- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أمريكا الرأسمالية إلى أين..؟!
(1)
أمريكا تاريخيًا وجيوسياسيًا:
تاريخ استقلال أمريكا هو سنة 1776م، أي أن عمرها لا يتجاوز 239 عامًا، فعمرها في عمر الدول قصير جدًا، وعدد سكانها حوالي 320 مليون نسمة، وهي ثالث دولة من حيث السكان عالميًا، وفيها قرابة العشرة ملايين إنسان مهاجر، ومن مختلف الأجناس، وهي رابع دولة من حيث المساحة الجغرافية بعد روسيا وكندا والصين، والولايات المتحدة هي أقدم اتحاد فيدرالي موجود ومستمر في العالم، وهي جمهورية دستورية وديمقراطية تمثيلية فيها حكم الأغلبية، وحقوق الأقليات محمية بحكم القانون، وأمريكا لها نفوذ اقتصادي وسياسي وعسكري كبير وهي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومدينة نيويورك تستضيف مقر الأمم المتحدة وعضو في ج/8 الاقتصادية.
أمريكا اقتصاديا:
تعتبر أمريكا أقوى الدول اقتصادًا في العالم، وهي في آن واحد أكبر سوق استهلاكي عالمي، وفيها أقوى مراكز الأبحاث الاقتصادية والسياسية والعلمية، وقد أخذت هذا الوضع بعد الحرب العالمية الثانية وخصوصًا بعد توقيع معاهدة بريتون وودز الشهيرة في عام 1945م، حيث كانت إملاءات المنتصر، ومن خلالها أصبح الدولار عملة عالمية، وأول بديل للذهب، وكان قد تجمع لديها بعد الحرب أكبر كمية من ذهب العالم خوفًا من النهب والدمار، فكان هذا السبب الرئيس لتقدم أمريكا اقتصاديًا، وهو "أي الدولار" السبب نفسه الذي أدى إلى الأزمة المالية الأمريكية العالمية، فالدولار وأمريكا والنظام الرأسمالي هي سبب الأزمة التي يعيشها العالم كله منذ عام 2008م، وما زال العالم يرزح تحت نيرها، ولم يجد أي حل لتلك الأزمة المالية العالمية، والتي كانت شرارتها أمريكا والنظام الرأسمالي، فالعالم كله يعلم أن لا رصيد للورقة الخضراء أكثر من ثمن الورقة ذاتها وصبغتها، أي بنسات معدودة، لا تسمن ولا تغني من جوع، فمالكها سيكون فقيرًا يوما ما، حيث لا صرف ولا بيع ولا شراء، ولا أدل على ذلك من إغلاق مئات من البنوك الأمريكية، وكان أشهرها وأعرقها بنك ليمان برذرز، وكثير من المصانع والشركات حيث أدت إلى زيادة نسبة العاطلين عن العمل وتدني نسبة النمو الاقتصادي، وفَقَد الدولار ما يقارب الـ 40% من قيمته، مقابل العملات الأخرى كـ "اليورو" و"الين"، وبالتالي هبوط القوة الشرائية بالنسبة نفسها، مع ذلك فهناك تخوُّفٌ كبير من الدول التي تملك احتياطياتٍ كبيرةً من الدولار، وعلى رأسها الصين، التي تملك أكبر احتياطي من العُمْلة الخضراء، حيثُ تتجاوز احتياطيات الصين حاجز تريليون دولار، وهذا ما يفسِّر توجُّه الصين لتنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار، والصين هي أكبر الدائنين وهي ستكون أكبر الخاسرين، والأرقام الآتية تبين الهاوية الاقتصادية التي تنتظر أمريكا ومن ثم العالم، وذلك بسبب ربط الاقتصاد العالمي بالدولار، لدرجة تصور أن العالم يحافظ حتى الرمق الأخير على عدم انهيار أمريكا اقتصاديا؛ لأن ذلك يعني بالضرورة هاوية اقتصادية عالمية، وهذه الأرقام أشبه بالخيال الهليودي والسينمائي:
• تسلم الحكم (باراك أوباما) بعجز في الميزانية يقدر 1،3 تريليون دولار.
• استنْزفت الحرب الأمريكية على العراق 540 مليار دولار حتى عام 2007م.
• المديونية الأمريكية المعلنة تزيد على التسعة عشر ترليون دولار.
الأزمات التي نتجت جراء الأزمة المالية الأمريكية:
• أزمة الرهن العقاري، وما صاحبها من مصادرة لمنازل ملايين الناس.
• هناك ما يقارب خمسةَ آلاف جسر في الولايات المتحدة في حاجة للصيانة، إضافةً لكثير من الطرقات والمرافق العامة، والدولة عاجزةٌ عن صيانتها للكُلْفة العالية.
• وبما أن الاقتصاد هو العمود الفقريُّ للولايات المتحدة؛ فسيكون البوابة التي ندخل منها في حديثنا عن المآل الأمريكي.
• أزمة الرعاية الصحية؛ حيث إن ما يقارب خمسين مليونَ أمريكي بلا تأمين صحي.
أمريكا والهاوية إلى أين؟
إن الظلم مرتعه وخيم، وعاقبة الظالم الهلاك لا محالة..، إن أمريكا جنت على نفسها وعلى العالم بتحكم حفنة من رجال رأس المال بشؤون العالم أجمع ومنه أمريكا، فمنذ الكساد العظيم عام 1929م، ومن ثم الحرب العالمية الثانية ومعاهدة بريتون وودز التي أعطت الدولار سيادة العملة العالمية، ووضعته موضع الذهب، وتلا ذلك العديد من الأزمات حتى عام 1971م، وخطاب الصدمة للرئيس الأمريكي نيكسون، حيث صدم العالم بتوقف صرف الدولار بالذهب، ومن ثم تغول أمريكا عالميًا بأدوات سياسية واقتصادية مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، وما يتفرع عنهما من أدوات زمام أمرها بيد السيد الأمريكي، ومن ثم نهب خيرات العالم وخاصة الإسلامي والأفريقي سواء البترول أو الثروات المعدنية والمواد الخام، ومن ثم استعمالها للقوة العسكرية في مناطق المسلمين وتقتيلهم بلا هوادة أو رحمة، كل ذلك ومثله كثير لم يُذكر جَعَل العالم كله يكره ذِكْرَ أمريكا والغرب، والمبدأ الرأسمالي معهما، بل وحتى ديمقراطيتها التي تتغنى بها كذبًا وزيفًا، فلا حرية لأحد يقف أمام طمعها وجشعها، والسيد الرأسمالي الذي وصل به الأمر حد الاتجار بالبشر وأعضائهم ودمائهم ودوائهم وغذائهم، وكل ما يخصهم ويخص إنسانيتهم حتى وصل الأمر إلى الاستعباد للبشر بطرق مقننة شكلاً ولكنها عبودية القرون الوسطى مضمونا.
وقبل النهاية نقول والشواهد كثيرة من كتابات مفكري العالم: إنه لا مناص من حدوث الآتي، والذي سنتناوله في مقالات لاحقة:
1. انهيار أمريكا اقتصاديا.
2. تفكك أمريكا جغرافيا وسياسيًا واجتماعيًا.
3. حصول ثورات على غرار "احتلوا وول ستريت" وتحولها للدموية.
4. عزلة أمريكا وتقهقرها إلى ما وراء البحار.
أمريكا ولعبة أحجار الدومينو:
إن أمريكا وكل العالم الصناعي يعلمون أنه بانهيار أمريكا وإفلاسها، وعدم المقدرة على سداد الديون سينكشف سحر الدولار الفارغ من أي قيمة حقيقية، وسيكون الانهيار عالميًا لكل الدول الصناعية وغير الصناعية، وسينطبق على الدول العالمية الدائنة لأمريكا والمتكئة على الدولار لعبة أحجار الدومينو حيث يُسقِط كل حجر الحجرَ الذي يليه.
البديل الاصيل:
هذه هي الحال المنتظرة للدولة الأولى عالميًا، والعالم لا يمكنه أن يعيش بلا مبدأ يسوده، وينظم أحواله وشؤونه، ولا تملك البشرية مبدأ بديلا تقدمه بعد انقراض وانهيار الاشتراكية، ومن ثم بيان عوار وانهيار المبدأ الرأسمالي، فالبديل هو المبدأ الأصيل الذي تم تنحيته قصرًا بالتآمر عليه دون انهياره، فالإسلام عقيدة ونظام حياة هو المرشح الوحيد ليسود العالم، ويحكمه بدولة ترحم العالم من شقاء أمريكا ورأسماليتها وديمقراطيتها، وما مخاض العالم المعاش يوميًا والتقتيل للمسلمين في كل بقاع الأرض إلا وينطق وينبض ويبشر بذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد نايل حجازات