الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
استضعفوا أنفسهم فاستُضعِفوا من عدوهم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

استضعفوا أنفسهم فاستُضعِفوا من عدوهم

 

 

 

 

في ظل أجواء القهر والاضطهاد الذي تتعرض له الأمة هذه الأيام في شتى بقاع الأرض، قد يتولد وينبعث عند البعض شعور سلبي يتنامى وتزداد وتيرته لا سيما في أوقات الهزائم والإحباطات، حيث تتوارى النجاحات أو التي غالبا ما تكون قليلة أو باهتة ويتصدر الفشل المشهد... حيث ينبع الشعور السلبي المتمثل في جلد الذات ومحاسبتها ولومها، وذلك لعجز المنهزم فاتر الهمة عن إدراك مواطن قوته ومواطن ضعفه، وأيضاً مواطن قوة وضعف أعدائه، ويسرف بدلا من ذلك في تهميش كل قوة وقدرة له ويعطيها ويمنحها لعدوه الذي لا يمتلكها..


فنجد مَنْ هذا حاله كثيرَ الشكوى والتأنيب والحط من شأن أمته وقدراتها ومكانتها، وتجده أيضا متنكرا وخجلا من انتمائه لها، فتجد لسان حاله يقول: لم نشتك نحن العرب من الطريقة التي يعاملنا بها العالم؟! ماذا قدمنا للعالم كي يحترمنا ويحسب لنا حسابا؟! ألا نقبع في مؤخرة الأمم سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا!؟ ألسنا علّة على العالم؟! ألسنا أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج؟ ألسنا نستورد قمحنا من أمريكا والغترة من الصين والعقال من سويسرا؟! حتى الأبراج الشاهقة التي نتفاخر بها ألم يبنِها خبراء غربيون؟ لماذا يتفاخر الغرب بصناعة أسرع طائرة أو أنحف موبايل بينما نتفاخر نحن بأكبر صحن تبولة!؟.. ثم نتفاخر بعد ذلك بأننا خير أمة أخرجت للناس؟! يا للعار!!!


فهذه حفنة ممن تهرف أفواههم بالحماقات، وعينة ممن تجود عقولهم بالتفاهات، بوصفهم لأمتهم بالضعف والمهانة والتخلف، فيتفكهون بزرع هذه الأوصاف في القلوب والعقول، غير متيقظين إلى أن من أسباب هذا الضعف هو بث الهزيمة في النفوس وتنشئة الأجيال على سلوكياتها والتطبع بأنماطها.


إن هذا الصنف من الناس سلبي الإرادة، لا يجيد إلا النقد غير المجدي، أو التشاؤم غير المفيد، وتراه أبعد ما يكون عن ميدان العمل الجاد، والعطاء المثمر، كما أنه يتوهم كثيرًا من العراقيل التي تحول دون نتاجه لأمته ومجتمعه..


وحقيقة لا أجد عذرا لهؤلاء ولانهزاميتهم سوى الفراغ الروحي والفكري الذي يحيونه، فالفراغ داء عضال يعطب العقول ويميع الأذواق، ويجعل من العقل والنفس عرضة للانشغال بأوهام الهزيمة والضعف، فتصبح بذلك هشة تشرب كل خبر، وتصدق كل نبأ، فكلمة تميل بها يمينًا وكلمة تروح بها شمالاً..


وليس ذلك إلا لمن نجد خللا في مواطن الإيمان عندهم، كعدم اليقين بنصر الله تعالى، ووعده بالتمكين للمسلمين، حتى يظن بعض المنهزمين نفسيا بأن كل قضية كبرى تحدث بأنها هي نهاية المسلمين وفيها هلاكهم.. ألم يقرأ من دبت الهزيمة في أوصالهم قول الله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُواْ اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾؟ ألم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ»؟ ففي حين لا بد لليقين أن يتملكنا بأن النصر لِمَنْ نَصَرَ الله لا لمن حاربه وحارب أولياءه، وأن العاقبة لأهل التقوى، لا لأهل الفجور والمنكرات، ولنجزم بأن أهل الحق ظاهرون حتى يأتي أمر الله، نجد من يثبط عزيمتنا ويقلل من شأننا ويبث روح الهزيمة في نفوسنا...


لذلك وفي هذا المقال حري بنا أن ننصف أمتنا، ونرد لها حقها وما هي أهل له، من مكانة ومهابة لزمتها لقرون، ولننبذ عن أنفسنا الهزيمة المقيتة، فليست خليقة بأمة كأمة محمد صلى الله عليه وسلم ملأ نورها مشارق الأرض ومغاربها، وأصبحت شامة بين الناس بجميل صيتها، وعظم أفعالها وحسن منهجها، فالأمة اليوم أحوج ما تكون لأفراد أقوياء في سواعدهم ونفوسهم وعقولهم وعتادهم، لتكون بهذا كله حصنًا منيعًا يحول دون طمع الأعداء، ويحجب دون نظرات الحاقدين، ويحبط كيد المغرضين، ويصد عنها مكر وبغض الماكرين، بحاجة لعاملين طموحين متفانين لنهضة الأمة وإعادتها لسابق عهدها وعزها، وليس ذلك لضعاف النفوس بل للأشداء الأقوياء... ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.


فبالرغم مما تعيشه أمة الإسلام وهو ليس بخافٍ من ضعف وتفكك، وتكالب العالم أجمع عليها، وكأنها تعيش حالاً من التيه والضياع في كثير من بقاعها، إلا أنها تمتلك بفضل الله ومنّته مقومات أساسية تجعلها في موقع التأثير ومركز الثقل في عالم التدافع الحضاري والتنافس العالمي..


وأول مقومات الأمة وأهمها.. مرجعيتها، كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهما يمثلان المنهج الدستوري في تشييد الصرح الحضاري للأمة والذي تنعم فيه بالأمن والرخاء والرعاية والحماية..


ومن مقومات أمة الإسلام طاقتها البشرية الهائلة، طاقة بشرية تأتلف وتنسجم فيها جميع الأجناس والأطياف والقوميات.. ومن مقومات الأمة موقعها وثرواتها، فخارطة الأمة الجغرافية والاقتصادية لا تكاد تترك موقعا استراتيجيا ولا ثروة من ثروات الأرض في الباطن والظاهر إلا ولها فيه سبق ظاهر كما ونوعا، وليس من المبالغة القول: إنها من أكبر أسباب تسلط الأجنبي ومقاومته لنهضة الأمة وإعادتها لسابق عهدها..


وبالإضافة لذلك لا نغفل التماسك واللحمة فيما بينها، إن الروابط التي أحكم وثاقها الشرع الحكيم لإبقاء لحمة الأمة بنيانا يشد بعضه بعضا، وهي التي جعلت هذه الأمةَ متجانسة منسجمة متحابة، على الرغم من كل المحاولات لإثارة النعرات فيها، ففي الأمة ولله الحمد من عوامل التماسك والتشابك ما لا يقبل التشكيك، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ويقول عليه الصلاة والسلام: «المؤمِن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا».


لذلك نقول لمن لا يرى ولا يدرك مراكز القوة في أمته ويقلل من شأنها ويستهين بها، أن السياسة والاقتصاد والمخترعات والأدوات جميعها مقومات عرضية مكتسبة، إن ضاعت في حال الضعف يمكن استردادها أثناء عافية الأمة، أمّا الفكر والحضارة والثقافة فهي تعني فكر الإنسان ونظرته للحياة والأشياء، ومن أجل هذا فإن قوة الفكر والعمق الحضاري هي الحصن المنيع لحماية الأمة، وهي مكمن قوتها ومرجعيتها حينما تعمل لاستعادة مكانتها، أما ثقافة القوة التي يتمتع بها الغرب ونرى بها غلبته علينا وإثخانه فينا، فلا يمكن أن تغلب قوة الفكر والعقيدة على المدى البعيد، ولئن اقتنع العالم بأنه أصبح قرية واحدة بتلاشي الحدود الجغرافية الأرضية في الإعلام والاتصالات والمواصلات فإن الحدود الثقافيةَ والحضارية لا يُتصور تلاشيها ولا زوالها، فلئن تلاشت الدولة الجغرافية فلا تتلاشى أمة الفكر والحضارة...


وأمتنا وإن مرَّت بفترات من الانحسار والانكسار، مع الصليبيين والشيوعيين ومع سائر الخصوم، ولكنهم بالرغم من ذلك ذهبت قواهم العسكرية وبقي ذو الثقافة الغالبة بهويته وفكره. وإن رياح التغيير لا تجتث إلاّ الحضارت الهشة سريعة العطب، أما التي تمتلك الجذور والمرجعية والرصيد الفكري فهي ثابتة محفوظة بما تكفَّل الله بحفظه...


فالأمة الإسلامية في عصورها الذهبية ملكت هذه الدنيا، وضربت أروع الأمثلة في نشر العدل والأمان والعيش الرغيد للمسلمين ولكل من عاش في كنف تلك الدولة القوية، وما ذلك إلا لثباتهم وتمسكهم بعوامل النصر والغلبة والتمكين، من الاستقامة على أحكام الدين والحرص على الصدع بالحق دون مداهنة أو مجاملة أو محاباة.


والأمة الإسلامية اليوم بأمس الحاجة لمواقف راسخة ثابتة قوية، ولشخصيات واعية مثابرة صادعة بالحق لا تخشى انعدام الرزق أو قطع العنق أو لومة لائم، واضحة مستقيمة قادرة على تحمُّل أعباء المرحلة الحرجة والمسؤوليات المتزايدة نتيجة الغثائية التي نمر بها، والضعف والوهن والتراجع، مع كثرة التلون والانهزامية، حتى أصبح بعض الرموز أو الشخصيات عالة على الأمة، بما لديهم من سلبية وبُعد عن ملامسة جراح الأمة والمؤامرات التي تُحاك ضدها على مختلف الأصعدة...


فخلوا عنكم انهزاميتكم وكونوا للحق وإحقاقه عاملين، وتوقفوا عن جلدكم لذاتكم ولأمتكم، وكفاكم تقليلا من شأنها، وعوضا عن ذلك قوموا لنهضتها والتغيير من حالها، فهذا هو النهج وهذا هو الطريق.. فهلموا فقد أوشك الركب أن يسير فشاركونا المسير..

 

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رائدة محمد

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع