- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نظام النفعية يرهن الناس بحاجاتهم
منذ أن تسلط النظام الرأسمالي على رقابنا وبسط نفوذه وهيمنت أفكاره وسادت سياساته التي تستثمر في كل المجالات وتقتات على كل الجراحات والآلام، والإنسان عامة يعاني صنوفا من العذابات، وذوي الاحتياجات الخاصة يتعرضون للذل والهوان. فجشع هذا النظام جعله يستغل كل نقص أو عجز لدى فئة من الناس ليضمن لنفسه الحياة بإيهامهم بحرصه على رعاية مصالحهم والسهر على حل مشاكلهم، والحقيقة أنه يقتات على احتياجهم. فكما يستغل حالة الفقر ليقدم الفتات للفقير ويهينه بالمن عليه ببعض الهدايا والعطايا ليكون صاحب فضل عليه، فيخجل الفقير أن لا يرد له الجميل ويسارع للتصويت لفائدة المحسن يوم الانتخاب!
وبالمنطق نفسه أوهَم هذا النظام ذوي الإعاقة أنه ضمن لهم حقوقهم وسن قوانين تحميهم، والحقيقة أنهم في ظل نظام يتاجر بهم ويذلهم بل ينكل بصغيرهم قبل كبيرهم.
فقد كان إسناد لقب معاق أو ذي احتياج خاص لطفل، خلقه الله واعتبره إنسانا، يندرج ضمن التقسيمات التي اعتمدها النظام الرأسمالي داخل المجتمع ليتمكن من رقابهم ويسهل عليه تضليلهم وإلهاؤهم، ويضاف إلى هذه الفئة عنصر يخدمه في حربه على الإسلام هو إيهام هذه الفئة بأن ما يعانونه من نقص أو احتياج تسبب فيه خالقهم، فيسهل عليه تحقيق غاية من أهم غاياته في تعامله مع المسلمين، وبهذا لا نستغرب تدخل الغرب على نطاق واسع في الجمعيات التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة من تمويل وتنسيق وبرامج وتبادل خبرات وعقد ندوات...
وقد عمد النظام إلى تعميق الهوة بين الشخص الطبيعي والشخص المعاق بمنح المعاق بطاقة تمكنه من التنقل والعلاج المجاني، فكان هذا أقصى ما جاد به هذا النظام على شخص يقرون له بخصوصية الحاجة وفي المقابل يحرمونه من الرعاية العامة، فحتى هذه البطاقة لا يسهل الحصول عليها، بل يتطلب الأمر ذهابا وإيابا إلى الإدارات والمكاتب ووعودا وحتى رشوة! والأدهى أن هذه البطاقة تحدد بمدة زمنية تستوجب تجديدها حين انتهاء صلاحيتها. بمثل هذه المنة يجعلون نظامهم صاحب فضل على هذه الفئة من الناس والحال أنهم طبعوه بطابع العجز والنقص.
ولم يكتفوا بذلك، بل حرموا الطفل المعاق من حقه في التعليم العمومي، فقد تعمدت الدولة إهمال هذا الجانب حين تغافلت عن تخصيص فضاءات ومراكز وبرامج وميزانية لتعليمهم ما ينفعهم وتخلت عن هذا الدور ومكنت الجمعيات الخاصة ذات الطابع الخيري من القطاع برمته، فتعددت الجمعيات وتنوع نشاطها، كما تداخل وأصبح مجالا للاستغلال بأشكال مختلفة وتعددت المشاكل وغابت الدولة غيابا كليا، وعوضتها هذه الجمعيات الخاصة التي لا تخضع لرقابة ولا لسلطة في أغلب نشاطاتها، باستثناء بعض الجمعيات التي تحولت إلى مؤسسة شبه حكومية بعد أن أصبحت الدولة شريكة لبعض الجمعيات القليلة، لكنها شراكة وليست رقابة حيث إنها تسببت في تجاذبات كثيرة حول موضوع المنح الأجور والترقيات وما إلى ذلك من مشاكل؛ لأن العاملين والمربين في هذه الجمعيات شبه الحكومية لا ينتمون لأية وزارة، وهذا ما جعلهم يدخلون في سلسلة من الإضرابات وتلاميذهم منقطعون عن الدراسة التي غالبا ما تأخذ الصيغة الحرفية وكأن هؤلاء ليسوا كسائر الأطفال!
وقد اضطرت جمعيات عدة إلى إغلاق أبوابها وترك الصغار يواجهون مصيرهم من غير ضامن لحقهم في التعليم، رغم ترسانة من القوانين والتشريعات التي تحفظ في الرفوف ولا تطبق، وإن طبقت فهي قاصرة ولا تعالج مشكلا.
هذا فيما يخص التعليم، أما الحق في العلاج والصحة فإن الحديث عن الاتفاقيات والمنح التي توفرها الدولة للمعاق لمجانية العلاج لا تحصى ولا تعد، لكن الحقيقة أن الأسرة التي يكون أحد أطفالها مصابا بإعاقة ما تجد نفسها تعاني من أجل علاجه أو توفير مستلزماته الأمرّين نظرا لارتفاع تكلفة العلاج من جهة ولصعوبة توفر مراكز قريبة من جهة أخرى.
إننا إزاء نظام لا حدود لجوره ولا نهاية لظلمه فهو يقهر صاحب الحاجة ويذله ولا يمكنه من حاجته، فهي التي تجعل المحتاج رهينة لهذا النظام فلا يستطيع فك قيده والهروب بعيدا عنه.
والطفل المعاق وأسرته ظلوا متعلقين بوهم الحق الذي سوّقه النظام لكن أحدا لم يصل له، فهو كالسراب الذي يبتعد كلما اقتربتَ منه!
ويبقى الحديث عن واقع طفل ابتلاه الله في حاسة من حواسه أو عضو من جسمه في ظل نظام يقوم على النفعية ويدعي حماية الحقوق والحريات، يبقى مجرد أبحاث ودراسات ومؤتمرات لا تتجاوز جدران القاعات التي تعقد فيها، ولن ينال الناس حقوقهم إلا في ظل نظام رباني يراعي إنسانية الإنسان ولا يقسم الناس إلى فئات، فكل عاقل مكلف وكل مكلف محاسب. إنه نظام الخالق الذي يعرف حاجة عبده وعجزه ونقصه فيقدم له العلاج الشافي لكل مشاكله. في ظل هذا النظام فقط تنتفي الفوارق وتسترد الحقوق.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سهام عروس – ولاية تونس