- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
التقدُّم العلمي برفع مكانة التعليم
ضمن حملة القسم النسائي "الشباب المسلم: روّاد التغيير الحقيقي"
حث الإسلام على العلم والتعليم لكل من الرجل والمرأة، فقال رسول الله ﷺ: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». والقرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بالآيات والأحاديث التي تدل على ذلك وعلى أهمية العلم والعلماء. وفي أيام عز المسلمين، كانت الدولة الإسلامية منارة للفن والعلوم، وكانت الدول الأوروبية ترسل أبناءها إليها للدراسة وتحصيل تعليمهم الجامعي.. حتى إنهم كانوا يرسلون أبناء ملوكهم وأمرائهم لنيل أعلى درجات التعليم من الجامعات الإسلامية، كما حصل في الأندلس زمن هشام بن عبد الرحمن أمير الأندلس عندما طلب منه ملك إنجلترا بأن يسمح بقبول بعثة ابنة شقيقه الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز للدراسة في جامعة قرطبة والتي نقتبس منها: "قد سمعنا عن الرّقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان"..
كان هذا أيام ازدهار الثقافة الإسلاميّة الذي لم يكن من فراغ ولم يأتِ من عبث، بل كان وراء ذلك كلّه عدّة أسباب، منها تقدير العلم والتعليم وانتشـاره في العالم الإسـلامي آنذاك نتيجة لما أولاه الإسلام من عناية كبيرة بهما.. وقد أكد الرسول ﷺ ذلك بقولـه: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»..
ولكن هذه الأيام وبغياب هذه الدولة والراعي ننظر حال التعليم في بلادنا الإسلامية، فنجده واقعا مؤلما، وبعد أن كانت الدول الأوروبية ترسل رعاياها إليها للدراسة وتحصيل تعليمهم الجامعي، أصبح المسلمون يقصدون الجامعات الغربية ليتلقوا تعليمهم فيها.. ابتعدنا عن الإسلام فصرنا في ذيل القائمة..
فإن المطَّلع على أحوال التعليم في بلاد المسلمين اليوم ليقف حزيناً أسفاً على ما آلت إليه؛ حيث يتضح قصور التعليم وعجزه عن مواجهة متطلبات عصرنا الحاضر مما وسمه بصفة التخلف العلمي والتقني، ولذلك عوامل كثيرة تتداخل فيه الإشكاليات السياسية والاقتصادية والإنسانية؛ منها أنظمة التعليم ونوعيته وعلمنة مناهجه، ونقص في المدارس والمدرسين، وبُعد المدارس في بعض المناطق بحيث يتكبد الطلاب مشاق الذهاب والإياب خصوصا إن كان مصحوبا بنقص أو انعدام في وسائل المواصلات، وتكاليف الدراسة الباهظة وبطالة الخريجين، وعدم رعاية المبدعين وهجرة العقول، ولا ننسى نظرة الطلاب السلبية للتعليم والمعلم؛ فمن جهة سُرقت طموحات الطلاب مما يدفعهم للتسرب من المدارس لأسباب معظمها اقتصادية، ومن جهة أخرى تفشت ظاهرة عدم احترام التعليم والمعلم، مما كان له أثره في تدهور مكانة العلم والمعلمين، خاصة مع انتشار المحسوبية والواسطات في التعيين والترقيات، وكذلك انعدام الأمن وتعرض الفتيات للتحرش في بعض المناطق.. وكل هذا متداخل ببعضه ويعود إلى قلة رعاية واهتمام الأنظمة والمسؤولين بالتعليم لجعله متدنيا بائسا، لأن التعليم من أهم أساسيات الرقي والتقدم المادي، خاصة إن كانت مبنية على عقيدة الإسلام.. وهذا ما لا تريده تلك الأنظمة ولا أسيادهم..
وحتى ندرك حقيقة ما عليه العالم الإسلامي من "تقدم علمي" فإن علينا أن نعرف وحسب تقرير المعرفة العربي لعام 2014م أن عدد الأميّين في المنطقة العربية بلغ سنة 2012 نحو 51.8 مليون أمي عن سن 15 عاما فما فوق، كان النصيب الأوفر من هؤلاء في صفوف النساء، حيث بلغت نسبة المرأة من عدد الأميين 66 بالمائة. وبحسب ما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" عام 2015 فإن "أكثر من 12 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هم خارج المدرسة أو مهددون بتركها، وأظهر تقرير حكوميّ وجود 24 مليون طفل في باكستان من دون تعليم.." وكذلك لا تحتل اللغة العربية مكانة حقيقية بين اللغات الرئيسة المعتمدة في النشر، إذ إن 95% من النشر العلمي جاء باللغات الإنجليزية ثم الألمانية ثم الروسية، وهناك أكثر من 4000 لغة من بينها العربية تبلغ حصتها من النشر (5%) فقط..
إذا كان التعليم من أهم أسس التقدم، فإن المعلم من أهم أركانه، ولذلك ارتفع الإسلام بمنازل المعلمين، وقدّر جهودهم، وكرم سعيهم، قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الله وملائكته وأهل السَّموات والأرض حتَّى النَّملة في جحرها وحتَّى الحوت ليصلُّون على مُعلِّم النَّاس الخير».. وعلى مدار الأيام كانت العلاقة بين المعلم والمتعلم قائمة على الحب والوفاء والتكريم والتوقير، فالمعلم ميزان الأمة، إن رجحت كفته تقدمت أمته، وإن أضاعته ضاعت معه، وهو والد يؤدِّب بالحسن ويهذِّب بالحكمة والحزم إن لزم، ولكنه حزمُ من يريد الخير لابنه وتلميذه، والمتعلم ابن مطيع بار يرى في إجلاله لأستاذه من مظاهر الأدب وحسن الخلق.. كان الطالب يأتي للتعلم فعلا ويتخلق بأخلاقه وسلوكياته.. فأين نحن من هذا اليوم؟! إن المطّلع على أحوال طلابنا في المدارس والجامعات اليوم ليقف حزيناً أسفا على حدوث تراجع كبير في مكانة المعلم وتقديره وتوقيره واحترامه، ووجود طلاب من السهل عليهم التعدي على أساتذتهم بكلمة نابية وسوء أدب قد يصل إلى التعدي الجسماني!!.. يقف حزينا على أخلاقيات فئة غير قليلة منهم، حيث تظهر عليهم الميوعة وسوء الأخلاق وقلة الأدب في المسلك والمظهر من جهة، ومن الجهة الأخرى ترى ضعفاً علمياً ظاهراً، وعدم اهتمام بتحصيل العلم، وجُلّ اهتمامهم هو في أمور لا تمت للعملية التعليمية بصِلَة.. فأين نحن من قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾، قال ابن الجوزي: أن تعلمني علماً ذا رُشد، وهذه القصة حثت على طلب العلم والمعرفة وكذلك على الأدب والتواضع لمن يعلّم.. ومن الآباء من يشدُّ على يد ابنه في الوقوف بوجه المعلم بدل أن يشترك معه في تأديبه وتعليمه، فأين مثل هؤلاء من هارون الرشيد الذي حكم نصف العالم والذي خاطب الغيمة قائلا: "انطلقي حيث شئت فإن خراجك راجع إليّ"؟ نراه - يوم كان هناك تقدير للتعليم والمعلمين - وقد بعث ابنه إلى الأصمعي ليعلمه العلم والأدب، فرآه يوماً يتوضأ ويغسل رجليه وابن الخليفة يصبُّ الماء، فعاتب الأصمعيَ في ذلك، فقال: "إنما بعثته إليك لتعلمه العلم وتؤدبه، فلماذا لم تأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه ويغسل بالأخرى رجلك؟..!" وأين هم من عبد الملك بن مروان الذي كان قد دفع بولديه لمعلم، فكانا يتسابقان على حمل حذائه، فسأله "من الأمير؟ فقال المعلم: أنت يا أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: بل الأمير من يتسابق أبناء الأمراء على حمل حذائه"!
فمن المؤسف أن هذه الآداب في التعامل مع المعلمين تبدلت بها سلوكيات لا تليق لا بالمعلم ولا بالطالب، أخلاق روجت لها مسرحية "مدرسة المشاغبين" وأشباهها مما تعرضه وسائل الإعلام والفضائيات.. ولا ننسى دور الأنظمة في التقليل من مكانة المعلم ووضعه في المجتمع بجعل وضعه الاقتصادي متردّياً بحيث لا يكفيه راتبه لتغطية تكاليف المعيشة مما يضطره إلى امتهان أعمال لا تناسب وضعه ومكانته كمعلم فتؤثر على نظرة الناس وطلابه له، وتقلل من إقبال الشباب على هذه المهنة الحيوية المهمة.. فلا يلتحق بها المتميزون والمبدعون لأنها تعتبر من المهن المتدنية مجتمعيا وماديا، مع أن الأصل أن تكون في القمة..! حتى إن المعلم لا يستطيع تلبية طلبات أولاده، وتعليمهم الجامعي يثقل كاهله وأحيانا لا يستطيع الإنفاق عليهم لتكميله.
فلو نظرنا إلى تكاليف التعليم في ظل المبدأ الرأسمالي الذي نرزح تحته - والذي تكون الأسرة فيه هي المسئولة عن تعليم أفرادها وليست الدولة - نجد أن التعليم مكلف ومرهق لميزانية الأسر خاصة التعليم الجامعي، مما يجعل البعض يتخلى عن طموحه الجامعي رغم تفوقه لعدم قدرته على تكاليفه، وحتى المنح والبعثات معظمها تكون لغير مستحقيها، كذلك ما يطلق عليها "كليات القمة" غير متاحة وكأنها مقتصرة على ناس معينين! مما يكبت الإبداع ويحُدُّ من عدد العاملين على تطوير العلوم والأبحاث والتقدم العلمي وتأليف الكتب، مع أن الأصل أن يكون المجال مفتوحا أمام الجميع كحق من حقوقهم.. وكذلك نجد بعض الأسر الفقيرة التي لا تملك أن تعلم كل أفراد الأسرة، تفضل تعليم الذكور على الإناث لأنهم هم المسئولون عن الأسرة والإنفاق عليها، وبالتالي يرون أن التعليم ضرورة لهم أكثر من الإناث.. وحتى لمن يتمكنون من تكملة تعليمهم الجامعي فهم يعانون من البطالة وقلة الوظائف والأعمال والتي إن وُجدت فهناك أيضا المحسوبيات والواسطات.. والعائد المادي والحوافز تكون قليلة ولا تتناسب مع عملهم ولا الوضع الاقتصادي ومتطلبات المعيشة الباهظة.. فيصيبهم الإحباط وأحيانا اليأس فيفكرون ويعملون للهجرة والعمل في الخارج.
نعم.. إن من أهم المشكلات التي تعبر عن واقع الأمة في مختلف البلاد الإسلامية، وتُعيق بناء مستقبل أفضل لها هي مشكلة "هجرة الكفاءات"، والتي تنقل العقول والخبرات والمهارات إلى دول الغرب، مما يؤثر في قوة الأمة الإسلامية فكرياً وتربوياً وعلمياً.. فهناك مئات آلاف الطلاب من البلدان الإسلامية يتابعون دراستهم في الغرب لا سيما الخريجين الحاصلين على درجة الدكتوراة ولا يعودون إلى بلادهم حيث الفرص قليلة والأجر منخفض، وكذلك يشعرون بعدم الأمن والعدل في بلادهم، إذ إن المؤسسات الجامعية والبحثية والوظائف يسودها المحسوبية والمركزية والاستبداد، بالإضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي، فحسب إحصائية وردت في الجزيرة نت فإن حجم الإنفاق على البحث العلمي قياسا بالناتج المحلي الإجمالي يقل عن 0.8% في المغرب وتونس، وعن 0.5% في مصر والأردن، وعن 0.2% في السعودية والجزائر والعراق والكويت، بينما تصل النسبة إلى 2.9% في ألمانيا و3.4% في اليابان، وأن العراق (بلد المنصور وابن الهيثم والكندي والمتنبي) لم يعد يعير أي اهتمام للبحوث العلمية، ففي العام 2011 بلغ الإنفاق عليها 55 مليون دولار، أي 0.03% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغ بمصر 1.014 مليار دولار، أي 0.43%. فقضية الهجرة هي قضية سياسية واقتصادية وفردية وعلمية، وليس لنقص في الإمكانات المادية للعالم الإسلامي الغني، فمثلا تنفق الدول العربية سنويا على السلاح أكثر من 600 مليار دولار، بينما لا تنفق على البحث العلمي سنويا سوى حوالي 600 مليون دولار..! وسلَّط تقريرٌ لاقتصاد المعرفة العربي 2015-2016 الضوء كذلك على موضوع براءات الاختراع والحاجة الملحة لزيادة التركيز على دعم مجالات البحث والتطوير وترسيخ ثقافة الإبداع والابتكار، إذ تشير الإحصائيات إلى أن "مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية (USP) قد أصدر 2,339 براءة اختراع فقط في العالم العربي منذ تأسيسه ولغاية نهاية العام 2014، وذلك بالمقارنة مع 300,678 براءة اختراع في العالم في العام 2014 وحده!!.
وبعد هذا كله نتساءل لم يتقدمون ونتأخر نحن؟! هم يستقطبون علماءنا ويحتفون بهم في الوقت الذي تحتفي الحكومات في العالم الإسلامي بحكّامها وإعلامها بالفنانين والراقصين ولا تمنح العلماء والمبدعين أي قدر من الاهتمام أو الاعتناء اللازم! فتُسرق الكفاءات المسلمة وتصبح قوة للدول الكافرة وضعفاً لنا!!
إن كل هذه المشاكل والقضايا لن تحل ولن يعود للعلم والتعليم والمعلم هيبتهم ومكانتهم وقوتهم إلا بوجود الدولة الراعية التي تهتم بنوعية التعليم وتعتبره من المصالح والمرافق الأساسية للرعية، ففيه جلب مصلحة ودفع مضرة؛ لذلك وجب على الدولة أن توفر هذه المصالح بقدر ما يتطلبه معترك الحياة ولا تنتظر أي شيء من الرعية مقابل تعليمها لهم لأنه واجب عليها وتجعل أساسه العقيدة الإسلامية. وتضمن للمعلم مكانة رفيعة.. ويكون التعليم فيها مجانا للجميع ولكل فرد ذكرا كان أم أنثى.. وقد جاء في المادة 178 من مشروع الدستور الذي أعده حزب التحرير: "تعليم ما يلزم للإنسان في معترك الحياة فرضٌ على الدولة أن توفره لكل فرد ذكراً كان أو أنثى في المرحلتين الابتدائية والثانوية، فعليها أن توفر ذلك للجميع مجاناً، وتفسح مجال التعليم العالي مجاناً للجميع بأقصى ما يتيسر من إمكانيات..."، دولة قادرة على احتضان العلماء وتوفير العيش الكريم لهم فيعودوا ليساهموا في تقدمها التكنولوجي والعلمي إن شاء الله.. وكما جاء أيضا في المادة 179 من مشروع الدستور: "تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين الذين يرغبون في مواصلة الأبحاث في شتى المعارف من فقه وأصول فقه وحديث وتفسير، ومن فكر وطب وهندسة وكيمياء، ومن اختراعات واكتشافات وغير ذلك، حتى يوجد في الأمة حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين".. دولة نسأل الله أن يكون قد آن أوانها وأن نعيش في ظلها..
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة (أم صهيب الشامي)
2 تعليقات
-
بوركت أختي الفاضلة
-
ان شاء الله تعود الامة الاسلامية كما كانت وهي خير امة اخرجت للناس