- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف ستوجد الخلافة وحدات عائلية قوية؟
(مترجمة)
-
كانت قوة وانسجام الأسرة المسلمة ذات يوم سمة مميزة لهذه الأمة الإسلامية. فقد صرح جاستون جز أستاذ قانون الأسرة السويسري الذي زار الجمهورية التركية بعد هدم الخلافة العثمانية، أن "انسجام المعتقدات الدينية في هذه الأرض، ولدت أقوى موقد عائلي في العالم، وأسس هذا الكيان حياة عامة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أي دولة".
-
ومع ذلك، نعاني اليوم من أزمة تؤثر على وحدة الأسرة المسلمة بسبب بيئة القيم والقوانين غير الإسلامية التي تحيط بنا وبمجتمعاتنا في ظل الأنظمة غير الإسلامية التي تحكمنا ونعيش في ظلها حالياً. لقد أدت هذه الأنظمة إلى تآكل الزواج بشكل منهجي وتفكيك الأمومة وأدت إلى تفكك وحدة الأسرة من خلال قوانينها وسياساتها الضارة.
-
لذلك يتطلب إنشاء وحدات أسرية قوية تغييراً جذرياً فوريا للأنظمة السياسية في بلادنا، وتغييراً شاملاً للأسس والقيم والقوانين داخل مجتمعاتنا، من خلال إقامة دولة تقدر حقاً الأهمية الحيوية لحماية قداسة الزواج، والارتقاء بمكانة الأمومة وخلق وحماية وحدات الأسرة الصحية. يجب أن يظهر هذا من خلال مبادئها وقوانينها وأنظمتها التي ستحقق عملياً هذه الرؤية النبيلة في الواقع. لا يمكن تحقيق هذه الرؤية العظيمة إلا من خلال دولة مبنية على العقيدة الإسلامية، تطبق بشكل شامل جميع أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن الله وحده هو العليم الحكيم الذي يعرف أفضل طريقة لتنظيم شؤون الرجال والنساء وحقوقهم وواجباتهم بطريقة تحقق السعادة والنجاح لوحدة الأسرة وجميع أفرادها. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51]
-
هذه الدولة المبنية على الإسلام وتطبق جميع معتقداته وقيمه وقوانينه هي دولة الخلافة على منهاج النبوة. ستحول هذه القيادة الإسلامية المبادئ والقوانين الإسلامية والأسرية النبيلة والسامية من مجموعة من الواحبات والقواعد التي يتبعها عدد قليل من المسلمين الأتقياء، إلى مجموعة من القيم واللوائح لتصبح قاعدة المجتمع بأسره، والمتبناة بين عامة الناس، والقانون الذي يعيش به الأفراد حياتهم اليومية. ويتحقق ذلك من خلال مؤسساتها وأنظمتها التي ترعى وتنفذ وتشجع وتحمي قيم الأسرة المسلمة وأنظمتها داخل المجتمع.
-
إن الخلافة المبنية على الإسلام فقط، ستنمي التقوى داخل المجتمع بأسره بدلاً من السعي وراء نزوات ورغبات فردية ضارة كما تروج لها الحريات الليبرالية والمساواة بين الجنسين. التقوى هي خط الدفاع الأمامي والمكون الأكثر حيوية لرعاية وحماية وحدات الأسرة القوية لأنها القوة الدافعة النهائية لاتخاذ إجراءات الصحيحة، والوفاء بفروض الله سبحانه وتعالى، وطاعة حدوده وأحكامه.
التقوى تدفع الفرد للتعامل مع الجنس الآخر بحياء؛ والالتزام بجميع القوانين الاجتماعية في لقائهم معهم سواء في الحياة العامة أو الخاصة أو عبر الإنترنت؛ وتدفعهم لطلب الزواج لحماية عفتهم؛ والابتعاد عن أي عمل أو موقف يقترب حتى من الحرام من أجل حراسة شرفهم. هذا هو الذي يقلل من العلاقات خارج إطار الزواج داخل المجتمع. كما أن التقوى هي التي تحفز الفرد على البحث عن زوج على أساس الدين والسلوك الصالح لجعل الزواج رباط صحبة. والتقوى هي العروة التي تربط الأسرة الناجحة ببعضها بعضا لأنها تدفع كل فرد إلى أداء واجباته وحقوق الآخرين بالصبر والعناية والرحمة والتعاون على البر والتقوى، وتجاهل الأنانية والفردية والعمل بدلاً من ذلك على ما هو الأفضل لحياتهم الزوجية والعائلية. وهذا يشمل القيام بكل ما هو ضروري لتحقيق السكينة في الزواج وتجنب الطلاق. لذلك، فإنها تلهم الرجل أن يعامل زوجه معاملة حسنة، ويعمل بجد ليوفر لأسرته ويقوم بدوره كوصي مع الحب والرعاية واللطف والرحمة بدلاً من الخوف والعنف. وتلهم المرأة لطاعة زوجها، والوفاء بواجباتها المنزلية وبذل قدر كبير من الاهتمام والوقت في تربية أطفالها. كما أنها تلهم الشباب على احترام والديهم وكبار السن وطاعتهم ورعايتهم... مما يخلق حياة أسرية متناغمة جميلة.
تقوم الخلافة برعاية التقوى داخل المجتمع، من خلال تطبيقها التام للإسلام. على سبيل المثال، سوف يغرس نظام التعليم في دولة الخلافة الأخلاق الصحيحة وفهم القواعد والواجبات الاجتماعية الإسلامية لدى رعاياها، بحيث يلتزم المجتمع ككل بالشريعة من خلال الاقتناع والمحبة لقوانينها ويرفض السلوك الفاسد في جميع أشكاله. إن تطبيق الأحكام الإسلامية من الأنظمة السياسية والقضائية في الخلافة سيعاقب الذين ينتهكون حدود الإسلام. وسياسة الخلافة الإعلامية، ستدعم مصالح الإسلام، بما في ذلك مواجهة أي أفكار فاسدة ونشر كل ما هو خير. سيتم استخدام الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام على الإنترنت والمؤتمرات وغيرها من الوسائل لتحقيق هذا الهدف.
تقوم الخلافة بتنظيم المجتمع بناءً على النظرة الصحيحة للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تحقق التعاون بين الجنسين مع حماية وحدة الأسرة. من خلال نظامها التعليمي ووسائل الإعلام والتنفيذ والتطبيق الشامل لقيم وأحكام النظام الاجتماعي الإسلامي، ستوجه الخلافة وجهة نظر المجتمع نحو العلاقة بين الرجل والمرأة بعيداً عن الهوس بالجانب الجنسي والمتعة لما يتماشى مع الغرض الحقيقي من غريزة النوع وما به إفادة للمجتمع وهو الزواج والإنجاب. هذا بالإضافة إلى تعزيز رؤية المرأة كعرض وأهمية الحياء والعفة. وبالتالي، فإنه يحظر ممارسة الجنسانية المدمرة للمرأة أو المجتمع أو الترويج لأي علاقة غير أخلاقية سواء في الإعلانات أو وسائل الإعلام أو في الثقافة أو الإنترنت. إلى جانب ذلك، فإن الخلافة تتبنى الخمار والجلباب كلباس للمرأة في الحياة العامة - سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة وتحظر كشف عورتها أو جمالها في الحياة العامة، مما يساعد على الحفاظ على علاقة نقية بين الرجال والنساء وحماية العفة الخاصة بهم.
ستنهي الدولة أيضاً الاختلاط الحر وخلوة الرجال والنساء التي تجري حالياً في المدارس والكليات والجامعات والحانات والنوادي وغيرها من الأماكن وكذلك المنازل والتي تؤدي غالباً إلى علاقات خارج نطاق الزواج وتطبيق الفصل بين الرجال والنساء قدر الإمكان في الحياة العامة - سواء في مؤسساتها التعليمية أو نظام النقل أو أماكن العمل أو المستشفيات أو غيرها من المواقع.
"الأصل أن ينفصل الرجال عن النساء ولا يجتمعون إلا لحـاجـة يـقـرهـا الشـرع، ويـقـر الاجـتـمـاع من أجلها كالحج والبيع." (المادة 113، مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير)
"تمـنـع الخـلـوة بـغـير محـرم، ويمـنـع التـبرج وكـشـف العورة أمام الأجانب." (المادة 118، مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير)
إلى جانب ذلك، فإن الخلافة ستشجع وتدعم الزواج بشدة، مادياً إذا لزم الأمر. على سبيل المثال، أمر لخليفة عمر بن عبد العزيز في القرن الثامن الميلادي بمنح أموال الدولة لمن يحتاجها للزواج. علاوة على ذلك، فقد فرض الإسلام عقوبات صارمة على الزنا وهو ما يعكس الجدية التي ينظر بها الإسلام إلى صون الزواج والوحدة الأسرية.
ستدعم أنظمة الخلافة الوفاء بالأدوار الزوجية والأسرية الإسلامية، وواجبات وحقوق الرجال والنساء في تحقيق السكينة في الزواج والانسجام في الحياة الأسرية. سيقوم نظامها التعليمي ووسائل الإعلام ببناء فهم واضح بين شبابها ورعاياها لأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمسؤوليات المتميزة للأجناس داخل الحياة الأسرية. على سبيل المثال، في الدروس حول الفقه الإسلامي في مناهجها التعليمية، ستقوم الدولة برعاية النظرة الصحيحة لواجبات الرجل وصفاته بصفته الوصي على الأسرة الذي يجب أن يتسم بالرحمة والعطف والرعاية على زوجته وأطفاله. سوف تبني هذه الدروس أيضاً فهماً لأهمية ومسؤوليات المرأة في دورها الأساسي كأمهات وزوجات وكذلك مساهمات حيوية في تقدم ورفاهية مجتمعهم. بالإضافة إلى ذلك، في مرحلة التعليم الثانوي، فإن الطالبات بالإضافة إلى دراسة المواد عامة مثل الثقافة الإسلامية والرياضيات والعلوم، سيتم إعطاؤهن خيار الحصول على خيار محلي يمكّنهن من التخصص في المجالات المرتبطة بالطفل ورعاية وإدارة الحياة المنزلية.
لن تقوم الخلافة بتثقيف رعاياها بالقواعد المتعلقة بالحياة الأسرية فقط، بل ستدعمهم عملياً في أداء أدوارهم وواجباتهم. على سبيل المثال، تنص المادة 153 من مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير، على "تضمن الدولة إيجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية". ويستند هذا الالتزام من الخلافة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم «وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وبالتالي، ستدعم الخلافة كل إنسان للوفاء بالتزامه بالتوفير لعائلته، بما في ذلك توفير الأموال لعائلته، التبرع بالأرض للزراعة، وتنظيم التدريب لأولئك الذين يحتاجون إليه للعمل، وتمكينهم من كسب لقمة العيش. كل هذا يتحقق بسبب الطبيعة السليمة للنظام الاقتصادي الإسلامي الذي يولد اقتصاداً مزدهراً.
وبالمثل، فإن الخلافة ستمكّن النساء من أداء دورهن الأساسي كأمهات من خلال ضمان الحفاظ عليهن مالياً دائماً وعدم إجبارهن مطلقاً على التنازل عن واجباتهن الحيوية تجاه أطفالهن بسبب الضغط الاقتصادي للحصول على عمل. ومن ثم، فإن محاكم الخلافة تدعم أي امرأة يفشل زوجها في الإنفاق عليها وعلى أطفالها، مما يجبره على الوفاء بهذا الواجب وفقاً لقدرته أو مواجهة العقوبة إذا رفض. على سبيل المثال، تصف كتابات من كتب القانون للعلماء المسلمين خلال الخلافة العباسية كيف تقدم النساء الشكاوى للقضاة ضد الأزواج الذين لا يوفرون لهم ما يكفي من الرعاية وكيف يمكن للقاضي فرض الدفع. في الحالة التي يكون فيها زوج المرأة فقيراً أو ليس لديها أقرباء ذكور لإعطائها، فإن من واجب الخلافة أن تفعل ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأِهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» (رواه مسلم). كل هذا سيضمن أيضاً عدم تعرض الأفراد للضغوط للحد من حجم أسرهم خشية الفقر. وبدلاً من ذلك، ستشجع الخلافة العائلات على إنجاب الكثير من الأطفال مع العلم بأنها ستدعمهم دائماً.
"ميزة جميلة في شخصية الأتراك هي تقديسهم واحترامهم لسبب وجودهم... الأم فهي المشاور الحكيم؛ تتم استشارتها، ويوثق بها، ويستمع إليها باحترام وتكريم، ويتم تكريمها لساعتها الأخيرة، وتذكر بحنان وأسف وهي في القبر". (جولي باردو، مؤرخة ورحالة بريطانية من القرن التاسع عشر، تتعلق بوضع الأم في عهد الخلافة العثمانية في كتابها "مدينة السلطان والآداب الداخلية للأتراك في عام 1836").
إلى جانب كل هذا، سيلعب النظام القضائي في الخلافة دوراً مهماً في الحفاظ على وحدة ووئام الحياة الزوجية والعائلية. سيكون له نهج عدم التسامح مطلقا مع العنف المنزلي، ومعاقبة مرتكبيه بشدة. سوف يقف كحارس ضد الزواج القسري ويتعامل بحزم مع أي ممارسات وآراء تقليدية غير إسلامية أخرى تضر بوحدة الأسرة. وسيكون بمثابة حكم مهم لحل النزاعات الزوجية والأسرية بشكل فعال وسريع لمنع المشاكل من التفاقم - من خلال ضمان الوصول إلى عدالة سريعة وغير جائرة ومجانية.
-
ستكون الخلافة بمثابة الحصن الحقيقي للأسرة، وتقويتها وحمايتها من جميع الجوانب. هذا هو السبب في قول العالم الشهير الإمام الغزالي: "الدين والسلطان توأمان، ولهذا قيل الدين أس والسلطان حارس، فما لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع".
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
1 تعليق
-
ستكون الخلافة بمثابة الحصن الحقيقي للأسرة، وتقويتها وحمايتها من جميع الجوانب
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾