- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ضعف الأمم وقوة الله سبحانه وتعالى
(مترجم)
هنالك من المسلمين من يجادلون بأن إقامة شريعة الله سبحانه، بإقامة الخلافة على منهاج النبوة هو أمر غير ممكن، حيث يدّعون أن الدول القويّة كأمريكا والدول الأوروبية وروسيا والصين وغيرها سيتحدون لتدميرها فور إقامتها. كما يجادل غيرهم بأن تحريك جيوش المسلمين، كالموجودة في باكستان وتركيا ومصر وغيرها لتحرير البلاد الإسلامية المحتلّة التي تتعرض للاضطهاد والقتل، كما يحدث في فلسطين وسوريا وكشمير، سيكون انتحارا سياسيا وعسكريا للدول ذات الأغلبية المسلمة، حيث يدّعون أن نتائج مثل تلك المواجهات العسكرية ستكون بشكل مؤكد إلحاق الهزيمة بالمسلمين، حيث إنهم لن يواجهوا جيوش الأعداء التي تفوقهم عددا وعدّة فقط، بل أيضا سيواجهون حلفاء أعدائهم ومؤيديهم من الغرب أو الشرق. والادعاء الأساسي لهذا كله هو أن الدول القوية اليوم لا تُقهر، وهي منيعة، ولا يُمكن إلحاق الهزيمة بها، وقدرها أن تحكم العالم إلى الأبد - وهذا يعكس آراء قادة الدول الحالية التي تمسك بزمام العالم، بمن فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي قال في آب/أغسطس 2017، أثناء نقاشه للترسانة النووية الأمريكية: "نأمل أننا لن نضطر أبدا لاستخدام هذه القوّة، لكن لن يكون هنالك وقت لن نكون فيه أقوى أمة في العالم".
أن يكون لأي مسلم مثل هذا الاعتقاد يولد لديه عقلية انهزامية تجعله يستسلم للوضع الراهن، سامحا للاضطهاد والظلم والمعاناة بالاستمرار في هذا العالم دون أن يواجهها. حيث يعتقد المسلمون بمثل هذه العقلية أنه يمكن للتغيير أن يحدث فقط من خلال العمل ضمن إطار مؤسسة قائمة كالأمم المتحدة أو من خلال دبلوماسية مزدوجة بين الأمم والأحزاب المتصارعة، والتي من شأنها أن تجعل من الواقع القمعي أمرا دائما. هذا لأن مثل تلك المؤسسات والأفعال قد أثبتت على مرّ الزمان، مرة تلو الأخرى، فشلها الذريع في حماية دماء الأبرياء وقهر الحكام أو الأنظمة أو الكيانات المستبدة. بل على العكس تماما، فقد كانت أداة استخدمتها أمم العالم القوية للحفاظ على الوضع الراهن حسب مجال تأثيرهم أو هيمنتهم في العالم.
إن مثل هذه الأحكام الانهزامية تأتي نتيجة ضيق الحسابات التي تتعلق بنتائج الأفعال بالاعتماد على وقائع هذا العالم فقط. لذلك يُفترض أن دولة بقوة عسكرية عظيمة لا يمكن أن تهزمها دولة أقل قوّة، وكأن التحكم بنتائج الأحداث السياسية والعسكرية كالتحكم بأحجار الشطرنج. حيث إن مثل هذه العقلية تتجاهل حقيقة أن هناك عاملا خارجيا في هذا العالم وهو الذي يحدد انتصارت وقوة واستمرارية الأمم: وهو الخالق، الله سبحانه وتعالى، القوي والقادر على كل شيء. وهذا ما تجلّى عندما تسبب فيروس كورونا، وهو كائن مجهري لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، بالشلل لاقتصادات قوى عظيمة حاليا في العالم - وهذا من شأنه بالتأكيد أن يفتح أعين أولئك بالعقل ليروا ضعف الأمم والقوة العظمى لله سبحانه وتعالى.
إن مثل هذا الدرس ذُكر في القرآن الكريم مرارا، كيف أن أمماً قوية وإمبراطوريات عظيمة ظنت أنها لا يمكن تدميرها أو هزيمتها رفضت الانصياع لله عز وجلّ وطغت وتجبرت، مسحها الله سبحانه الذي يقرر لمن يمنح قوته، من على وجه البسيطة. فهذه الآيات القرآنية هي تذكير صارخ للمؤمنين بأن الله سبحانه هو وحده الذي لا يُقهر. حيث قال الله سبحانه: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ [الأنعام: 6] كما قال سبحانه: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: 11]، وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [التوبة: 70].
فقصة قوم عاد في القرآن هي أقرب مثال لواقع القوى العظمى اليوم واعتقادهم أنه لا يمكن هزيمتهم. فقوم عاد كانوا أول من عبد الأوثان بعد قوم النبي نوح عليه السلام، الذين هلكوا بالطوفان العظيم الذي أرسله الله عز وجل. ففي سورة الفجر يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ [الفجر: 6-8]. فقوم عاد لم يكن لهم مثيل أو منافس بين الأمم في القوة والعظمة التي منحها رب العالمين لهم. وفي يومنا هذا فإن قوة الدول العظمى لا تساوي شيئا أمام القوة والسطوة التي تمتع بها قوم عاد، فقد حكموا كل البلاد التي كانت حولهم، وكانت قوانينهم - أيا كانت - لا يمكن لأي أحد أن يعارضها. أما اقتصاديا، فتمتع قوم عاد بالثروة والرفاهية، وامتلكوا أجمل الينابيع والحدائق. لقد امتلكوا من الثروات حتى أنهم كانوا يبنون القصور الفارهة على رؤوس الجبال ولا يسكنها أحد؛ بنوها فقط للمتعة ولإظهار مستواهم الرفيع. ولقد أنعم الله سبحانه عليهم بالنسل، حيث كانوا أمة عظيمة بعددها، وعظيمة بأجسادها التي كانت ضخمة وقوية. ومنحهم الله المهارة والذكاء لبناء مدنية متقدمة.
إلا أنهم ومع كل القوة التي تمتعوا بها، أصابهم الغرور وكفروا بالله عز وجل وبرسالة رسوله هود عليه السلام، الذي أرسله تعالى ليهديهم لعبادة الله وحده. فقد ادّعوا أنهم أعظم أمة على الأرض وليسوا بحاجة إلى الهداية من أي كان. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: 15] وعوضا عن استخدام قواهم بحكمة من أجل الخير، تشاركوا بالأذى وتصرفوا بوحشية. لهذا أرسل الله عز وجلّ عليهم ريحا شديدة دمرتهم ليكونوا عبرة للأجيال القادمة - أن الله عز وجل بيده كل القوة، وأنه هو القاهر والقادر على كل شيء، الذي يقرر نهوض وسقوط الأمم. قال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: 6-8]
فهذه الأمة العظيمة مُسحت عن وجه البسيطة بظرف أيام بقدرة الله سبحانه، فأصبحوا كأنهم لم يكونوا يوما؛ مدمرين من الرياح التي لا يمكن لعين الإنسان أن تراها - حيث يمكن فقط الإحساس بتأثيرها. سبحان الله! فالله أخذ عهدا في سورة الفجر، مؤكدا أن نهاية الطغاة والظالمين في هذه الدنيا والذين يكفرون به هي الدمار، فالله سبحانه لا يسمح للاضطهاد والمعصية أن تستمر بالسيطرة على الأرض. قال تعالى: ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر 12-14]. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: 61]
فهذه سنة الله في تعامله مع الحكام والأمم الطاغية الظالمة خلال القرون التي مضت، التي ترفض الحق، وتنشر الفساد، وتعادي وتلاحق المؤمنين. فقد رأينا كيف أن الله سبحانه دمر النمرود الملك الطاغية الذي ظنّ أنه هو رب العالمين، بمخلوق صغير كالناموسة التي دخلت فتحة أنفه حتى وصلت إلى دماغه. ورأينا كيف أن نبي الله داوود عليه السلام قضى على قائد جيش فلسطين جالوت الضخم والقوي والذي كان عدوا لله سبحانه، بضربة واحدة من حجر صغير. ورأينا كيف أن فرعون الذي حكم إمبراطورية عظيمة غرق في البحر مع جيشه. ورأينا أيضا كيف أن حبيبنا رسول الله ﷺ هزم قريش في غزوة بدر، وكيف أن المسلمين هزموا إمبراطورية فارس العظيمة في معركة القادسية أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على الرغم من أن الأعداء كانوا يفوقون المسلمين عددا وعدة خلال هذه الحروب. فالله سبحانه يقول: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: 9]. فالقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذه الأمم والإمبراطوريات التي دمرها الله سبحانه فاقت وبشدة ما للدول العظمى اليوم. يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر: 44]. كل هذا ما هو إلا درس مستمر لبني البشر يُظهر أن القوة لله وحده، وأنه مهما علت وتقدمت الحضارة وكانت قوية، فإنه عندما يريد الله سبحانه تدميرها، يحدث ذلك بكل سلاسة. وهي تذكرة مهمة كيف أن الله عندما يريد النصر للمؤمنين على أعدائهم، فلا يمكن لأي قوة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية منع ذلك.
ورغم كل هذا، لا يزال هناك من المسلمين من يجادلون بأن مثل تلك الانتصارات للمسلمين على أعدائهم ما هي إلا قصص من الماضي، مرتبطة بوجود رسل أو صحابة في تلك الأزمنة، ولا يمكن أن تؤخذ كمثال حول كيف على المسلمين أن يتعاملوا مع الوقائع السياسية اليوم. إلا أن مثل هذا الادعاء يمكن نفيه من خلال الانتصارات الهائلة الكثيرة التي حققتها هذه الأمة بإذن الله سبحانه ضد أمم قوية في ظل قرون من الحكم الإسلامي بعد زمن الصحابة والخلفاء الراشدين. فعلى سبيل المثال، الانتصار العظيم الذي حققه المسلمون أمام الصليبيين تحت قيادة القائد المسلم العظيم صلاح الدين الأيوبي، في زمن الخلافة العباسية، والذي أدى إلى تحرير أرض فلسطين المباركة والمناطق التي تحيط بها من قبضة الصليبيين الظالمين. ففي الحملة الصليبية الثالثة التي تلت معركة حطين وتحرير القدس، قامت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بتشكيل حلف تضمن جيشا ضخما، قاده ملوكهم، في محاولة لاستعادة المدينة المقدسة. وبعض التقديرات تشير إلى أن الجيش الألماني وحده بلغ قوامه حوالي 300,000 جندي - وهو رقم ضخم في ذلك الوقت. غير أنه وعلى الرغم من تواضع عدد جيش صلاح الدين مقارنة بالحلف الصليبي، إلا أنه تمكن من الدفاع عن القدس، لأنها أرض مباركة في الإسلام، وهذا أمر الله سبحانه وتعالى. وقد بلغ أنه أثناء مسير الفصيل الألماني من الجيش الصليبي نحو الشام، مات ملكهم فريدريك بارباروسا، ثم انتشر بين الجنود المرض والشقاق، حتى إنه في الوقت الذي وصل فيه الجيش إلى الشام لمواجهة صلاح الدين، لم يتجاوز عددهم بضع مئات من الجنود، الذين كانوا في حالة يرثى لها من الضعف والانكسار. وفي الوقت ذاته، أصيب الملك الفرنسي فيليب الثاني بالمرض أثناء حصاره لعكا، وعاد بجيشه إلى فرنسا، تاركا الملك ريتشارد ملك بريطانيا لمواجهة صلاح الدين وحده. إلا أن جنود ريتشارد أيضا كانوا يعانون بشدة من الحرّ ونقص المياه النقية، وفي الليل كانوا يعانون أيضا من العنكبوت الذئبي الذي كانت عضته سامة. وفي الوقت الذي أصبحت القدس فيه تحت أنظارهم، لم يكن هناك سوى 2000 جندي قادر على القتال والذين لم يتمكنوا من الاستيلاء على المدينة. الله أكبر! إنه فعلا درس عظيم للمسلمين بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤيد المسلمين الذين يتبعون أحكام الإسلام ويعملون من أجله.
لقد شهدنا العديد من الانتصارات المشابهة على مرّ تاريخ الإسلام، عندما قاتل المسلمون من أجل الدين واستجابة لأوامر الله سبحانه بالدفاع عن الإسلام والمسلمين، بغض النظر عن الأعداد أو القوة العسكرية مقارنة بالأعداء. ففي القرن الـ13 على سبيل المثال، قام التتار، وهم أمة متوحشة وقوية، بالهجوم على الخلافة، فقتلوا الخليفة واحتلوا حوالي ثلاثة أرباع البلاد الإسلامية حسب بعض التقديرات. وفي أثناء سيرهم نحو مصر، التي كانت آخر معاقل المسلمين، أرسل التتار رسالة إلى حاكم مصر، محمود سيف الدين قطز، قالوا فيها: "لقد قضينا على البلاد، ويتمنا الأطفال، وعذّبنا الناس وذبحناهم، أذللنا عزيزهم وأسرنا قائدهم. فأين تظن نفسك هاربا منّا؟" وطلب قطز المساعدة من حكام وعلماء بلاد الخلافة، داعيا إياهم إلى التوحد والوقوف دفاعا عن الإسلام وتركيز المسلمين لتحرير البلاد الإسلامية. وفي معركة عين جالوت تحت قيادته، وخلال شهر رمضان، نال المسلمون نصرا مؤزرا ضد التتار، الأمر الذي ساعد قطز على تحرير العديد من بلاد الخلافة التي تم احتلالها.
وبالفعل فإن الأمثلة على الانتصارات التي منّ الله سبحانه بها على الأمة عندما قاتلت في سبيله واستجابة لأوامره، كثيرة جدا لنذكرها. وبالتالي، فإن الشرط لتحقيق النصر للمسلمين ضد أعدائهم من الأمم والدول، والحكام والأنظمة الظالمة، ليس وجود الأنبياء أو الصحابة، وليس الموازنة بالعدد، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249] فالكافرون يستخدمون منطق الموازنة بالأعداد والقوة السياسية والعسكرية للحكم على نتائج الحرب والصراعات السياسية العالمية. إلا أن هذا لا يجب أن يكون أبدا طريقة لتفكير المؤمن، لأننا نعلم أن الله سبحانه لا ينصرنا اعتمادا على منطق تفكير البشر المحدود. بل إنه سبحانه وتعالى له مبدؤه الذي عليه يحقق النصر: طاعة المؤمنين لأوامره، والتوكل عليه، والسعي لنصرة دينه الإسلام! قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]
فها نحن نرى كيف أن الله سبحانه منح نصره للمسلمين في غزوة بدر، مع أن عددهم كان يساوي ثلث جيش قريش، لكنهم لم يقاتلوا إلا لنيل رضا الله عز وجل وليكون الإسلام هو الأعلى. إلا أن الله سبحانه سمح أن يجرب المسلمون طعم الهزيمة أمام أعدائهم في غزوة أحد، على الرغم من أنهم كانوا مجهزين عددا وعدة بشكل أفضل لمواجهة قريش. وذلك لأنه في أحد، خالف الرماة على جبل أحد أوامر الرسول ﷺ بالبقاء في مواقعهم، رغبة منهم في نيل مغانم الحرب، وبالتالي هم عصوا أوامر الله سبحانه. كما رأينا في الخلافة أيضا أنه عند الالتزام بتطبيق أحكام الإسلام، وتحقيق الوحدة بين البلاد الإسلامية، فالخلافة كانت قوية كما وعدنا الله سبحانه. حتى أصبحت القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية هائلة حتى سيطرت على العالم، وخشيها كل الأعداء، وظفرت بالنصر تلو الآخر حتى توسعت حدود الحكم الإسلامي في مناطق شاسعة من البلاد - من إسبانيا وحتى وسط آسيا. ولكن عندما تهاون المسلمون في دراستهم وفهمهم وتطبيقهم للإسلام في دولة الخلافة، وبدأوا بأخذ الأفكار من مبادئ أخرى، وتشتتوا بالانبهار بالعالم، أصبحت الدولة ضعيفة. مما جعلها مكشوفة لألاعيب ومؤامرات الأمم المحتلة، مضعفة إياها، وفاتحة بابها للهزائم العسكرية والانقسام والاستعمار، وانتهاء بالدمار.
إن القرآن والسيرة وتاريخنا الإسلامي يمنحوننا الكثير من الدروس التي يجب علينا أن نبني من خلالها نظرتنا وقناعتنا الواضحة بأنه يمكننا إقامة نظام الله تعالى، الخلافة، بمشيئة الله تعالى، بغض النظر عن مقدار القوة والتقدم للدول القوية الحالية التي تقاوم عودتها، إذا عملنا كما أمرنا ديننا، بطاعة ربنا تعالى. وإذا آمنا بقدرة الله تعالى وحقيقة ديننا، عندها علينا أن نكون متأكدين تماما من أن جيوش المسلمين اليوم يمكنها تحرير إخوتنا وأخواتنا المضطهدين في سوريا وفلسطين وكشمير والصين وميانمار وفي أي مكان آخر، بغض النظر عن حجم جيوش الدول الأخرى، وذلك لأن جيوشنا تستجيب لأوامر الله تعالى وحده وهي: الدفاع عن حياة وبلاد المسلمين. إن هذه القناعات واليقين متأصلة بكلمات كثيراً ما نرددها لكن قليلاً ما ندرك حقيقة معناها - لا حول ولا قوة إلا بالله! ومما لا شك فيه أن الله سبحانه يمنح النصر لأولئك الذين ينصرونه وينصرون دينه. يقول تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [البقرة: 251 - 252]
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير