الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سطعت شمس الحياة فأذابت مكعّبات الثّلج

 

لكلّ حضارة وجهة نظر معيّنة تنظر بها إلى الأشياء وتحدّد على ضوئها قيمة هذه الأشياء ومنزلتها. وقد اختلفت كلّ حضارة عن الأخرى باختلاف هذه النّظرة؛ فالحضارة الإسلاميّة ليست كالحضارة الغربيّة فهي تختلف عنها بل وتتضارب معها. هما حضارتان على طرفي نقيض لا يمكن أن تلتقيا على شيء ولا أن يجمع بينهما أمر! فالأولى حضارة ربّانيّة حكمت البشريّة قرونا فأخرجتها من ظلمات الجاهليّة إلى نور الإسلام ورحمته ونهضت بها نهضة صحيحة راقية جعلتها تفهم الحياة وتزنها وتقدّرها حقّ قدرها، أمّا الثّانية فحضارة بشريّة أعادت النّاس إلى الظّلمات وجعلتهم يلهثون وراء هذه الحياة فيأكل القويّ فيهم الضّعيف واعتبروها جنّتهم التي يبذلون كلّ الجهد للحفاظ عليها ممّا دفع بهم إلى أن يحيوها بعيدين عن خالقهم جاحدين ناكرين له ولشرعه فكانت حياتهم حياة بؤس وشقاء وضنك...

 

ينظر الإسلام - دين الله الذي ارتضاه لعباده - إلى الحياة الدّنيا على أنّها دار امتحان يعمل المؤمن فيها ويجتهد ليرضي ربّه بالامتثال لأوامره وتجنّب نواهيه. فهي دار ممرّ لا دار مقرّ، يسلك فيها المسلم طريقه حذرا من الوقوع في المعاصي حتّى يبلغ المنتهى ويستقرّ في الدّار الآخرة التي يطمح ويطمع أن يكون من الفائزين فيها بجنّة ربّه التي وعد بها المتّقين! فوجهة نظر الإسلام إلى الحياة الدّنيا فريدة راقية تحلّق بالإنسان عاليا ليترفّع عن التّفاهات وعن سفاسف الأمور لتتعلّق همّته بأعاليها فتصبح الآخرة أكبر همّه، ورضوان ربّه أجمل أمانيه، والفوز بجنّة ربّه أقصى غاياته. قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاتهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20] لذا يحذّر الله عزّ وجلّ عباده من الوقوع في مزالق هذه الحياة الغادرة التي تمكر بكلّ من يلجأ إليها ويطلبها ويبتعد عن ربّه. فهي فتنة للعباد؛ يختبر بها الله ليرى الصّابر والشّاكر، والمغتنم لأوقاته لما فيه رضاه سبحانه من العاكف عليها والمنشغل بها... لا يستويان! ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾، ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾، فلا يستوي الأعمى الذي ضلّ عن منهج الله تعالى وركن إلى الدّنيا واطمأنّ، والبصير الذي جعل من شرعة ربّه منهاجا له يهديه سواء السّبيل فباع الدّنيا واشترى الآخرة.

 

قال ﷺ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (رواه التّرمذي) هذه هي حقيقة الدّنيا يبيّنها نبيّنا وحبيبنا ﷺ. ذلك هو المعنى الحقيقيّ لها: إنّها لا تساوي جناح بعوضة وهي سجن يتشوّق المسلم للخروج منه إلى جنّة ربّه فـ«الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» فلماذا تحوّلت الدّنيا عند المسلم إلى جنّة؟! لماذا تغيّرت نظرته إليها وصار ينهل منها ومن متعها وكأنّه يعيش أبدا؟! لماذا نسي قول رسوله المصطفى ﷺ «اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ»؟! لماذا تاه عن تحذيره «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»؟! لماذا صار يحبّ الدّنيا وزينتها، ويركن إليها، ويقاتل من أجلها، ويهتمّ بجمع المال وباعتلاء المناصب ونسي دينه وربّه؟!

 

لقد غفل عن الآخرة وعن عقاب ربّه ولم يعد أكبر همّه النّجاة فيها ونيل رضوان الله. انشغل بالدّنيا وملذّاتها وتكاسل عن الطّاعات وأهمل الواجبات واستصغر المحرّمات. قال لقمان لابنه: "يا بنيّ، الدّنيا بحر غرق فيه أناس كثير، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله، وحشوها العمل بطاعة الله عزّ وجلّ، وشراعها التّوكّل على الله؛ لعلّك تنجو"، نصح لقمان ابنه ووضّح له حقيقة الدّنيا التي يتهافت النّاس عليها ويتنافسون ويتصارعون من أجلها ونبّهه من الغرق فيها، وحثّه على الإبحار في سفينة الإيمان والعمل بطاعة الله والتّوكّل عليه ليصل إلى برّ الأمان حتّى ترسو به السّفينة على شاطئ الآخرة فائزا برضا ربّه. رغّب الإسلام الإنسان فيما عند الله وفي الدّار الآخرة ودعاه إلى ترك الدّنيا بزينتها وحلّتها والإقبال على الله وطلب مغفرته ورضوانه. دعاه إلى ترك الفاني والشّوق إلى الباقي. لسنا هنا ندعو إلى الزّهد والخروج من الدّنيا وتركها، فما كان هذا منهج قدوتنا عليه الصّلاة والسّلام الذي عاش حياته وتزوّج وأفطر... قال عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». عاش دنياه يعمل لله، يحبّ لله، ويبغض فيه، أعماله وأقواله خالصة لله دون سواه. وعلى هذا ربّى صحابته وجعلهم يفهمون معنى حياتهم فهما صحيحا ففازوا برضوان ربّهم:

 

"لِيَوْمِ الحَشْرِ قَدْ عَمِلَتْ رِجَالٌ فَصَلَّوا مِنْ مَخَافَتِهِ وصَامُوا".

 

قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ اختُلِف في معناها، فقال ابن عبّاس والجمهور: لا تضيّع عمرك في ألّا تعمل عملا صالحا في دنياك، إذ الآخرة إنّما يُعمل لها، فنصيب الإنسان عمرُه وعملُه الصّالح فيها، فالكلام على هذا التّأويل شدّة في الموعظة، وقال الحسن وقتادة: معناه لا تضيّع حظك من دنياك في تمتّعك بالحلال وطلبك إيّاه ونظرك لعاقبة دنياك. هذه هي الدّنيا وهذا هو المعنى الحقيقيّ لهذه الحياة... وقد عبّر عنه سيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قائلا:

 

النّفس تبكي على الدّنيا وقد علمت أنّ السّلامة فيها ترك ما فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلاّ التي كان قبل الموت بانيها

 

فلماذا غرق أناس كثيرون في بحر الدّنيا؟ لماذا صارت أكبر همّهم؟!!

 

لأنّ منهم من صار لا يحبّ ولا يكره إلاّ من أجل هذه الدّنيا، والأصل أن يكون ولاؤه وبراؤه لله وفي الله. انشغل بالدّنيا عن الآخرة فعاد إلى الجهل والجاهليّة، خاصّة بعد فصل الدين عن الحياة وإقصاء الإسلام وأحكامه بهدم دولته وحلول النّظام الرّأسماليّ الذي يشجّع على الانغماس في الحياة والغرق في ملذّاتها وشهواتها ويلغي الحياة الآخرة والحساب وملاقاة الله، وتغيّرت وجهة النّظر الإسلاميّة وحلّت محلّها وجهة النّظر الغربيّة.

 

فالحضارة الرّأسماليّة الغربيّة ترى أنّ الحياة الدّنيا حياة واحدة لا غير ولا حياة بعدها وعلى المرء أن يحصل فيها على أكبر قدر من المتع والملذّات قبل أن يداهمه الموت وتنتهي بذلك هذه الحياة. وفي ظلّ هذه الحضارة يعيش الإنسان حياة غاب أساسها البقاء للأقوى، أمّا الضّعيف فيُلقى به في مقابرها! هذا هو معنى الحياة عندهم، التي لها من الأهمّيّة البالغة والكبيرة ما يجعل المرء يصرّ على التّشبّث بمتعها وملذّاتها ويرفض التّفريط فيها.

 

في ظلّ هذا النّظام الرّأسماليّ الذي أطبق على أنفاس النّاس صار أكثرهم يبحث عن تحقيق مآربه في الدّنيا وشهواتها وملذاتها دون تريّث ولا التفات للشّرع وحكمه في الأمر، فترى المسلم يقترض بالرّبا إمّا ليبني سكنا أو ليؤمّن سفر ابنه ليواصل تعليمه. وتراه يجري ليملأ بطنه ويغذّيه بالحرام دون أن يقلق لارتكابه هذا الحرام فإن قلق بحث له عن حجج وعلل لفعله ذاك. صار المسلم غافلا عن الآخرة وعن الحساب! فقد فصل هذا النّظام الرّأسماليّ بينه وبين دينه وجعله يعيش منبتّاً عنه مُلغياً له إلاّ في بعض العبادات والشّعائر التي يسعى هذا النّظام والقائمون عليه لإلغائها حتّى يطمس معالم حضارة الإسلام ويقضي عليها نهائيّا.

 

أخرج ابن سعد بإسناده عن جندب بن سفيان قال: «أَصَابَتِ النَّبِيَّ ﷺ أَشَاءَةُ نَخْلَةٍ فَأَدْمَتْ إِصْبَعَهُ فَقَالَ: مَا هِيَ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيَتْ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقِيَتْ. قَالَ: فَحُمِلَ فَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ مَرْمُولٍ بِشُرُطٍ، وَوُضِعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٌ بِلِيفٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَقَدْ أَثَّرَ الشَّرِيطُ بِجَنْبِهِ فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، ذَكَرْتُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ يَجْلِسُونَ عَلَى سُرُرِ الذَّهَبِ وَيَلْبَسُونَ السُّنْدُسَ وَالإِسْتَبْرَقَ، أَوْ قَالَ: الْحَرِيرَ وَالإِسْتَبْرَقَ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونَ لَكُمُ الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟».

 

أجل يرضى المسلم ويأمل أن تكون له الآخرة ويسأل الله أن يكون من الفائزين، ولذلك يعمل ويجتهد ويلقى من العقبات والابتلاءات الكثير فيضحّي بالغالي والنّفيس حتّى يفوز بالسّلعة الغالية "الجنّة"؛ لذلك عليه أن يكون على استعدادٍ للقاء ربّه شاكرا ذاكرا له دوما في السّرّاء والضّرّاء وألّا يكون في غفلةٍ من أمره.

وكان لنا في رسول الله الأسوة الحسنة؛ فقد بذل ﷺ وأصحابه النّفس والمال والوقت والحياة وكلّ ما يملكون في سبيل الله تعالى وفي سبيل إعلاء كلمته ونشر دينه، تاجروا مع ربّهم فربحوا وفازوا بالجنّة العالية ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ فأين المسلم اليوم وشرع ربّه غائب عن حياته؟ أين هو وأحكام الإسلام معطّلة، يسيّر حياته نظام رأسماليّ كافر جاحد يجرّ العالم إلى الهاوية وإلى الظّلمات التي لا قرار لها؟

 

إنّ ما يشهده العالم اليوم في ظلّ وباء كورونا من رعب وهلع قد عرّى عجز وفشل الدّول العظمى ونظامها العالميّ الفاسد أمام فيروس غير مرئيّ أسر العالم كلّه وحكم عليه بالحجر الصّحّيّ. تهاوت قوّة هذا النّظام العالميّ التي يتباهى بها وسقط قناعه المزيّف وكشفت عوراته وتبيّن للنّاس أنّه نظام متوحّش لا يبحث إلّا عن تأمين مصالح ثلّة قليلة من الرّأسمالييّن أمّا البقيّة فلا اعتبار لهم فهم مجرّد أرقام.

 

 

ذابت مكعّبات الثّلج أمام أشعّة شمس الحقيقة السّاطعة... حين تعلّق الأمر بالحياة وتأمينها وحين صار أمن بلاده القوميّ مهدّدا في ظلّ تفشّي هذا الفيروس بشكل مرعب، لم يُخْفِ ترامب رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة - الدّولة العظمى - نذالته وحقارة نظامه في التّعامل مع الدّول الأخرى فصرّح بأنّ دولته هي الأحقّ بأن تلقى الدّعم للتّغلّب على هذا الوباء وبأنّها الأوْلى بالحصول على كلّ ما يساعدها للخروج من هذه الجائحة، فطفت على السّطح عنصريّته وبان تعاليه وتجلّت نظرته الفاسدة القائمة على نظريّة الانتقاء والبقاء للأصلح والأقوى، والتي شملت الشّعب الأمريكيّ أيضا، فأكّد وبكلّ استخفاف واستهتار أنّ المسنّين وذوي الإعاقات ليسوا معنييّن باهتمام الدّولة ولا رعايتها في ظلّ هذه الأزمة.

 

هذا هو النّظام العلمانيّ وهذه هي حقيقته التي سطعت، خاصّة في ظلّ هذا الوباء، لتكشف عن نظرة للحياة ضيّقة خاطئة جعلت النّاس مرعوبين خوفا من الموت والرّحيل عن دنياهم التي فيها كلّ آمالهم وأحلامهم: مساكنهم التي بنوها وأموالهم التي جمعوها وأبناؤهم الذين أنجبوهم... حياة ضيّقة حصرت النّاس في دائرة يحسبونها شاسعة واسعة فإذا هي محكمة أقفالها لا يعرفون لغيرها سبيلا فكُبّلوا بقيودها تائهين ضائعين يبحثون عن خلاص. أمّا نظام ربّ العالمين فقد أكّد لنا أنّ الجنّة قد حفّت بالمكاره وأنّ النّار قد حفّت بالشهوات، والعاقل من يسلك الطّريق الذي يبلّغه الجنّة حتّى وإن كان وعراً، ويبتعد عن السّبيل الذي نهايته غضب الله وناره وإن كان سهلاً، فكانت للإسلام وجهة نظر خاصّة فريدة ومتميّزة جعلته الأقدر على إسعاد البشريّة وانتشالها من براثن الحضارات الأخرى التي جعلتها تحيا في ضنك وشقاء بسبب وجهات نظرها القاصرة والفاسدة.

 

روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ (صغير الأذن) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ» فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ «فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ». هذه هي حقيقة الدّنيا؛ تافهة حقيرة، وهنيئا لمن فهمها وقدّرها حقّ قدرها وعاشها كما أراد له ربّه.

 

فاللهمّ نسألك أن لا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا وأعنّا على أنفسنا واستعملنا لنصرة دينك بإقامة دولته ورفع رايته، وارزقنا من الدّنيا ما تقينا به فتنتها، وتغنينا به عن أهلها، ويكون بلاغاً لنا إلى ما هو خير منها.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

زينة الصامت

 

 

 

1 تعليق

  • ميمونة بكار
    ميمونة بكار الجمعة، 15 أيار/مايو 2020م 10:45 تعليق

    جزاك الله خير الجزاء اخت زينة ، وانار لك دربك وغفر لنا ولك . موضوع مميز .

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع