- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
طبيعة الوظيفة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة
كمستشار بمكتب رئيس الوزراء في السودان
سحبت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في السودان إعلانا عن وظيفة "مستشار للنوع" كانت قالت إنها ترغب في تعيينها بمكتب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، وأثار الإعلان للوظيفة في 27 نيسان/أبريل الماضي ردود أفعال واسعة في مواقع التواصل التي استهجن روادها الخطوة، وأفاد توضيح من الهيئة تلقته "سودان تربيون" أنه "تم حذف الإعلان لإجراء مزيد من المشاورات مع مكتب رئيس الوزراء، والتزاما بالإجراءات وسياسة الإعلان للمناصب بمكتب رئيس الوزراء، وقالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إنه ستتم مراجعة اختصاصات الوظيفة والإعلان عنها لاحقاً لتتوافق تماماً مع السياسات واللوائح"، كما اعتذرت عن أي سوء فهم أو أي إزعاج سببه إعلان الوظيفة، وأضافت "تقدر هيئة الأمم المتحدة للمرأة التزام رئيس الوزراء بإعمال حقوق الإنسان للمرأة ولا تزال الهيئة ملتزمة أيضاً بدعم الحكومة الانتقالية على أداء مهامها على النحو المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان للمرأة".
وبحسب الإعلان فإن مستشار الشؤون الجنسانية سيعمل كجزء من فريق رئيس الوزراء لضمان تطبيق مساءلة النظام التنفيذي على المساواة بين الجنسين إلى جانب ولاية رئيس الوزراء، خلال السنوات الثلاث المقبلة، وأوضحت أن الهدف العام للمشروع الممول من الوكالة السويدية للتنمية الدولية هو تزويد السودان بآلية فعالة للنوع (الاجتماعي) للمساهمة في تعزيز قدرة المؤسسات الفيدرالية ومؤسسات الدولة على تقديم وظائف ومسؤوليات محددة تفسر المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
مفهوم النوع (الاجتماعي) نشأ أساساً في الغرب في القرن التاسع عشر ومن ثم انتقل إلى البلاد الإسلامية حيث تمت المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق في كل العالم، وفي السودان أتيحت له فرصة ترويجية في جامعة الأحفاد حيث تم الاحتفال في 19 تموز/يوليو 2010م بافتتاح المعهد الإقليمي لدراسات الجندر والتنوع والسلام وحقوق الإنسان، وسبق ذلك في العام 1998م أن قام مركز سالمة للمصادر ودراسات المرأة بتقديم مجموعة من مؤلفات عكفت الكاتبة كاملا بهاسين خلالها على تخصيص جهدها في مجالات تحرير المرأة من أشكال التمييز واللامساواة كافةً، وكان العمل بدعم من الاتحاد الأوروبي كما ذكرت صحيفة التحرير السودانية الجمعة 7 حزيران/يونيو 2013م.
وقد فرضت الأنظمة العلمانية المتعاقبة على السودان وجهة النظر والمثل العليا الغربية عبر تبنيها المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تروج بقوة لمفهوم الجندر عبر قوانين وسياسات الدولة والإعلام والنظم والمبادرات التعليمية، وأصبح للقوانين الوطنية المتعلقة بحقوق المرأة، هدف واضح يتمثل في إصلاح هيكل وحدة الأسرة على أساس خطوط المساواة بين الجنسين، وشكلت الجمعيات النسوية الحاضنة لهذه الأفكار وقبلت أن تكوّن مع الأنظمة تحالف خط الدفاع المتقدم عن الحضارة الغربية في بلاد المسلمين.
فماذا يعني مفهوم الجندر؟ وهل يصلح في بلاد المسلمين؟ وهل يحقق فائدة ترجى للمجتمع؟
يُطلق مصطلح النوع (الاجتماعي) الجندر على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها البشر لكل من المرأة والرجل، لذلك تبعد القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية في مسألة التساوي ويركز على المساواة الكاملة بغض النظر عن الفوارق بين المرأة والرجل في كل شؤون الحياة.
الجندر ويترادف معه مصطلحا تكافؤ الفرص و(العدالة الاجتماعية) ويقصد به المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع النواحي.
والفكرة الأساسية مستوحاة من كتاب الفيلسوفة الوجودية سيمون ديبو فواغ "الجنس الثاني" والتي ذكرت فيه مقولة مفادها "لا يولد الإنسان امرأة، إنما يُصبح كذلك"، وهذه المقولة أصبحت الخلفية الفلسفية الأساسية لدى الناشطات المهتمات بالترويج لمفهوم الجندر العاملات بمساندة الغرب على إدماجه في كافة مجالات الحياة والتنمية على اعتبار أنه المنطلق الأهم لتجريد الذكورة والأنوثة من كافة الفوارق البيولوجية أو التاريخية التي يمكن أن تكون سبباً في أي تمييز جنسي بين الرجال والنساء، ويعتقدون أنه بذلك تتحقق العدالة، وكان وضوح المفهوم في أمريكا حيث نشأة فكرة الجندر، فقد ألفت النائبة النسوية الأمريكية بيتي فريدان وهي إحدى مؤسسات الحركة النسوية المعاصرة في كتابها المعروف The Feminine Mystique الذي أكدت فيه على الآتي:
"إن ربات البيوت الأمريكيات إن بدأن حياتهن المهنية فسيكنَّ أكثر سعادة وصحة، سيتمتعن بزيجات أفضل وأطفالهن سيحققون النجاح"، ومصدر إلهامها يتمحور حول مقولة فريدان بأن الوظيفة لا الأمومة هي ما يمكن أن تقدم للمرأة إنجازات ذاتية وقيمة ونجاحاً في الحياة.
وشكلت مخرجات مؤتمر بيجين لاحقاً الأساس لكل الاتفاقيات التي تخص الأسرة بما فيها اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي وجه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بالإمضاء عليها.
وعلى سبيل المثال، جاء نص منهاج عمل بيجين 245 (أ): "تشجيع التقاسم المنصف للمسؤوليات الأسرية عن طريق حملات لوسائط اﻹعلام تركز على المساواة بين الجنسين وأدوار الجنسين التي ﻻ تقوم على القوالب النمطية داخل الأسرة"، وهم هنا يحاربون الأسرة المكونة من زوجين وأبناء، كما تدعو المادة 179 (د) الحكومات على وجه التحديد إلى "وضع سياسات في مجال التعليم تتناول، في جملة أمور، تغيير الاتجاهات التي تعزز تقسيم العمل على أساس نوع الجنس، بغية تعزيز مفهوم تقاسم المسؤوليات الأسرية في العمل وفي المنزل، ﻻ سيما فيما يتعلق برعاية الأطفال وكبار السن"، فوصلوا بذلك إلى حتمية إعطاء الزوج إجازة أبوة، كما نصت المادة 276 (د) على ما يلي: "اتخاذ الخطوات الكفيلة بألا تتخذ التقاليد والأديان ومظاهر ممارستها أساساً للتمييز ضد البنات" مع الملاحظة بأنه وفقاً للمساواة بين الجنسين، فإن "التمييز" هو أي معتقد أو ممارسة تتعارض مع مساواة الأدوار والمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، بما في ذلك في الحياة الأسرية!! وهنا الوضوح في طرح إلغاء الدين في العلاقات الأسرية.
لم يكن هذا المصطلح الشاذ المتعارض مع عقيدة الأمة وشرعها الحنيف ليجد موطئ قدم في بلاد المسلمين لولا التضليل والخداع بالشعارات البراقة التي تروج لفكرة الجندر بأنها تعني الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية ...الخ وبواقع أن المرأة في بلاد المسلمين تعاني ما تعانيه وتحرم من الحقوق ليس لأن الإسلام مطبقاً، فالإسلام غائب عن سدة الحكم ما يقرب من المائة عام، لكن بسبب المنظومة الاقتصادية الرأسمالية الحاكمة التي حُرمت فيها المرأة من كل مقومات الحياة مثلها مثل الرجل، وبذلك الخبث تم إغراء النساء والعامة من الناس ليؤيدوا فكرة الجندر كمخرج مما تعانيه المرأة.
وإنه لحري بنا أن نتساءل: ماذا جنت النساء من مزاحمة الرجال في ما هو حق لهن وفي ما ليس لهن فيه حق؟ اللهم إلا إحداث الارتباك وإشاعة الخلاف في الحياة الزوجية وتضارب المسؤوليات، كما أدى إلى إهمال حقوق الأطفال ورفاهيتهم وساهم في التقليل من قيمة الأمومة واضطر المرأة للتخلي عن دورها كأم وربة بيت بأن تقوم بوضع أبنائها في حضانات لأجل تحقيق التمكين والمساواة في العمل، كما أنه أدى إلى تآكل مسؤولية الرجال عن أسرهم ما دامت المرأة عاملة ولها دخل يساوي أو يزيد عن دخل الرجل، وأثقل كاهل المرأة بمهام الرجل في الحياة الأسرية... كل هذا خلق وضعاً بعيداً عن أدنى معاني السعادة وجعل الأسرة هي الضحية.
في الغرب وصلت الأسرة مراحل مريعة من الدمار والتشظي نتيجة لتبني فكرة الجندر لدرجة زادت عن الحد الذي وضعت له بوصفها تقاسم أدوار بالتساوي بين المرأة والرجل، فها هي بعض الدول الغربية اليوم تمنع الأفكار أو الصور التي تقدم الأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية، فهي ممنوعة في الإعلانات أو المواد التعليمية، وها هم على أعتاب ما قالته المؤلفة النسوية الليبرالية سوزان مولر أوكين: "إن المستقبل العادل سيكون دون جندر". وهل حكامنا اليوم الذين عاشوا في الغرب يخفى عليهم ذلك؟!
والحقيقة الغائبة من الغرب وعملائه من حكومات وجمعيات نسوية هي أن المجتمع في السودان ليس مجتمعاً غربياً بأفكاره وبمفاهيمه، ولو أنه يتعرض لمحاولات التغريب من تلك المؤسسات التي لا تفكر إلا في الدعم والمنح، لهذا لا تخرج في وضع أولوياتها عن الالتزام بأولويات وثقافة الجهات المانحة لها من أجل استمرار الدعم المالي لها فحسب، وهي بالضرورة تختلف عن أولويات مجتمعنا الذي جل أهله مسلمون يتطلعون إلى تحقيق الحاكمية لله وهم يستبشرون بدعوة الحق لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي أظل زمانها بإذن الله.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)