- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(حرام علينا لو دم الشهيد راح)
لم ينس الناس في السودان الأحداث الدموية التي وقعت في يوم فض الاعتصام بالقوة بساحة القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم في يوم 29 رمضان 1440هـ، الموافق 3 حزيران/يونيو 2019م، لتتوالى جرائم قوات الدعم السريع الإرهابية بقيادة محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي وآخرها مجزرة الأُبيض التي ارتكبت في يوم الاثنين 2019/7/29 حيث قتلوا 9 تلاميذ مدارس ثانوية وأصابوا العشرات بعد خروجهم للاحتجاج على الأوضاع، لا تزيد أعمارهم عن الخامسة أو السادسة عشرة، وفي الوقت ذاته تستمر المفاوضات على الاتفاق المزمع بين قوى الحرية والتغيير (قحت) وتجمع المهنيين العلمانيين والمجلس العسكري الانتقالي على تفاصيل الحكومة الانتقالية المدنية، بحث من أمريكا في كل مرة تحصل فيها مجزرة فظيعة لاستفزاز الشارع للضغط على التجمع وقحت للتنازل عن شروطهم وعن مطالب الثورة.. وقد فعلوا..
وذلك الاتفاق ذا طابع علماني ويُنفَذ ضمن مخطط خطير على يد أعداء المسلمين وعملاء أمريكا وبريطانيا في صراعهم المستمر للسيطرة على السودان بالاتفاق مع رموز السلطة الجديدة القديمة والمعارضة، ولا عجب فالهدف من الاتفاق علمنة السودان وتحويل مساره إلى المسار الديمقراطي المزمع بعد أن كان تياره إسلامياً كما يدعون. هذا المصطلح الذي يتكرر بمبالغة واضحة في جميع نشرات الأخبار وعلى لسان السياسيين في تصريحاتهم في بلاد عدة من بلاد المسلمين. وبسرعة تتم علمنة البلاد، وبينما سقطت "العلمانية الملتحية" ظهر وحش آخر في ثياب المدنية - وجه العلمانية الآخر - وبينما انفضح من استغلوا الإسلام وخدعوا الناس وضللوهم حل محلهم من لا يريدون للإسلام أبداً أن يصل للحكم بحجة كره الناس للإسلاميين الذين حكموا لثلاثين عاما وفشلوا، والجميع يعلم أن السودان لم يكن يوماً نموذجاً حقيقياً لتطبيق الشريعة على أرض الواقع...
وقوات الدعم السريع تقتل وتبطش وتنتهك الحرمات بدم بارد ليرتقي الشهيد تلو الشهيد، تقتل شباباً وفتيات في العقد الثاني والثالث من العمر، صاموا وصلوا وقاموا شهر رمضان بساحة القيادة وعملوا للتغيير على واقع السودان الفاسد ودفعوا أرواحهم ثمن ذلك وسُفكت الدماء الطاهرة لتشهد السودان وليشهد تاريخ المسلمين مجازر أخرى في بلد طيب أهله يحبون الإسلام ولا يقبلون بالعلمانية السافرة فزينوها لهم كأنها الحل الوحيد للأزمة والحل الوحيد لحقن الدماء، إلا أن هذه الكذبة مكشوفة فقوات الدعم السريع آلات قتل ممنهج تستهدف من الشباب الثائر من كان ذا كفاءة عالية ليقتلوه بدم بارد؛ قتلوا المعلمين والمهندسين والأطباء، وألحقوا الأذى بالأبرياء العُزل الذين خرجوا ضد الظلم وضد الفساد وخرجوا ضد من تاجر بدينهم وأرادوا البناء والتعمير واستعادة ثروات بلادهم المنهوبة والنهضة والارتقاء بالسودان من جديد.
وقد بقي الكثير من الضحايا مفقودين لا يعلم أحد عنهم شيئاً، فهذا يبحث عن صديقه وهذه تبحث عن أخيها وأمهات لا يعلمن إن استشهد فلذات أكبادهن أم لا، فإن لم يجدوا صورته بين الصور في المشرحة استبشروا خيراً، لعله هرب يوم فض الاعتصام أو لعله اعتقل وعُذِب في سجون السلطة ثم تُرك أو لا يزال معتقلاً. فحال السودان بين قتل وضغط ومجازر وبين تعليق المفاوضات واستئنافها للتأثير على سير المفاوضات من جانب الطرفين، فالمواقف تتغير في هذا النظام العلماني الرأسمالي بحسب المصالح والمكاسب السياسية ويشعر الجميع أن الثورة قد سُرقت والبلاد تُحكم بالحديد والنار وعدد الشهداء في تصاعد مستمر.
فهل أُريقت دماء خيرة الشباب حتى يصل هؤلاء المجرمون للحكم؟!
وما ترك الثائرون شهيداً إلا أصبح علماً بارزا للثورة؛ حتى إنهم غيروا بعض أسماء الشوارع بأسماء الشهداء فهذا شارع الشهيد المهندس البطل محمد هاشم مطر (26 عاماَ) والذي قتلته قوات الدعم السريع في مجزرة 29 رمضان برصاصة في رأسه بعد ضربه ضرباً مبرحاً لأنه كان يحمي المعتصمات من القوات فهم لن يتوانوا عن انتهاك الأعراض واغتصاب النساء والرجال لكسر إرادة الثوار والشعب!
واشتهر الشهيد محمد مطر بكلماته المؤثرة قبل أيام من استشهاده فقال: (حرام علينا لو دم الشهيد راح)، وأطلق باستشهاده حملة عالمية واسعة على هاشتاج #BlueForSudan تابعها جميع أهل السودان في الداخل والخارج وتابعها العالم على وسائل الإعلام لتذكير الناس بالشهداء وطيبتهم وآمالهم الغضة الكبيرة لبناء "وطنهم" والعمل على تقدمه وتطوره ونهضته بعد نجاح ثورتهم بانتزاع مقدرات الدولة واسترجاعها من قبضة النظام الظالم ومن قبضة العساكر وتنصيب أصحاب الكفاءات من المدنيين للنهضة بالبلاد نهضة اقتصادية.. إلا أن هذه الآمال قد دُمرت، وسُرقت ثورة قوية ولتقع مسؤولية دم الشهيد على الجميع.. فكيف نحافظ على دماء الشهداء من الضياع؟ وتبقى قضية الشهداء قضية معلقة، فمن الذي سينتقم لهم ومن الذي سيقتص من قاتليهم إن كان من يتفاوض على الحكم اليوم إما أنه امتداد للنظام السابق أو ممن يحمل أفكاراً تهاجم صميم معنى الشهادة في الإسلام؟ فهل العلماني والشيوعي ومن يقوم بتشويه الإسلام ويتاجر بالدين ويخدم مصالح الاستعمار الغربي الكافر في المنطقة ويحارب تطبيق شرع الله في بلاد المسلمين؛ هل سيحافظ على دماء الشهداء التي استغلها لمصلحته ويُصر على تطبيق نظام علماني رأسمالي قوانينه وضعية ودساتيره من مخلفات الاستعمار؟! بمعنى هل سيعمل هؤلاء على تغيير النظام بالكامل إلى نظام عادل وأفضل من النظام السابق؟ وهل سيضمن النظام الحقوق ويضمن رعاية شؤون الناس وتحقيق أحلام الثوار فلا تضيع الجهود؟ أم هدفهم تقسيم السلطة ليعود الظلم والفساد مرة أخرى؟
فالنظام الغربي المدني ليس نظاما مختلفاً عن حكم العسكر، وكلاهما أنظمة تخالف شرع الله تعالى الذي لم يُطبق بالطريقة الصحيحة كما وُصفت في القرآن والسنة؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، ولم يكن للأمة الإسلامية دولة شرعية بعد أن سقطت خلافة المسلمين الأولى في سنة 1924م، فالإسلام لم يحكم في بلاد المسلمين منذ قرابة المئة عام...
ويعلم السياسيون أن المسلمين يحبون الشهادة فيلعبون على هذا الوتر لتمرير أجنداتهم ولتحقيق أهدافهم ومصالحهم السياسية والسلطوية، فالمسلم يطمع في جنة عرضها السماوات والأرض، ولقد خرج أبناء الأمة لرفع أصواتهم بكلمة حق أمام سلطان جائر فقتلوهم، وقُتلوا دون عِرضهم وعِرض الأمة الإسلامية ودون أموالهم وأموال المسلمين ودون أراضي المسلمين لتتحول تضحياتهم إلى "شهداء الوطن" و"شهداء الحرية"، وأمعن قادة الحراك في تضليل الثوار المعتصمين وتوعيتهم بالأفكار العلمانية تماشياً مع أهدافهم وتعمدوا إقصاء الإسلام عقيدة ونظاما للمضي قدماً في الاتفاق واستغلوا عدم إحاطة شباب المسلمين بالثقافة الإسلامية من فقه وأحكام شرعية حول نظام الحكم واختيار الحاكم وكيفية سنّ القوانين وصياغة الدساتير في الإسلام، واستغلوا دماءهم ولا يزالون كورقة ضغط على الشارع لقبول الاتفاق القذر، فالدعوات إلى الدولة المدنية والحرية والسلام والعدالة والمسار الديمقراطي في مفهومهم هي إبعاد الإسلام عن الحكم وتثبيت فصل الدين عن الدولة وترسيخ شعار "حرية وسلام وعدالة" بمفهوم النظام الغربي الاستعماري الكافر (الفاشل في بلادهم)، فلعلنا لا نبالغ إن قلنا إن الأطراف قد اتفقت على ضرب المسلمين في صميم عقيدتهم وإقصاء تطبيق الإسلام في نظام الحكم فلم يكن يوماً قادة الحراك معنيين بتحقيق مطالب الثوار وكان شعار "حنبنيهو" الذي رفعه الثوار شعاراً صادقاً وكانت دعوة الثوار لإقامة دولة مدنية ليس لتطبيق أحكام الكفر وليس لإقصاء أحكام الإسلام عن حياتهم دوناً عن العلمانية لاقتناع عقائدي حضاري عندهم بفكرة فصل الدين عن الحياة وعن السياسة، بل كان فهمهم أن الحكومة المدنية هي عكس الحكومة العسكرية تتكون من أفراد عاديين لا يعملون لحساب الجيش، وأن المدنية بالنسبة لهم هي التقدم والتطور بالتكنولوجيا والنهضة بالعلم وبمستوى الخدمات في السودان، وليس وجهة نظرهم في الحياة، فالذين خرجوا فعلياً للتغيير صاموا وصلوا في القيادة ونظفوا الشوارع وسهروا في الميادين وكانوا يجهِزون لأضخم صلاة عيد الفطر ستشهدها البلاد يتوحد فيها كل المسلمين بمختلف آرائهم وأحزابهم، فهم يعلمون أن الملجأ الوحيد لهم هو الله وأن ناصرهم فقط هو الله، لكنهم لم يعوا أن طريقة التغيير الوحيدة لن تكون بالاتفاق مع القتلة الخونة بل تكون فقط على طريقة رسول الله e وبالرجوع للإسلام والمطالبة بتطبيقه تطبيقاً صحيحاً نقياً بأيادٍ لم تستغل دماء الشهداء لتحقيق مكاسب سياسية وسلطوية ولم تشارك في اتفاقيات خيانية لا قبل السقوط ولا بعده، وتضع الدستور الرباني الذي مصدره القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بين يدي الناس ليُطبق شرع الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وبه تنهض البلاد نهضة فكرية واعية على عقيدة الإسلام وأنظمته جاهزة للتطبيق الفوري! وهكذا تحفظ دماء الشهداء وتكتمل صورة الثورة ويكتمل مفهوم الشهادة بالموت في سبيل الله والنصر بإذن الله تعالى... فالتغيير تغيير انقلابي جذري جديد وأصيل جربته البشرية من قبل ونجح في إحقاق العدل والتحرر من العبودية للبشر وعمَّ الأمن والأمان العالم ولم يكن هناك فقر أو جهل وأمراض وهجرة ولجوء ولن تكون نتيجته إلا النجاح والفلاح في الدنيا وفي الآخرة.
وهناك حزب التحرير الذي يعمل لتطبيق شرع الله ورسوله عليه الصلاة والسلام على طريقة رسول الله e، وحزب التحرير هو الحزب الوحيد الذي لم يشارك في تنفيذ أجندات غربية في أرجاء السودان ولم يشارك النظام السابق في أي مؤسسة ولا منظمة ولا تمويل ولا منصب، ولا غبار عليه، وموقفه وعمله معروف عالمياً لإسقاط الطواغيت وفضح مؤامرات الغرب الكافر المستعمر، في بلاد المسلمين العربية وغير العربية، وكان لديه حضور كبير وسط الثوار وقاد حملات توعوية واسعة عن نظام الحكم في الإسلام وعن دولة الخلافة الراشدة وعن فرضية إقامتها في الخطب والدروس في مسجد جامعة الخرطوم في العاصمة (مسجد الثورة) وفي الأقاليم وأطراف البلاد، ولديه دستور متكامل مصدره فقط القرآن الكريم والسنة الشريفة، مواده قوانين ربانية وأحكام شرعية خالصة.
ولقد طالب حزب التحرير المجلس العسكري بتسليمه السلطة لتطبيق شرع الله وحظي بتغطية إعلامية محلية واسعة وقدم رؤيته للاتفاق بناءً على وجهة نظر الإسلام: (رؤية حزب التحرير لاتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير
https://www.youtube.com/watch؟v=Rpr2gtxMG0o)
ويبدو للمتابع للأحداث في السنوات الأخيرة أن جميع المسلمين حول العالم يدفعون أثماناً باهظةً بسبب غياب دولتهم الإسلامية التي تحمي بيضتهم وتوحدهم وتذود عن أعراضهم وأرواحهم وأموالهم وأراضيهم وتحقن دماءهم. فحال المسلمين حول العالم بين إذلال وإشقاء وتخويف وقمع واتهامات وهضم للحقوق... والسبب الأول والأخير لهذا الذل والاضطهاد هو الأنظمة الحاكمة التي لا تحكم بما أنزل الله تعالى، ونتج عن ذلك تفريط وتقصير في رعاية شؤون الناس جراء تطبيق الأنظمة الغربية الرأسمالية منذ زمن الاستعمار الغربي الكافر وحتى اليوم، حُكمت بلاد المسلمين عبر السنين بالنظام الجمهوري والعسكري والمدني، وتعاقبت الشخصيات الحاكمة العميلة للكفار على الناس ولم يتغير النظام وبقيت مؤسسات الحكم ووزاراته ومحلياته وأجهزته خناجر مسمومة تنخر في عظام الأمة الإسلامية، وثوار السودان جزء لا يتجزأ من هذه الأمة كما ثوار الجزائر وليبيا وتونس ومصر، ولن تنجح مساعي المسلمين إلا بالرجوع للإسلام ومفاهيمه السمحة النقية ولفظ المفاهيم الغربية القبيحة ونبذ الأنظمة والقوانين والدساتير والشخصيات التي لا تتحرك إلا في نطاق تكريس عبودية الناس لغير رب الناس، وتنصيب إمام أو خليفة واحد يتقي الله فيهم ويحكمهم بالإسلام ويزيل الحدود والسدود ويوجه توزيع ثروات بلادهم توزيعاً شرعياً صحيحاً ويرسل جيوشهم للجهاد ويستعملهم ليحميهم وليس ليقتلهم! فدم الشهيد يا أبطال الأمة لن يضيع ولن يُهدر بإذن الله تعالى إن رجعت هذه الثورة وتوحدت مع أخواتها في الأهداف واختار الشارع القادة المخلصين العاملين لتطبيق الشرع، وتطبيق الشرع يريده المسلم إن كان من الجيش والقوات أو كان من الشعب، ليُصبح مطلب الخلافة رأياً عاماً واعياً على أساس العقيدة الاسلامية، فللإسلام نهضة قادمة على منهج سيدنا محمد e وبذلك يحصل التغيير الجذري المنشود بإذن الله تعالى.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان