الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

النهوض بالمرأة في "الحضارة الغربية"؛ زيف وكذب وبهتان

 

ذكر أستاذ قانون الأسرة، السويسري غاستون جز، الذي زار الجمهورية التركية بعد هدم الخلافة العثمانية بأن الانسجام بين المعتقدات الدينية في هذه الأرض، آخر معاقل الدولة المجيدة التي تُحكم بنظام من عند الله سبحانه وتعالى، قد "أنجبت أقوى دفء أُسري في العالم، وهذا الكيان أسس لحياة عامة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أي دولة".

 

إن الغرب يدرك جيدا بأن الخير الذي عاشته أمة الإسلام مصدره الخير الذي يحمله نظام الإسلام، ويدرك أيضا أنه إن أراد الإطاحة بأمة كأمة الإسلام فعليه أن يعمل على تغييب أحكام الإسلام من حياتها وأذهانها، فبتغييب هذا النظام تموت الأمة ويتمكن منها الغرب وينهب ثرواتها. ولضمان استمرار هذا النهب وحتى ينشغل المسلمون بأنفسهم ويغيب عنهم إصلاح ما فسد داخل كيان أمتهم، كان العمل على إفساد المرأة بالأساس، ليفسد بفسادها الرجل والمجتمع كله.

 

كانت قضية المرأة إذن من القضايا التي يعتمدها الغرب في نشر حضارته ومفاهيمه خاصةً في العالم الإسلامي فوضعوا الأهداف ورسموا الخطط في سبيل فرض النموذج الغربي الديمقراطي العلماني. فعمل الغرب على اجتثاث أحكام الإسلام من حياة المسلمين وخاصة في ما يتعلق بالنظام الاجتماعي من خلال برامجهم ومشاريعهم التي تنادي بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل وتشويه القوانين الربانية في نظر المسلمين جميعا، وأشغلوا المرأة المسلمة بقضايا أوهموها أنها مفصلية وجوهرية لرفع الظلم عنها، بعد أن صوروا لها بأن هذا الظلم آت من أحكام الإسلام بمقارنتها بالمرأة الغربية المتحررة والعاملة.

 

اتخذت منظماتهم في الحديث على قضايا المرأة في شتى بلاد المسلمين الأسطوانة المشروخة نفسها: مساواة مع الرجل في الراتب، الاستقلالية، التمكين، ضد التمييز، العنف ضد المرأة، الميراث، وتكريس مفهوم الحرية الذي كان وما زال الوباء الأساسي الذي تمكن من المرأة المسلمة لتغيير وجهة نظرها من العمل لمرضاة الله إلى العمل على التمكين وتحقيق الذات، ليصبح التزام المرأة بأحكام الإسلام المختلفة "خياراً" يندرج تحت بند "الحرية الشخصية"! وفي ذلك خطر كبير، فهي أفكار مدمرة، لأنها في الظاهر ترويج لما يسمى بـ"قضايا المرأة المهمة" لكن المراد منها هو اجتثاث المرأة والمجتمع من هويته الإسلامية.

 

ومن ثمار هذا العمل الذي قامت به المنظمات النسوية والإعلام والتعليم، والكل يخدم أهداف النظام الرأسمالي، تشويه وخلع الزي الشرعي للمرأة، وخلع يد المرأة من طاعة ولي أمرها، وتتفيه دور الأم في تربية الأبناء، والترويج للسطحية بجعل جُل اهتمامات المرأة بالمظهر الخارجي دون جوهر الاهتمام بالعقل والتقدم بالعلم والتعلم، وأهم الأهداف هو إخراج المرأة إلى سوق العمل لتنخرط في المنظومة الاقتصادية الرأسمالية.

 

ولتحقيق هذا الهدف كثف الغرب ومنظماته الجهود والنشاط، ولعل آخر ما قام به، تلك الندوة التي عقدتها وزيرة المرأة التونسية نزيهة العبيدي في شباط/فبراير 2019 بجامعة السوربون في فرنسا بمناسبة الاحتفال بتونس عاصمة للمرأة العربية 2018-2019، وكان التركيز خلالها على مفهوم التمكين الاقتصادي للمرأة، هذه آخر الحملات وليست الأخيرة للمزيد من الترويج للمفاهيم الغربية والارتهان للغرب فهو الملهم والقائد والموجه لذلك تقام الاحتفالات العربية في الديار الغربية!!

 

لقد أصبحت صورة الشخصية الناجحة للمرأة هي المرأة الناجحة في مهنتها، والمستقلة من الناحية المالية والمهنية مقابل تجاهل دورها الأساسي في الاسلام بأنها أم وربت بيت، فعملت هذه الحملات والمنظمات على تقديم الأرباح المادية والمكاسب النقدية على الأمومة ورعاية الأسرة.

 

لم يكن دخول المرأة إلى سوق العمل والتنازل عن دورها الطبيعي كأم بتأثير هذه المفاهيم واستغلال لغة النسوية فقط، بل إن الفقر ورداءة العيش الذي تسببت فيه سياسة هذا النظام وقوانينه الاقتصادية له دور أساسي في خروج المرأة للشقاء لأنه امتهان للمرأة وليس عملا.

 

إن تأثير كل هذه المفاهيم كان وخيما جدا على المرأة بصفة خاصة وعلى المجتمع بصفة عامة، فنشاهد جراءه الانحلال داخل هذا النسيج المجتمعي نتيجة لغرائز الإنسان التي لم تنظم ولم تقيد، فحسب وجهة نظر النظام الرأسمالي كل عمل حكمه الإباحة ما دام لم يتعد على الغير وللإنسان الحرية المطلقة وبدون قيود، فنجد وحسب مصادر رسمية من وزارة العدل بتونس 1050 حالة اغتصاب سنويا أي بمعدل 3 حالات يوميا، ويتراوح عدد الولادات خارج إطار الزواج بين 1200 و1500 ولادة سنويا أي بمعدل 3 أو 4 حالات يوميا، وبلغ عدد حالات الإجهاض 17 ألف حالة سنويا. أدى تفكك القيم الأخلاقية والثقافية الإسلامية إلى تشجيع الخلافات والعنف في الحياة الزوجية. حيث تبين المؤشرات الإحصائية الرسمية القضائية للسنوات الخمس من 2008 إلى 2013 أن عدد الشكاوى الواردة على النيابة العمومية في مجال العنف الزوجي 28910 حالة. كما أن ضيق الحال وضنك العيش والفقر الذي هو أساس النظام الرأسمالي كان سببا في عزوف الشباب عن الزواج وعزوف الشابات عن الزواج نتيجة تمكين المرأة ومفهوم استقلاليتها من الناحية المالية، مما أدى إلى ارتفاع عدد العازبات عام 2013 إلى أكثر من مليونين وربع المليون شابة من أصل نحو 4 ملايين و900 ألف أنثى في البلاد، مقابل نحو 990 ألف عازبة عام 1994. ومن مؤشرات الفقر كذلك خروج المرأة لطلب الرزق مع إهمال الأبناء الذي أدى إلى مشاكل لا حل لها في ظل النظام الرأسمالي. ففي دراسة أجرتها منظمة العمل العربية على 13 مدينة عربية اتضح أن نسبة عمل المرأة في الاقتصاد غير المهني في تونس هي 56 في المائة، وبينت الدراسة أن أهم المجالات هي بيع الحلوى والسجائر والمناديل الورقية في وسائل المواصلات، وأكدت هذه الدراسة أن 80 بالمائة من النساء في هذا القطاع متزوجات، مما يدل على أن توفير نفقات الأسرة هو الدافع الوحيد للعمل. إن هذا الواقع كان له تأثير كبير في ارتفاع معدلات الطلاق، ففي عام 2017 بلغت حالات الطلاق في تونس 1248 شهريا ما يعادل 41 حالة يوميا، والذي بدوره له علاقة كبيرة في الزيادة في معدل جرائم الأطفال، وإدمان الخمور والمخدرات، والفشل في المدارس والرسوب والتسرب علاوة عن المشاكل النفسية والانتحار التي بلغت في تونس سنة 2015، 148 حالة، بينما كانت 40 حالة سنة 2014.

 

إن هذه المعاناة لا تنحصر في تونس أو العالم العربي فقط، فقد أكد موقع الأمم المتحدة للمرأة في كانون الثاني/يناير 2018 أن 1 من 3 نساء في العالم تتعرض لعنف جسدي أو جنسي على الأقل لمرة في حياتهن. وتعرضت 200 مليون فتاة حول العالم قبل بلوغهن سن الخامسة لتشويه للأعضاء التناسلية أو الختان. وتعرضت 30% من النساء لعنف من أزواجهن، وتشكل النساء نسبة 70% من ضحايا الاتجار بالبشر... ويشير موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن نسبة العنف ضد النساء بلغت في بعض البلدان نحو 70%، كما يؤكد أن 37% من النساء في العالم العربي تعرضن لعنف جسدي أو جنسي لمرة واحدة في حياتهن على الأقل.

 

إن ما تعانيه المرأة بصفة خاصة والعالم بصفة عامة من فقر وجوع واستعمار وغزو اقتصادي بل وأزمات اقتصادية متتالية إنما هو نتيجة توحش النظام الرأسمالي وتجميع ثروات العالم في أيدي حفنة قليلة من رؤوس الأموال ليزيدوا مناطق نفوذهم، وكل ذلك نتيجة حتمية لسوء القواعد التي نص عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي.

 

فهل من سبيل للتخلص من كل هذه المعاناة؟

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فاتن الشعري

 

وسائط

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الأحد، 10 آذار/مارس 2019م 00:31 تعليق

    لا فض فوك ولا جف قلمك أختنا الكريمة

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع