأجندة الخاصة بحقوق الإنسان حسب وجهة نظر الغرب الرأسمالي فيسعد الناس في الدنيا وعند الله أجر عظيم.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار