- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أين المفر؟!
لقد ضاقت الأرض وحُوصِر الإنسان فيها بكل أنواع المخاطر التي من شأنها أن تعرضه للفناء، وأصبح الإنسان يسير فيها وكأنه يسير في حقل ألغام، ﻻ يكاد يتفادى لغما حتى يخشى أن يصيبه آخر.
في دراسة إحصائية لحالات موت الإنسان، وبدأت بخط بياني رفيع جدا يمثل أسماك القرش والتي سجلت العدد الأقل من حالات قتل البشر، وتدرجت بنسب ضئيلة من حيوان مفترس إلى آخر أشرس مرورا بالزواحف والحشرات السامة، وخط الموت يتسع رويدا رويدا ويتغير لونه بحسب القاتل وعدد ضحاياه إلى أن يغمر الشاشة اللون الأحمر الذي يعبر عن حجم القتل وخطورة القاتل... ويظهر اسم القاتل بالكاد وسط المساحة الكبيرة جدا للخط الأحمر... الإنسان! نعم الإنسان... لم يتفوق على عدد ضحاياه (475 ألفاً في السنة) إلا البعوض (725 ألفاً في السنة).
أما الإنسان، فالإحصائية توقفت عند القتل "الفردي" المباشر وإلا لكان في المرتبة الأولى، بما يسببه من صنوف القتل غير المباشر، جراء بعده عن النظام الصحيح الذي أنزله له ربه، فبدلا من أن يكون مستجيبا لأمر الخالق سبحانه وتعالى: ﴿...فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾، جعل ذلك القاتل، نَفسَه، ممن يوصف بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾، ومهما تمتع في الحياة الدنيا فإن الوصف الذي وسمه في هذه الآية هو الذي يصور حالته على الحقيقة.
ولا نجاة، لمسلم ولا لغير المسلم، من شرَرِ هذا الشرِّ المستطير الذي يحيط بالأرض، إﻻ بقضاء الله ورعايته سبحانه، فالكل خاضع لأنظمة وقوانين تسنها دول علمانية، وتطبقها أنظمة ما أنزل الله بها من سلطان، وكل تشريع وقانون وقرار فيها، من ورائِه هوى من يشرعون من دون الله، وينصبون أنفسهم أربابا من دونه. والطامة أن ذلك النظام الرأسمالي، والذي يرزح العالم تحت نير مختلف أشكاله الترقيعية، يسوق تلك الأنظمة سوقا لتقديم المصلحية والنفعية الرأسمالية على سائر القيم الإنسانية للبشر الذين يعيشون في كنف تلك الأنظمة، فتجد أن دولة يعتمد جانب من اقتصادها على السياحة تفكر ألف مرة قبل أن تعلن تفشي وباء قتَّال فتاك فيها، ودولة تقوم على الصناعة والتصدير؛ جل تفكيرها وسياستها تصب في توقي الخسائر الاقتصادية، دونما أدنى اعتبار للخسائر في الأرواح البشرية، ودولة يحكمها طاغية ديكتاتور متجبر تعتم على الإصابات، تنتظر أمرا من الدكتاتور قبل أن تحذر الناس وتصرح بالأزمة، فالأهم هو صحة وراحة الدكتاتور!!
ترددت الصين لأشهر في أخذ الإجراءات الحاسمة لمحاصرة (فيروس كورونا المستجد) فتفشى بصورة متسارعة حتى صار وباء يرعب البشرية في أنحاء العالم؛ بل ونظرا لعدم ثقة الناس في النظام والقائمين عليه جعلهم لا يلتزمون بإجراءاته، فقد غادر الآلاف منطقة ووهان الصينية قبل دخول الحظر حيز التنفيذ، والذي تم الإعلان عنه قبل موعد تنفيذه بخمس ساعات!
أما عندنا، في الدول التي يتلاعن فيها الحكام والمحكومون، حيث لا رعاية ولا شفافية وﻻ ثقة، حتى أضحت لدى الشعوب خبرة متراكمة بالفشل المزمن، للحكام العملاء، في حل أي قضية مصيرية تهم المسلمين أو غير المسلمين؛ عندنا الوضع أخطر منه في دولة كبرى كالصين، فالناس هنا يتصرفون بدون قيادة، وقيادات الأنظمة تتصرف للرياء والسمعة والاستعراض المسرحي الخالي من الرعاية، أو بغية تحصيل الإعانات والمعونات، والتي، فوق حرمتها وتكلفتها السياسية، لا تصل إﻻ للحكام وأعوانهم والمرضيِّ عنهم من الأغنياء، ناهيك عن انعدام البنى التحتية لتنفيذ إجراءات الحظر، فضلاً عن معهود سياسات أولئك الحكام الارتجالية... بل والمتخبطة.
وفي غياب الراعي والخليفة الذي يقودها بالإسلام فتتقي به نوائب الدهر، لجأت الأمة، مباشرة إلى ربها ترفع أكف الضراعة إليه ليكف عنها ذلك الخطر المحدق، فتنامت الدعوة عبر وسائل التواصل الإلكتروني لصلاة موحدة في التوقيت، في أرجاء البلاد الإسلامية يوم الثلاثاء 3/3 وتوحيد الدعاء فيها لله بأن يرفع وباء "كورونا" عن الأرض.
وهذه الدعوة رغم أن فيها محاولةً لِلَمِّ شمل الأمة على عمل مندوب هو صلاة الحاجة؛ وما فيها من معاني اتساع الأمة وتحدِّيها لحدود الدم الاستعمارية؛ إلا أنها دعوة انهزامية، تنم عن إحساس شعوري بالخطر المحدق، حيث ﻻ حاكم يرعى شئونها، بل قل وأنت من الصادقين أنه ﻻ حاكم يُتصور أن يُفكر في رعايتها، في ظل الرأسمالية وعقيدتها العلمانية وشريعة الكفر المنبثقة عنها، ناهيك عن فرضها بالحديد والنار، في تبعيةٍ مقيتةٍ من الحكام للغرب المستعمر. وهنا لا بد من نقل الدعوة للصلاة الموحدة من منطلق شعوري إلى منطلق فكري. ليسأل كل مسلم نفسه: لماذا نلجأ للحلول التي نراعي بها أعداءنا وعملاءهم من حكامنا فنصير من حيث ندري أو ﻻ ندري، عونا لهم على الاستمرار في نهج إعراضهم عن ذكر الله تعالى؟!
وحري أن نتساءل عن سر نقل كل شاشات إعلامهم، إعلام أعور الدجال، منذ أيام لصلاة "الفجر العظيم" التي دعا لها أحدهم "نصرة للأقصى"، بينما تلك الشاشات عينُها، عميت عن أن تنقل تظاهرات تناشد الجيوش لنصرة وتحرير الأقصى كما أمرها ربها؟! الغرب الكافر المستعمر يعلم جيدا أن الأقصى ﻻ تنصره إلا الجيوش، ويعلم أن أي دعوة لهذا الفهم ستؤول إلى تحرير المسلمين وبالتالي إقامة الدين، عدوهم الأول.
هذا الفهم الذي ما فتئ حزب التحرير، يرشد الأمة إليه، يهيل عليه أعداء الأمة كمّاً هائلا من الأفكار والمفاهيم المغلوطة، عساها تستطيع تغييبه، وإن تسترت برداء دعوات لصلاة فريضة أو نافلة؛ بل ربما شجعوها بمشاركات الكنائس والمعابد تكريسا لـ"دين الإنسانية" الجديد! يريدون للأمة أن تلتفت عن الحل الجذري واتخاذ القرار المصيري بخلع حكام الضرار وجلاوزة الاستعمار؛ خوفا من أن تسترد الأمة سلطانها وقرارها المسلوب وتتخير من بينها رجلا يحكمها بما أنزل الله في ظل دولة الرعاية التي أمر الله سبحانه بها، وبشر رسوله e وأمر بإنهاء الملك الجبري وإعادتها سيرتها الأولى، خلافة راشدة على منهاج النبوة، تشمل العالم برعايتها.
فيا أمة الإسلام لنختصر الطريق باسترداد السلطان واستئناف الحياة الإسلامية، لا تلهنا دعوات من هنا أو هناك تلفتنا عن معالجة مكمن الداء، أﻻ وهو تغييب الحكم بما أنزل الله تعالى؛ فذلك أس الأمراض ومكمن الأدواء... وهل من مقتل للمسلمين أنكى من الإعراض عن ذكر الله تعالى بتغييب الحكم بكتابه وسنة نبيه e؟!
فلتلتفت العقول إلى آيات الله أن تعود دولتها، ولتلتف القلوب حول الإحساس الفكري بسر ضنك العيش الذي طال بنا، ولتتعال الدعوات إلى استئناف الحكم بما أنزل الله، مصداقا وتصديقا وطواعية لأمره تعالى حيث يقول في محكم تنزيله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
جمال علي – ولاية مصر