- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في رمضان، ما الذي يحول بين المسلم والتقوى؟
يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وتهيَّأوا للعرض الأكبر". وفي شهر رمضان رُوي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله e: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». وهذان الأثران كافيان لأن يخاف المسلم نفسه، فحين تصفد الشياطين فإنَّه لا عذر لمسلم بالتقاعس فنفسه التي بين جنبيه هي عدوه. لذلك فإن المسلم الفطن يقف أمام نفسه ويحاسبها بالمعايير الدقيقة، كميزان الذهب يزن بالذَّر لأن الذر من الذهب ثمين. وإن أياماً معدودات في شهرٍ يخسر من لم تدركه فيها المغفرة - رغم تفتيح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار - لهي أثمن من الذهب.
فها هنا محاولة لوضع الإصبع على الجرح، لمعرفة ما يحول بيننا وبين أن نكون ممن قال فيهم ربنا: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].
المتتبع لآيات القرآن الكريم، خاصة ما نزل منها في مكة، وإذ إنها تحل مشاكل بشرية وتعالج نفسيات المسلمين الأوائل، نجد أنها تعرضت لكل العقبات التي تحول بيننا كأفراد وبين تقوى الله سبحانه.
فقد حارب الإسلام الكسل وفتور الهمة فقال في سورة الشرح: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ وقال في سورة العصر: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. وحارب الميل للدنيا والانشغال بملذاتها عن ذكر الله، فقال سبحانه: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45].. وحارب المادية والأنانية بقوله: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28] وقوله ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131]
وهكذا فالقرآن لم يترك ثغرة في نفسية المسلم وشخصيته إلا عالجها فهو ﴿شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
إن حال رمضان هذه الأيام حيث غاب الإسلام عن الحياة، وحال المسلمين فيه يلخصه قول الله سبحانه: ﴿وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا﴾ [النساء: 27]. فما يطرأ على المسلمين في هذا الشهر الفضيل من مظاهر البعد عن الله وشريعته، إنما هي أعراض مسبِّبُها أنظمة تحارب الإسلام بكل ما أوتيت من جهد. فإن الأمم كالوعاء إن ملأته فكراً أعطى فكراً، وإن مُلئَ بالسفاسف لم ينضح إلا سفاهة.
أنظمة تفتي فيها راقصة ويظهر فيها داعية للترويج للأطعمة والعطور بتبادل مقصود للأدوار، غايته التقليل من حرمات الله. أليس الله يقول: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]... أنظمة تسخر كل مقدراتها من إعلاميين، "علماء"، مثقفين، ومناهج بل ومنابر الله فضلاً عن القوانين التي تشرعنها لتكريس النظم الغربية. بدءاً بفتاوى طاعة ولي الأمر، والمسلسلات والأفلام التي تكرس الأنانية واتباع الشهوات. وهذه النوعية من المسلسلات قد انتشرت في السنوات الأخيرة، تروج لنمط الحياة الغربية حيث امتلأت بقصص الفحش والزنا، والخروج عن طاعة الأب - الذي يظهر كعديم رحمة يكبت حرية ابنته - وتناول الخمور والمخدرات وتجعل من المجرمين أبطالاً في حبكات درامية وموسيقى تراجيدية تجذب المتابع للتعاطف مع فجورهم رغماً عنه.
فضلاً عن تكريس مفاهيم الوطنية والقومية التي تزرع في المسلم الأنانية وحب الذات والنظرة العنصرية لأخيه المسلم، كما يحصل في لبنان والأردن حيث تمارس العنصرية من الأنظمة بشكل ممنهج ضد مسلمي سوريا.
الدعايات التي تبثها السلطة الفلسطينية في المدارس لأسبوع الطفل المصرفي حيث يتم الترويج للربا بحجة تعويد الأطفال على تجميع المال لتأمين مستقبلهم، لا تشرعن للربا فحسب بل تزرع في أطفالنا النزعة المادية وحب الدنيا.
ولا تستثنى المرأة المسلمة التي ينادون بضرورة مساواتها بالرجل من هذه الحرب، بل هي للمفارقة أشد المتضررين والأوفر حظاً!
ففضلاً عن الصورة النمطية للمرأة العصرية وإعلانات الجمال والموضة وشركات الأزياء، والمطابخ والأثاث... الخ. التي تستهدف المرأة، فقد تعرضت لكم هائل من السموم عبر الإعلام الرسمي وغير الرسمي على السواء، وجمعيات حقوق المرأة، لغسيل دماغ فيما يتعلق بالنجاح وتحقيق الذات. وهو ما تعرض له الرجل وإن كان بشكل أقل.
فصار مقياس النجاح في المجتمع هو ما نشغله من مناصب وما نكسبه من شهادات تقييمها حسب ما نحفظ أي ما نحصل من علامات لا علاقة لها بمنتوجنا الفكري وثروتنا العلمية وإفادتنا للمجتمع. وصار النجاح يقاس بميزان رقمي مبني على ربط قيمة الإنسان بما يمتلك من أموال (عقارات، رصيد بنكي، أحدث هاتف نقال، سيارات...). تقييم تكون المرأة التي ترعى أسرة وتربي جيلاً وتحمل الدعوة لمن حولها وتعلم نساء مجتمعها غير ذات أثر لأنها لم تحصل شهادة موقعة من الدولة ولم تشغل منصباً في مؤسسة رسمية!
نلوم الدولة والنظام ها هنا ونحملها المسؤولية، لكننا لا نعفي أنفسنا، فالنظام الشيطاني لا سلطان له على الذين يتقون ربهم ويعبدونه على بصيرة!
هذا على الجانب الروحي، أما في الجانب السياسي - إن افترضنا صحة الفصل بينهما - فإننا ننظر وتمتلئ قلوبنا غصة ونحن نشاهد جيوش المسلمين متقاعسين عن أداء الفرض الذي يسدون به ثغرهم كما أمرهم رسول الله بوصفهم أهل قوة ومنعة، بنصرة إخواننا المستضعفين.
أجل إن تقوى الله سبحانه واجب متعلق في حق كل مسلم، مهما كان منصبه. وإنه حق واجب وتاج الفروض بحق كل جندي وضابط في أي جيش من جيوش المسلمين أن يعمل لنصرة هذه الدماء المسلمة، أن يعمل لإزالة العروض التي تكبلهم عن إقامة شرع الله المعطل، أن يعملوا لتطبيق شريعة الله في الأرض وتنفيذ مهمة الاستخلاف التي وُجدنا على الأرض لأجلها.
نتيجة لإجرام هذه الأنظمة بحق المسلمين في العالم الإسلامي، حيث غابت تقوى الله عن الحكام جميعاً وتخاذل الكل عن نصرة الأمة، فإن رمضان لم يعد شهر التقوى والفتوحات بل صار شهر المعاصي والمنكرات، شهراً تُذل فيه الأمة من أقصاها إلى أقصاها. وفي الأقصى واستباحة حرماته من يهود أكبر دليل.
تركستان الشرقية وألاسكا يواجه المسلمون فيهما خيار الموت جوعاً في رمضان أو أكل لحم الخنزير. في ألمانيا وفرنسا يتعرض المسلمون لمضايقات وتضييق لصيامهم. وفي مصر تغلق المآذن ويقتل أهل سيناء. في المغرب غلاء أسعار يشغل الناس بلقمة العيش بدل أن يتفرغوا للعبادة.
رمضان يشكو إلى الله تقصير المسلمين وإجرام المتنفذين. وأحسبه لو نطق لقال قولة ابن الصديق المشهورة "اللهم إليك أشكو ضعف الأمين وخيانة القوي".
اللهم فهذا رمضان، وهذه أمتك يستغيثانك ولا مغيث سواك. اللهم آت نفوسنا تقواها أنت خير من زكَّاها، اللهم نصراً نكون شهوده وجنوده يعز به الإسلام وأهله ويذل به الكفر وأهله. يا خير من سُئل وأكرم من أجاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بيان جمال