- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الشام... إلى أين؟ (2)
الشام والسياسة الأمريكية:
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج أمريكا الأقوى اقتصاديًا في العالم وجد عندها طموح السيطرة على العالم وخصوصًا بلاد المسلمين، وذلك بطرد دول الاستعمار القديم والحلول مكانه، وبالفعل حصل في الشام لغاية بداية سبعينات القرن الماضي العديد من الانقلابات العسكرية ذات الولاءات المختلفة حتى أتت أمريكا بحافظ الأسد، وحكم الشام بقوة وصلافة، ودعمته دون مظاهر واضحة للدعم، وثبت عميلاً غير واضح قرابة عقدين من الزمن، حتى جاء تحالف عاصفة الصحراء لتحرير الكويت من صدام البعثي، وباشتراك حافظ أسد البعثي بذاك التحالف الأمريكي بدا للبعض أن حافظ الأسد قد يكون على علاقة بأمريكا رغم أنه المعادي ظاهريًا للإمبريالية الأمريكية والذي لا يفتأ إعلامه يتعرض لأمريكا الاستعمارية وعداوته معها، وذاك هو النهج نفسه الذي اتبعته إيران في سياستها وإعلامها في معاداة أمريكا "الشيطان الأكبر" والتي بان بأنها الصديق والحليف الأكبر في التحالف ضد الحرب على ما يسمى الإرهاب (الإسلام)، ومعاهدة السلاح النووي. وعليه فالأحداث الجسام تكشف عملاء جساماً، ومن أشهر الآراء السياسية ما قاله كيسنجر اليهودي وزير خارجية أمريكا الأسبق "لقد أخطأنا بكشف عميل مخفي في تحالف عاصفة الصحراء".
ثورة الشام وأمريكا بعد الربيع العربي:
حصلت أحداث الربيع العربي ولم تشر لا دوائر المخابرات العالمية، ولا مراكز الدراسات الاستراتيجية ولا الكتاب والمفكرون إلى احتمالية حصول ما سمي إعلاميا فيما بعد بـ "الربيع العربي"، وحاولت أمريكا إنقاذ عملائها وخصوصًا رئيس مصر حسني مبارك، وأخذ جزء من كعكة نتائج ثورات الربيع العربي، وذلك ما سعت له في تونس وليبيا واليمن، وعندما حصل تحرك شعبي غير متوقع في الشام، فقد تفاجأ جميع الناس بذلك لظروف قاسية كان المسلمون يعيشونها هناك، سواء منها تطبيق العلمانية أو القبضة الأمنية والبطش أو الحالة الطائفية، وسيطرة الطائفة العلوية على مناحي الحياة بالشام، ولكن لتلك الظروف الخاصة بالنظام وأهل الشام فقد حصل التحرك السلمي لأهل الشام وكان سلميًا بالكامل، ولكن بسبب السجية الأمنية للنظام وأزلامه فقد ظن أنه يمكن أن يوقف ذاك التحرك ببطشه العسكري وبلطجيته، وخصوصًا أن لوالد بشار أسبقية في تعامله وإبادته للتحرك الذي حصل في بداية ثمانينات القرن الماضي في حماة وحلب، فأخذ النظام يقتل بشكل وحشي ليس له مثيل، ولم يسبق لنظام أن يقتل شعبه بمثل تلك الطريقة الوحشية، وهنا بدا تردد أمريكا وتخبطها في معالجة الأمور بثورة الشام، فهي من ناحية تريد المحافظة على عميلها ونظامه، ومن جهة أخرى لا تريد أن تبدو داعمة للنظام، وضد الشعب الثائر، ولا تناصر حقوق الإنسان والشعوب، ولذا ظهر الارتباك على أوباما وخطوطه الحمراء الكثيرة التي وضعها حتى أصبحت سمة لتصريحاته وتصريحات وزير خارجيته، لدرجة أن استبدل كيري الحالي بوزيرة الخارجية السابقة، وكذلك استبدل السفير الأمريكي السابق، ومع هذا التخبط والتردد في معالجة إنهاء ثورة الشام كانت الثورة قد امتدت إلى أكثر مدن الشام، وتمت عسكرتها، وتدخلت أطراف صراع دولية عن طريق عملائهم من الدول المجاورة والإمداد بالمال والسلاح.
ثورة الشام وتحولها إلى ثورة أمة الإسلام:
دخل على الخط المخلصون من الأمة الإسلامية وخصوصًا ممن يحملون فكرًا ومشروعًا يمكن أن يكون بديلاً حال نجاح الثورة، وأشهر ما ظهر في ثورة الشام مشروع المطالبة بإقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، وتطبيق شرع الله تعالى، ولذا فقد أصبحت أكثر الشعارات في ثورة الشام شعارات نابعة من عقيدة المسلمين من مثل: "ما لنا غيرك يا الله". وقد تم رفع راية الإسلام وهي الراية التي كان يرفعها رسول الله ﷺ والمكتوب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وأصبح مرفوضًا أي مشروع لا يتوافق مع عقيدة الأمة حتى ولو كانت وجوهه إسلامية والداعمون له حركات إسلامية، ولكنها تعمل مع الغرب لإيجاد دولة مدنية علمانية.
ثورة الشام والواقع الفكري:
وقد ساهم في ترسيخ فكرة مشروع الخلافة الإسلامية وتطبيق الإسلام ورفعها شعارًا للثورة أمور عديدة ذكرنا بعضها في مقال: "الشام... إلى أين رقم (1)" ونشير هنا إلى أمور مهمة ساهمت بذلك، فمن جراء البطش والتدمير وكأن الحاصل حرب بين دول كبرى، فقد انقطعت الكهرباء والفضائيات واتصالات النت عن أكثر مناطق الثورة، والتي سميت بالمحررة أي من النظام، فكان أن اشتغل وبجد اشتغالاً منقطع النظير شباب مشروع الخلافة الإسلامية التي يعملون لها منذ ستة عقود، ودستورها وأفكارها وسياستها مسطرة وليست طارئة، لا تخبط فيها، وتعمل بناء على أسس قوية وثابتة، واستراتيجية مدروسة، ووعي فكري وسياسي، ولذا كان الناس ينكبون على ذلك الفكر ونشراته وكتبه ويقرءونه حرفا حرفا، ويتفحصونه ويناقشون شبابه بمحتواه ومضمونه، لدرجة أنَّ من يقرأ أصبح صاحب الفكرة، ويدعو لها ويناصرها، ولدرجة أنْ أصبح من ينادي بخلاف تلك الأفكار في بعض المناطق، وبعض الفصائل يوصم بالخيانة لدينه ولدماء الشهداء، من هنا نقول: إن فكرة مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة أصبحت هي الفكرة الأولى، وشعار أكثر الألوية والكتائب، حتى إن بعض قادة الألوية وأشهرهم جمال معروف سئل إعلاميا أنك هنا تتكلم بأمور وداخل الشام تتكلم وتفعل غير ذلك..!؟، فكان الجواب لا أستطيع أن أفعل غير ذلك، فالرأي العام في الشام يرفض ذلك، ويرفض رفع غير تلك الراية!!
ثورة الشام وفاعلية الفكر:
الثورات من طبيعتها أنها سلمية وتغييرية أو إصلاحية، ولما كانت ثورات الربيع العربي سلمية بدأ يظهر عليها شعارات فكرية وطابع فكري، سواء أكان إسلاميًا أو علمانيًا أو المناداة بالكرامة والحرية كأفكار جزئية، فهنا خشيت أمريكا من ذلك، وظهر هذا في الثورة المصرية، فأجهضتها بالمعادلة، وتنحية عميلها حسني مبارك، وعمل انتخابات الفائز فيها معروف مسبقًا وهو من يرفع شعار الإسلام، فكان نجاح مرسي الإخوان والسلفيين. وهنا خشيت أمريكا من فعل ذلك بالشام لخصوصية الشام وبلاد الشام، ومجاورة يهود في الأراضي المحتلة بفلسطين، فارتبكت ولم تطرح الحل السلمي، بل اضطرت إلى أفكار الصدمة الصاعقة والمميتة، والتي تؤدي بالعدو للاستسلام واليأس، وهذا ما لم يحصل مع ثورة الشام وأهلها، بل أصروا على مطالبهم والوصول للنهاية، فالثمن الذي دفع غالٍ جدًا، فهو دماء الأبناء والآباء ثم الأموال والأعراض، فكان أن ظهرت أفكار كان الناس لا يأبهون كثيرًا لسماعها قبل الثورة، فكان دورها بالصف الأول إبان الثورة، فمن يريد الشهادة لا بد له من فكرة أخروية راقية يستشهد لأجلها، لا أن يستشهد لدنيا يصيبها غيرُهُ من بعده، فكان الفكر بعد أن تحركت الثورة وتجذرت هو المحرك الرئيس عند الغالبية العظمى من الثوار المسلمين حتى لو اختلفت مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم سواء منها الانقلابية التغييرية أم التدريجية.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد نايل حجازات – الأردن
لقراءة الجـزء الأول اضــغـط هــنــا
لقراءة الجـزء الثالث اضــغـط هــنــا