- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تركيا إلى أين...؟!
تركيا جيوسياسيًا:
تعرف رسميًا بجمهورية تركيا وهي علمانية ديمقراطية، تقع في الشرق الأوسط على البحر الأسود، وعدد سكانها يتجاوز خمسة وسبعين مليون نسمة، وعاصمتها أنقرة، في عام 1453م إبان حكم محمد الفاتح تم فتح القسطنطينية. وهكذا بدأت الفترة العظيمة للقوة العثمانية، وكان أقصاها أثناء حكم السلطان سليمان القانوني (1520-1566)، جاء محمد الثاني وفي عهده تمكن العثمانيون من فتح القسطنطينية ناقلين إليها عاصمة الدولة، وغدا اسمها "إسلامبول" أي "تخت الإسلام" أو "مدينة الإسلام"، حاول عبد الحميد الثاني الذي وصل إلى العرش عام 1878، إيقاف العمل بالإصلاحات التغريبية والتي توّجت بإعلان الدستور العثماني وافتتاح البرلمان، ما عرّضه لنقمة رؤساء جمعية الاتحاد والترقي الذين رتبوا أمر الانقلاب عليه وعزله في 31 آذار 1909م.
في 23 شباط/فبراير 1945م كبادرة حسن نية أصبحت تركيا عضوًا في الأمم المتحدة، كانت تركيا تواجه صعوبات مع اليونان في قمع المد الشيوعي، وبعد الحرب برزت مطالب الاتحاد السوفياتي بقواعد عسكرية في المضائق التركية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان مبدأ ترومان في عام 1947م، الوارد في عقيدة النوايا الأمريكية لضمان أمن تركيا واليونان، وأسفر عن تدخل للجيش الأمريكي واسع النطاق، ودعم اقتصادي.
تركيا العثمانية:
للوهلة الأولى عند ذكر تركيا أو أي رمز تاريخي أو سياسي فيها يخطر على ذهن السامع دولة الخلافة العثمانية الإسلامية والتي حكمت أكثر من نصف العالم، وكان لا يذكر الجيش العثماني إلا وارتعبت الجيوش المقابلة، وبقيت الدولة الأولى في العالم منذ نشأتها حتى ما قبل التآمر عليها وهدمها بقرابة المائة عام، فكانت تحكم المسلمين بالإسلام دستورًا وأحكامًا، وفي أواخر عهدها وعندما بدأ التآمر عليها من الداخل من أبناء جلدتها الطامعين، ومن الخارج من الكافر المستعمر وخصوصًا الإنجليز دهاة وثعالب السياسة الدولية، وعندما تمكنوا من الدولة العثمانية أساؤوا لها بوصفها دولة تمثل الأمة الإسلامية، فتمكن القوميون الأتراك ممثلين بجمعية الاتحاد والترقي من مفاصل الدولة بحيث أصبحت الدولة وكأنها دولة قومية، وأصبحت تسيء لبقية شعوب وقوميات الأمة الإسلامية، وفي آن واحد كانت فرنسا وبقية دول الاستعمار تغذي النَّزعة القومية لدى بقية قوميات الأمة الإسلامية، وذلك عن طريق تدريس القومية والنفث فيها نزعة ضد دولة المسلمين العثمانية، وأخذت تتشكل جمعيات بأسماء مختلفة لبثِّ الفكر القومي العربي خصوصًا، وذلك عن طريق خريجي الجامعات الغربية والتي كان أشهرها جامعة السوربون الفرنسية، وما إن تم إعلان الثورة العربية ضد دولة الخلافة وبمساعدة بريطانيا حتى تم إقصاء الخليفة، ومن ثم إلغاء الخلافة في 1924م من الوجود، ومنذ ذلك اليوم والأمة الإسلامية تعيش حالة التشرذم والقهر والذل والتقسيم، وبعد إعلان تقسيم سايكس-بيكو لدولة الخلافة تغنى كل قطر بقطعة قماش (علم) أخذ يقدسه ويستميت للمحافظة عليه، وأصبح للمسلمين قرابة سبع وخمسين دويلة بدل الدولة العظمى الواحدة والوحيدة عالميا.
تركيا المعاصرة:
أما تركيا اليوم فحدث عنها ولا حرج، فموقعها المتوسط بين أوروبا وآسيا، جعلها لا هي طورانية تركية ولا إسلامية ولا أوروبية (قصعة أكل الشحاتين)، فالكماليون أتباع اليهودي مصطفى كمال عمدوا لتغيير كل ما استطاعوا في تركيا لإبعادها عن محيطها الإسلامي، لدرجة استبدال اللغة وأحرفها إلى أحرف لاتينية مشابهة للغة الأوروبيين، فلا هي بقيت تركية طورانية، ولا عربية وكذلك لم تصبح أوروبية، بقيت تركيا المعاصرة يحكمها العسكر والانقلابات العسكرية في أعوام 1960، و1971، و1980 و1997، وأعلنت تبني النهج العلماني ولغاية يومنا هذا، ويفاخر أردوغان بعلمانية تركيا وقوانينها ودستورها، مع محاولة إظهار بعض مظاهر التدين لكسب الأصوات الانتخابية، وقد حصل ذلك فعلاً واستطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان حصدَ أصوات الشارع المسلم التركي بسبب حبه للإسلام، ولعل التعصب من قبل القادة الأتراك للقيم العلمانية في مقابل احتقارهم للقيم الشائعة التي يعتقد بها أغلبية الأتراك والمتمثلة في قيم الإسلام أدى بشكل تدريجي إلى استقطاب المجتمع التركي نحو إيثار عودة القيم الإسلامية، وهو ما دفع بدوره مع حلول الثمانينات من القرن العشرين إلى ظهور جيل من السياسيين الأتراك أخذوا علانية في تحدي النخبة العلمانية الحاكمة لبلادهم والمناداة بعودة القيم الإسلامية إلى تركيا.
وعندما تمكنت أمريكا من إقصاء العسكر، وفرض الانتخابات النيابية، دعمت أردوغان وحزبه وذلك بتوفير فرص النجاح لهم، سواء الاقتصادية أو الشعبية أو الإعلامية، وبعد أن كانت تركيا مشهورة بتدني النمو الاقتصادي فيها والمديونية الثقيلة ورخص قيمة ليرتها، أصبحت تتغنى بالنمو الاقتصادي، وذلك بعد تسلم أردوغان وحزبه حكم البلاد، وفي الحقيقة كان ذلك نجاحًا جزئيًا، وليس كما يتصور البعض بأنه نجاح أنموذج للآخرين..!!، وسنأتي لاحقًا لتفصيل المجمل هنا وغيره كذلك سواء سياسيًا أو اقتصاديًا الخ.
تركيا والسياسة الدولية:
منذ قرار إلغاء دولة الخلافة العثمانية والكماليون العلمانيون يسيطرون على مقاليد الحكم في تركيا والانقلابات العسكرية لم تتوقف بسبب سيطرة العسكريين على مقاليد ومفاصل الحكم فيها. تبلغ نسبة معتنقي الإسلام في تركيا قرابة 98% من السكان تتبع الغالبية منهم المذهب السني، ولا ينص الدستور التركي على دين رسمي للدولة التركية، بل يكفل حرية المعتقد، وقد ظهرت الدولة العميقة، وتشكلت بشكل واضح لضبط أحوال الحكم وبقائه لصالح الإنجليز والأوروبيين غالبًا، وقد أدى ذلك إلى تأخر الأحوال الاقتصادية، حتى أصبحت الليرة التركية مضرب مثل في ضعفها، فكانت نظيراتها في المنطقة والدولار تصرف مقابل المئات أو الآلاف من الليرات، عندما استطاع حزب العدالة والتنمية من النجاح والثبات بعد حزب أربكان الذي تم إضعافه من قبل العسكر، تقدم أردوغان من رئيس بلدية ناجح إلى رئيس حزب ورئيس حكومة تتقدم شعبيًا وسياسيًا واقتصاديًا وحكم حزبه لغاية هذه الأيام، ولكن الدعم الأمريكي من وراء الكواليس لحزب العدالة والتنمية هو السبب الرئيس وراء ثبات وتقدم الحزب في تركيا، وها نحن الآن نرى شيئا من الإخفاق في الانتخابات الأخيرة لحزب أردوغان وعدم القدرة على تشكيل حكومة ائتلاف مع الأحزاب الأخرى، وما ذلك إلا لاختلاف الولاء للخارج وعدم خسارة ما تم إنجازه خلال فترة حكم أردوغان من تنظيف لمفاصل الكثير من الوزارات من عملاء الإنجليز القدماء، وهذا من أهم أسباب عدم الجدية في إنجاز حكومة ائتلافية، ولكن الشعوب المسلمة ترصد الأوضاع وتترقب الأحوال السياسية وتريد أن ترى نتائج وطحنًا لا تقارير وخطباً حماسية بلا أفعال، وذلك هو واقع سياسة أردوغان، وهنا نتساءل: ماذا فعل أردوغان حول القضايا الكبرى فقط والتي وعد بإنجازها خارجيا:
- التعامل مع يهود ونصرة الأقصى وفلسطين..!!
- نصرة غزة في ثلاثة حروب مدمرة..!!
- نصرة المسلمين من أهل الشام وتوعده للأسد..!!
- نصرة المسلمين بعد ثورات الربيع العربي وخصوصًا بعد أحداث رابعة في مصر..!!
- نصرة دعاة الإسلام والخلافة سواء في تركيا أو خارجها..!!
- نصرة أهل ميانمار المسلمين وتقتيلهم الجماعي وتهجيرهم وحرقهم..!!
أما الأوضاع الداخلية ومنها الوضع الاقتصادي حيث أظهر تحسنًا لعامة الناس، ولكنه للمتابع عبارة عن ورم سرطاني خادع، حيث تم قلب الديون الخارجية إلى البنوك الداخلية، وكذلك دعم استثماري من شركات أمريكية أو دول تابعة لأمريكا، وعليه ازداد التضخم ولم تقل نسبة الفقر، وهذه الأيام وضع الليرة التركية في تنازل حتى أصبحت لا تساوي أكثر من اثنين بالمئة..!!
أما الوضع السياسي وحرية التعبير فقد زُج بالسياسيين من دعاة الخلافة في السجون ولمدد تزيد عن خمس سنين، ومواجهة المظاهرات بالماء والهراوات، حتى وصل الأمر إلى قتل بعض المتظاهرين، والتضييق على المسلمين الأكراد وتهميشهم، وتم قصفهم بالطيران وقتل العشرات منهم، وهذه الأيام تم فتح قاعدة أنجرليك أمام الطيران الأمريكي والتحالف للمساهمة في إجهاض ثورة أهل الشام المباركة، وذلك تحت حجة محاربة تنظيم الدولة والإرهاب، وكأن بشار الأسد وإيران وحزبها اللبناني حمل وديع يدافع عن نفسه!!، وكأنه لا يقتل من المسلمين الألوف ويلقي البراميل المتفجرة، بل ويستعمل السلاح الكيماوي المحرم دوليًا!! ومع كل ذلك، لا نسمع من تركيا وتحالفها مع أمريكا سوى التهديد الفارغ والوعيد الكاذب والكلام الأجوف، بل حتى الكلام تناساه أردوغان إلا لحاجة انتخابية، يعيده حتى أصبح مملولاً ومكررًا، وهذا من أسباب خسارته جزءًا من شعبيته، وجزءًا من المقاعد البرلمانية، ولا أظنه إن حصلت انتخابات برلمانية قريبة يستطيع وحزبه تحسين وضعه الانتخابي إلا أن يصطنع حدثًا ضخمًا ومدروسًا يوهم الشعب التركي المسلم أنه يعمل لصالح تركيا والإسلام والمسلمين.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد نايل حجازات - ولاية الأردن
لقراءة الجزء الثاني اضــغــط هــنا
لقراءة الجزء الثالث اضــغــط هــنا