- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أطفالنا إلى أين؟
الشباب هم أمل الأمم وهم أداة التقدم والتغيير، وهم محل الطموح والكد والمخاطرة... لماذا؟
لأنه وعى فجأة على الواقع الذي يعيشه والخصائص التي يتمتع بها، وذلك حين وجد نفسه ينتقل من مرحلة الطفولة التي اعتمد فيها على الأهل في تدبير معيشته، وعلى المعلم في كسب ثقافته وعلومه، ثم بدأ يشعر أنه أصبح أهلاً لتحمل مسؤولية ذلك كله بنفسه ودون الاعتماد على أحد. من هنا تصبح نظرته للحياة والمجتمع نظرة متفحصة ليبحث لنفسه عن دور له في هذه الحياة.
لذا رأيناه يبحث عن الفرص التي تمكنه من تحقيق أهدافه وطموحاته، ثم يثور على العقبات التي تعترض طريقه أو تعرقل تقدمه. فالشباب هم أول من يلتف حول أي دعوة للتغيير والثورة على الواقع الأليم والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك بكل غال ونفيس، إذ ليس لديه ما يخسره. فإما المضي قدما نحو تحقيق الطموح أو الموت في سبيل ذلك. فليس لديه ما يبكي عليه أو يخشى ضياعه أو خسارته، إذ الخسارة الحقيقية بالنسبة له هي الجمود وقلة الفرص التي تتيح له الحركة والتقدم.
من هنا كان الاهتمام بالشباب هو همّ كل الأنظمة والسياسيين؛ إذ بهم يمكن العمل وتحقيق الأجندات، فهم القوة المنفذة والطموح بلا حدود ومشاريع التضحية إلى أبعد حدود...
لماذا كل هذه المقدمة مع أن العنوان هو: أطفالنا إلى أين؟
إن الأمة اليوم تقف على مشارف مرحلة حرجة من حياتها، فقد وصلت إلى قدر من الوعي جعلها تدرك مكمن دائها ومصدر شفائها؛ عرفت أن الواقع الذي تعيشه سببه هذه الطبقة السياسية التي تسوس حياتها بأنظمة تعيق تقدمها وتعرقل نهضتها، إذ هي طبقة سياسية عميلة للغرب الكافر المستعمر الذي تآمر معها على هدم دولتها واستعمرها زمنا طويلا، ثم استبدل بثوب الاستعمار ثوب الدول المستقلة صوريا لكنها مستعمرة فعليا بيد أبنائها الذين عشقوا الغرب وتقدمه المادي فقرروا السير في ركابه لعلهم يصلون إلى ما وصل إليه من تقدم مادي. ورغم أنهم تأكدوا أن طريقهم مستحيل إلا أنهم استمرؤوا التبعية والسير في ركاب الغرب على العمل الشاق الذي فيه عزتهم واستعادة مجدهم.
نعم يئست الأمة من هذه الطبقة السياسية التي بانت خيانتها لقضايا أمتها وأزكمت رائحة فسادها الأنوف. فما الذي بيد الغرب ليحول دون تلمس الأمة لطريق النهضة وقلب المجن لعملائه؟ إنه السلاح الأمضى الذي لا تتم نهضة ولا تقدم بدونه، إنه الشباب المخلص لأمته الفاهم لقضيته المؤمن بربه وبرسالة نبيه، فهو الإعصار الهادر الذي إذا انطلق عصف بالمستعمر وأزلامه حتى لا يبقي لهم باقية، فلا بد إذن من تدجين هذه الفئة الحية من الأمة حتى يطول عمر الحكام الفاسدين وتبقى هيمنة الغرب على مقدرات الأمة وثرواتها.
إن العمل على تخريب الأجيال المتعاقبة من شباب الأمة بدأ منذ زمن طويل لكن الثورات الأخيرة وجهت لطمة قوية للغرب وأعوانه إذ وجدوا أن عملهم الدؤوب على تخريب عقول الشباب لم يثمر وسرعان ما استفاق الشباب على قضيتهم والمؤامرات التي تحاك ضدهم وضد أمتهم.
اليوم رأينا المؤامرة تبدأ من الجذور؛ فالشباب الذين تعمقت فيهم العقيدة وإن تم حرفهم أو خداعهم سرعان ما تحيا فيهم العقيدة من جديد إذا ذُكّروا بها أو استُفزّوا في دينهم. أما إن حيل دون بناء عقيدة قوية عندهم منذ الطفولة فلن يكون لديهم مفاهيم أعماق تعيدهم إلى جادة الصواب من جديد.
إن المكيدة اليوم تسير على كل الجبهات وفي كل الميادين وعلى كل الأصعدة مستهدفةً الطفولة البريئة التي يكون فيها الإنسان على الفطرة السليمة.
فمناهج التعليم أُبعد عنها كل ما يعمق العقيدة ويركزها قوية في عقول ونفوس الأطفال. وجيء بأفكار خبيثة تلبس على المسلم دينه، من فكرة وحدة الأديان والتسامح مع الآخر وحقوق الطفل والنوع الاجتماعي...الخ.
وعلى صعيد المؤسسات الثقافية غير المدرسية فالقدوات الماجنة أو التافهة هي ما تقدَّم لهم عبر البرامج اللامنهجية والتلفاز ومواقع النت المختلفة. ونمط الحياة الغربية هو الذي تقدم لهم بهالات براقة تخطف الأبصار.
وفي الأسرة حاضنة الطفولة وغارسة المفاهيم الإسلامية السليمة في نفوس الأبناء تُستهدف الأم المربية المعلمة، فتشجَّع على الخروج من البيت وترك أطفالها للمدارس والحضانات تربي أبناءها بعيدا عنها. ويُرغم الأب على العمل المضني لطلب الرزق من أجل توفير متطلبات الحياة العصرية للأسرة. فلم يَعُد «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» شعارا، بل أصبح من لا يستطيع توفير الرفاهية لأسرته أباً قاسيا ظالماً أضاع حياة أبنائه فلا بد من الثورة عليه واغتصاب القوامة منه!
هكذا يريدون سرقة أبنائنا منا وتضييعهم ليحولوا دون تحولهم إلى شباب واعد مبشر بالخير لأسرته وأمته. بل شباب مائع لا يعرف من الدنيا سوى اللهو والعبث وترك مقاليد الأمور في يد السفهاء والمأجورين لتبقى أمتنا تابعة ذليلة تتوسل خيراتها من أعدائها وهي صاحبة الخيرات والأحق بها! ترضى بأن تحكم بالأنظمة الوضعية والله تعالى أنزل لها نظاما ربانيا يوفر لها حياة مطمئنة هانئة في الدنيا والآخرة.
هذه هي قصة أمة سُرق ماضيها وحاضرها ولا تزال تحاك لها المؤامرات للحيلولة دون استعادة إرادتها، للإبقاء عليها مسلوبة فيُقضى على مستقبلها بالقضاء على براءة أطفالها شباب المستقبل الذين هم الأمل في استعادة ما سلب منها ورمي مفسديها في هاوية سحيقة.
فيا أيتها الأمة الكريمة، يا من وصفك رب العزة بأنك خير أمة أخرجت للناس، فلتنهضي من كبوتك ولتبادري بنفض الغبار الذي اعتلاك في رقدتك. لن أقول انتبهي وصححي ما يتلقنه أطفالك من مفاهيم خطيرة خبيثة، فالتصحيح وحده لن يكفي لحمايتهم من المؤامرات التي تحاك لك ولهم، ولن أقول ثوري على الواقع الذي يحمل الخطر لك ولأطفالك، بل أقول قومي بتصحيح مسارك وتناولي العلاج الناجع الذي يزيل هذا الواقع الفاسد ويمحو آثاره. فبغير دولة قوية عزيزة لن تستطيعي مواجهة المستعمر ومخططاته التدميرية، وبغير دولة الخلافة لن تري للمسلمين دولة قوية عزيزة، فلقد رأينا الثورات المرتجلة بدون وضوح الرؤية إلى أين أخذتنا وفي أي الفخاخ أوقعتنا بينما نقرأ يومياً قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
نعم صدق الله العظيم، إن العزة والكرامة وحماية أبنائنا واستعادة ما اغتُصب من ديارنا لا يتحقق إلا إذا أعدنا نظام حياتنا الإسلامي بعودة دولة الخلافة التي هي رئاسة عامة للمسلمين جميعا، توحدهم تحت راية واحدة، تنظم شؤونهم وتحمي بيضتهم وتعيد المغتصَب من بلادهم وتنزل الرعب في صدور أعدائهم فلا يجرؤون على التدخل في حياتنا ولا فرض إرادتهم علينا. هلمَّ يا أمة الخير وسلمي قيادتك لحزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، الحزب الذي منذ قيامه أعلن غايته وحدد طريقته وصبر عليها فضحى شبابه وقادته بالحياة الناعمة والراحة المؤقتة في سبيل غاية هي أسمى من الراحة والحياة المرفهة، عاش حياة السجون والتعذيب ومفارقة الأهل والولد، واستشهد الكثير من شبابه على يد المستعمر وعملائه وأدواته فما بدل ولا غيّر بل ثبت وصبر حتى عجب الصبر من صبره! وها هو قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق غايته؛ وعد الله سبحانه وبشرى رسوله الكريم e، نعم فما عادت الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية حلماً أو خيالاً في نظر الأمة بل أصبحت ملء العين والقلب، ليس في نظر شبابها، بل في نظر الأمة جمعاء، لكن ينقص تحققها أن تختار الأمة القائد الحق الذي يعرف الطريق ويبصر الغاية فيصل بها إلى بر الأمان، خلافة راشدة تنتشلها من الضياع إلى العزة والرفاه. ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، وما ذلك على الله بعزيز.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسماء الجعبة