الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الرأسماليّة تهلك الحرث والنسل

بسم الله الرحمن الرحيم

 


إن طبيعة النظام الرأسمالي أنه من جنس فكرته المنبثق عنها: فصل الدين عن الحياة.. ليصبح الإنسان سيد هذه الحياة وصاحب الحق في امتلاكها وإدارتها.. ويُقصي كل أمر متعلّق بتدخل الدين في شؤون الحياة..


ولهذا نجد أن النظام الرأسمالي يستميت في محاربة التشريع الإلهي حتى يفسح المجال لتشريع البشر.. ومتى كان الإنسان مُشرّعا عمّت الفوضى..
لأنّ طبيعة الإنسان أنه كائن حي لديه طاقة حيوية تتطلّب الإشباع.. وكلما شعر الإنسان بتهديد في إشباعاته زادت فوضويته وتدافعه نحو تلبيتها.. وزادت معها رغبته في ضمان هذا الإشباع وديمومته..


وهكذا كانت النظرة الرأسمالية للإنسان نظرة فردية بوصفه سيّد الوجود وله الحق في التمتع بالحياة بلا كيف ولا كم ّ ولا سلطان لدين ولا لحاكم.. فالدولة الرأسمالية هي ملبّية لحاجات الأفراد مهما صغرت أو عظمت.. وهنا وقع النظام الرأسمالي في مأزق كبير.. بين متطلبات الفرد والعروض المتاحة له.. وزاد البون بين العرض والطلب وهذا ما يُعرَف بالندرة النسبية..


فالمشكلة الأساسية في الاقتصاد الرأسمالي هي عدم كفاية السلع والخدمات للحاجات المتعددة والمتجددة للأفراد.. وكلّما زاد التقدم العلمي والتكنولوجي زادت حاجة الفرد إلى الإشباع والانتفاع..


ومن هنا يُفهم سرّ انصباب الجهود على زيادة الإنتاج وتنميته ووفرته.. ويُفهم معنى حريّة التملّك والعمل والتي تُمكّن الفرد من أخذ الثروة وحيازتها وفق ما يملك من أدوات لإنتاجها.. والشعار في ذلك "دعه يعمل.. دعه يمرّ".


وهذا يجعل الثروة بأيدي فئة معيّنة داخل المجتمع.. فئة الأقوياء الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال الذين يملكون الحق في توزيع الثروة لأنها من نصيبهم ويمكّنهم من فرض قيود وشروط مالية قاسية على المستهلكين.. سواء أكانوا أفرادا أم دُوَلا..


وبهذا الحق تمكّن هؤلاء من السيطرة على البلاد والعباد، حتى صار لهم الدور الكبير في صناعة القرار في الداخل والخارج.. وصارت الهيئة التشريعية تخضع لضغط هذه الفئات المستحكمة والمتنفذة داخل المجتمع..


من هنا كان الفقر في العالم.. وكان استعمار الشعوب ونهب ثرواتها.. وكانت الحروب والدمار.. سببه السياسة الاقتصادية الرأسمالية التي حصرت المشكلة في إنتاج الثروة وليس في توزيعها بما يكفي حاجات الإنسان بوصفه إنساناً لا بوصفه فردا..


وقد كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن 85 ثريا يملكون نصف ثروة العالم.. موضحة أن نصف ثروة العالم التي تبلغ 110 تريليونات دولار هي بيد 1 بالمائة من السكان..


وقد أدت هذه السياسة الاقتصادية الفاشلة أن ترى أن الجوع والفقر اللذين يجتاحان العالم سببهما هي الزيادة السكانية في العالم على اعتبار أن طاقة السكان على التزايد تفوق قدرة الأرض على إنتاج المواد اللازمة للإنسان.. مع العلم أن إنتاج الغذاء العالمي يفوق ويزيد على مقابلة الحاجات الغذائية لسكان الكرة الأرضية كلها..


وعوض أن يُبحَث الحل على ضوء سياسة اقتصادية رشيدة تعمل على توزيع الثروة بما يحقق الرعاية والكفاية للناس.. انصبّ البحث على طرق التقليل من النوع الإنساني وتحديد نسله بحجة أن مساحة الأرض غير قادرة على استيعاب أعداد تفوق المعدلات السكانية الحالية وأن النمو الديمغرافي يفوق الثروة في العالم وهو سبب الفقر..


نعم.. هكذا كان حلّ مشكلة الفقر في النظام الرأسمالي.. بالحدّ من الإنجاب وتحديد النسل وتقنين ذلك في بعض الدول.. والحثّ عليها من قبل الهيئات العالمية والدولية..


ثم إن الغرب يدّعي أن تلوث البيئة وفساده ناشئ عن كثرة النفوس وكثافة السكان، ولذا يجب تحديدها، بينما الأمر ليس كذلك، فإن الفساد ناشئ بحسب اعتراف الغرب من البلدان الصناعية نفسها، إذ زيادة درجة حرارة الأرض إنما هي نتيجة تمزق الغلاف الجوي المحيط بالأرض، المتسبب عن الغازات التي تفرزها المعامل والمصانع وخاصة العسكرية والنووية منها، وزمامها بيد الغربيين، كما إن تلوث مياه الشرب ناشئ عن إلقاء نفايات المصانع الذرية وغير الذرية في المياه، وكذلك يكون اضطراب الأحوال الجوية وتوترها، مثل كثرة الأمطار وقلتها، وكثرة الأمراض وشيوعها، وفساد المزارع وخرابها، واحتراق الغابات ودمارها، وغير ذلك من الكوارث الطبيعية، فإن أغلبها سببه استعمال وتصنيع الأسلحة الحديثة، وبسبب التجارب النووية من تفجير القنابل الذرية والهيدروجينية وغيرها كما اعتاده الغرب.


إن سياسة تحديد النسل كان عملا ممنهجا ومؤطّرا منذ بداياته لأنه متعلّق أساسا بالسياسة الاقتصادية الرأسمالية.. وقد عملت به دول غربية كثيرة..


وللتمويه فإن هذا المشروع يتم بتغطية علمية من بعض الجمعيات العالمية والمحلية لمساعدة اليونسيف، وبعض وزارات الصحة العمومية، ومؤسسات تنظيم الأسرة المحلية، التي تتبارى في إجراء البحوث والدراسات الميدانية للعمل على خفض نسبة مواليد السكان لديها.


وهذه المؤسسات التي تتقاضى تمويلات ضخمة لهذا الشأن، تُمنح إضافة لذلك أوسمة غربية من الدرجة الأولى لمساهمتها في الحد من الزيادة السكانية، وما يسمى وفق مصطلحهم بالانفجار السكاني الذي قد يهدد بتفاقم مشكلة نقص الغذاء المتوهمة عالمياً.


ومن الأمور التي ساعدت على تحديد النسل، هي دعم المنظمات الدولية لهذا المشروع: بعض قرارات صندوق النقد الدولي، وهيئة الأمم المتحدة، والمنظمات المرتبطة بهذه المؤسسات، والتي تفرض شروطا مريبة لإقراض الدول الفقيرة، منها تحديد النسل والتنظيم العائلي..


وقد عملت الصين الشعبية مثلا بسياسة الطفل الواحد وقالت هذه السلطات أن هذه السياسة منعت أكثر من 250 مليون ولادة منذ تطبيقها وحتى السنة 2000.. وقد يخضع متجاوزو هذه السياسة إلى عقوبات تجرّدهم من امتيازاتهم وتحرمهم من الاستفادة من خدمات الدولة..


كما أن ادولف هتلر قد مارس سياسة العقم الإجباري لتحسين نسل الألمان والحد من الإنجاب المتهافت..


وعملا في نفس السياق أصدر الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية والتي طرح فيها مشروع تحديد النسل.. ونوقشت المسألة على ضوء تحسين الوضع المعيشي بالحد من الإنجاب ممّا أدى إلى تناقص سكاني سريع وارتفاع في معدل التهرّم..


وتوالت بلدان العالم الإسلامي في انتهاج هذه السياسة دون إدراك لغايتها الحقيقة.. بل كان العمل بها يحظى بتشجيع حكومي وتغطية إعلامية كبيرة وحتى برامج التعليم كانت تستحسن فكرة الحد من الإنجاب وتجعل "تحديد النسل" محورا رئيسيا في منهجيتها.. حتى إنها تعرف الطلاب في سن مبكرة على وسائل تحديد النسل والوقاية من الإنجاب..


أما أدعياء حقوق المرأة والجمعيات النسوية فقد جعلوا من هذا الموضوع قوتهم اليومي.. حتى وصل بالبعض منهم إلى توزيع وسائل منع الحمل على النساء القرويات اللواتي لا يملكن حتى رغيف الخبر لأكله.. وصار تحديد النسل ثقافة أساسية لتوعية المرأة بحجة أنها يجب أن تحسّن من مستواها المعيشي وتساهم في ذلك حتى لو لم تعمل.. فيكفيها الحدّ من الإنجاب لتقليص نسبة الفقر..


لقد حثّ الإسلام على الإنجاب للمحافظة على النوع الإنساني.. والإسلام فيه من الأحكام الشرعية ما يضمن تحقيق الرعاية والكفاية والرفاه لكل البشر.. لأن النظام الاقتصادي في الإسلام يقوم على توزيع الثروة بشكل يحقق الإشباعات الأساسية للإنسان بوصفه إنساناً.. وليس في التشريع الإسلامي ما يخشاه ويخجل منه لأنه وحي رب العالمين.. وحي خالق هذا الإنسان وهذا الكون وهذه الحياة.. ومع أن الإسلام قد شجّع على الإنجاب لقوله صلى الله عليه وسلم «تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة» فإن الإسلام لم يمنع تنظيم النسل واستخدام بعض وسائل منع الحمل والتي لا تسبب قطعا للنسل أو عقما دائما..


وليست الغاية من هذا الموضوع بيان الموقف الشرعي من تحديد النسل.. بل الغاية منه بيان عقم هذه الأنظمة الكافرة وعجزها على رعاية شؤون الناس.. بل وإفقارهم واستغلالهم بذريعة وهمية جنّدت لها مؤسسات وحكومات ومنابر إعلامية وجمعيات دولية حتى تغطّي على فشلها وعدم استيعابها لمشاكل الإنسان..


لأن النظام الرأسمالي في نهايته تشريع بشري قاصر عاجز.. لا يستطيع أن يقدم للإنسانية الرخاء والهناء.. بل هو شقاء وعداء.. عداء للإنسان وللدين وللحياة..
يقول عالم الكيمياء الأمريكي آرثر كورماك (إن أهل الشرق سوف لن يلبثوا إلا قليلاً حتى يطلعوا على حقيقة هذا الدجل، ثم لا يغفرونه لأهل الغرب، لأنه استعمار من نوع جديد يهدف إلى دفع الأمم غير المتقدمة ولا سيما الأمم السوداء إلى مزيد من الذل والخسف حتى تتمكن الأمم البيضاء من الاحتفاظ بسيادتها).


فيا أيها المسلمون، لقد حباكم الله بثروة بشرية وثروة فكرية وتشريعية.. فماذا تنتظرون؟؟ إن الغرب الحاقد لن يفرّط فيكم ما دمتم مفرّطين في الإسلام.. هذا الدين العظيم الذي يرتعب أعداؤه بمجرّد ذكر اسمه..


ماذا تنتظرون للتحرر من هذا الاستعباد والاستعمار.. ماذا تنتظرون لتعيشوا بما يرضي ربكم ويرضيكم؟؟؟

لا تغفروا لأهل الغرب ما فعلوه بكم.. بحرثكم وبنسلكم.. بدينكم وبأمتكم..

يقول الله تعالى في آخر سورة طه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾
وأي ضنك أمرّ وأعتى من الحكم بغير ما أنزل الله.. أي شقاء أعظم من العيش بأنظمة تحارب الدين وتكره الإنسان وتحتكر الحياة لصالح الفرد؟؟
ويقول عز من قائل في أول السورة نفسها: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾
نعم.. إن القرآن وهو وحي رب العالمين وهو كلام العزيز الحكيم.. هو نور لمشارق الأرض ومغاربها.. وهناء للبشرية ونعيم..

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع