- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يريدون تفصيل دين جديد لا علاقة له بالإسلام
﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
تسلم عضو مجلس السيادة الانتقالي صديق تاور توصيات "مؤتمر الإسلام والتجديد بين الأصل والعصر" الذي اختتم أعماله عصر اليوم بقاعة الصداقة بالخرطوم، ودعا المؤتمر إلى ضرورة حياد الخطاب الديني واستقلاله عن المؤثرات التي تؤدي إلى انحرافه عن الحق، بجانب تطوير الخطاب الديني وتجديد قضاياه مع ربطه بمقاصد الشريعة، ومطالب الشعوب، والاعتماد على الحقائق العلمية الحديثة في كل العلوم، في إعادة تفسير النص القرآني، وأمّن المؤتمر على وضع معايير للقوانين الوضعية، بحيث لا تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية وحرية الاختيار بين أقوال العلماء، بناء على ما يستجد من قضايا ونوازل، علاوة على إحياء القيم التي تؤسس للعلاقة مع الآخر.
وأمّن المؤتمر على أن يقوم مجمع الفقه الإسلامي بعرض وشرح المبادئ والقواعد المقاصدية، مع الاستفادة من منهاج التجديد في الفكر الإنساني، واعتماد مقاصد الشريعة الإسلامية ضمن المقررات الدراسية في الجامعات، واستنباط الأحكام الشرعية للقضايا المعاصرة على ضوء جلب المصالح ودفع المضار، وسد باب الذرائع، وعدم الضعف أمام موجات الضغط الفكرية التي يتعرض لها المسلمون.
وأكد المؤتمر أهمية الاعتراف بالرأي والرأي الآخر، وإمكانية تعدد الصواب في القضايا الخلافية، وعدم إنكار الخلاف في القضايا الخلافية، كما طالب بضرورة التجديد الذي يقوم على الاجتهاد والرؤية والدراية والفهم العميق للنص، والواقع الذي ينبغي أن يستمر في حياة الأمم والشعوب مع الانضباط بضوابط الشرع والعقل.
وأقر المؤتمر ضرورة إقامة المزيد من الندوات والمؤتمرات والبحوث، لترسيخ معاني التجديد بمفاهيمه المستنبطة، وأن يكون التشريع للناس هو التشريع المحكوم بالكتاب والسنة وأدلة الفقه المعتبرة، بجانب معرفة مواطن الاجتهاد والنظر والبحث الفقهي في دائرة المتغيرات، كما طالب العلماء الاضطلاع بدورهم في حماية الثوابت والأصول القطعية. يذكر أن مؤتمر الإسلام والتجديد بين الأصل والعصر المنعقد تحت شعار "رسالة متجددة لعالم متنوع" قد ناقش المؤتمر عبر ست جلسات عمل (27) ورقة علمية. (سونا 2020/10/25م).
ما هو المراد من دعوة المؤتمر إلى حياد الخطاب الديني واستقلاله عن المؤثرات؟ وما معنى حياد، وهل ينطبق ذلك على واقع الإسلام بوصفه ديناً جاء للتفريق بين الحق والباطل؟ فهل يعقل أن يكون الحياد موقفا لعلماء الأمة، وحلا صائبا في ظل الظروف التي يعيشها المسلمون اليوم؟ ألا يُعَدّ النأي بالنفس والبقاء على الحياد خيانة للأمانة وهروباً من المسؤولية التي كلفهم بها الله سبحانه بوصفهم ورثة الأنبياء؟!
إن الحياد مصطلح يستخدم في مجال العلم للدلالة على "ترك البحث في قضية من القضايا، والوقوف موقف العدل والإنصاف"، ويعدون التلبس به مما يمدح به الباحث، ويدل على عدم حيفه واستجابته لعواطفه التي قد تخالف ما يظهر له من حقائق علمية، فمصطلح (الحياد) تسرب إلى المجال السياسي من المجال العلمي؛ حيث عرف هذا المصطلح حديثاً في عالم السياسة (بعد الحربين العالميتين) بمعنى عدم التحيز إلى أحد من الطرفين المتصارعين وتم استخدامه في الحرب الباردة، ووُصفت دول عديدة بعدم الانحياز، وقد تجسد بشكل عملي لأول مرة في مؤتمر باندونج، وبذلك أصبح الباحث في أي مجال يعرض المسائل عرضاً دون هوية، أو ميل للانتصار للحق أو مدافعة للباطل، ليثبت للآخرين بأنه (محايد)! أو لا يُحكم عواطفه بل عقله... وتتضح خطورة وخطأ هذا المصطلح وعدم انطباقه على الخطاب الإسلامي عندما يتلبس به علماء المسلمين في حديثهم عن الحق والباطل، وعن أمور الديانات والعقائد الفاسدة، أو لاتخاذ مواقف تجاه القضايا الراهنة حيث إن أي تأثر بهذا المصطلح يفرغ الإسلام من محتواه، فكيف بمن عرف الحق أن لا يتلبس به ولا ينصره ولا يدافع عنه؟! خاصة إذا علم به؟!
فلا حياد أبدا في الإسلام، وقد أمر الله تعالى المؤمنين في كتابه، بأن يتصفوا بالعدل ويكونوا مع الحق عندما يحكمون بين الناس، فيعلم الظالم من المظلوم، أو بين الأفكار فيعلم صحيحها من سقيمها، قال سبحانه: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾ وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾. فالمسلم مطالب بالعدل في ما يصدره من أحكام، وهو أن يضع الشيء في موضعه الذي وضعه الله فيه شرعاً، فيمدح ما مدحه الله ويذم ما ذمه، ويدور مع ما دل عليه الكتاب والسنة، ولو خالف بذلك عواطفه أو أهواءه، فضلاً عن عواطف وأهواء الآخرين، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
وتأتي دعوة المؤتمرين إلى تطوير الخطاب الديني، وتجديد قضاياه، مع ربطه بمقاصد الشريعة ومطالب الشعوب والاعتماد على الحقائق العلمية الحديثة في كل العلوم، في إعادة تفسير النص القرآني كدعوة خبيثة جعلت مقصد الشريعة (الذي إن تحقق فالحمد لله وإن لم يتحقق فلا بأس ما دام دين الله ظاهرا متحكما في علاقات الناس) جعلته أهم من الشريعة، وجعلت ذلك هو الأساس!! فأين الدين في الواقع حتى تتحقق مقاصده؟ وهل مقصد الشرع الذي يجب تتبعه أم هو الشرع نفسه؟
أما الاعتماد على الحقائق العلمية الحديثة في تفسير النص القرآني، فهو نفي لحقائق جوهرية في عقيدة المسلمين، لا يستطيع العلم الحديث إثباتها أو نفيها لأنها لا تقع تحت حس البشر، مثل أبحاث العقيدة؛ من وجود الله والملائكة واليوم الآخر وعذاب الله ونعيمه... فكيف يبحث العلم الحديث هذه الأبحاث وغيرها؟ لكنه منهج المتشككين، وهو منهج قديم تجدد في أوروبا مع وجود العلمانية، وهو منهج ملعون ابتدع لإبعاد الناس عن الدين، والتشكيك فيه حتى يبعد الدين عن الحياة، وتنفرد العلمانية، وتتحكم في مصائر الناس. أما الهدف الغبي أو المتغابي للمؤتمر فهو وضع معايير للقوانين الوضعية حتى لا تخالف مقاصد الشريعة، وهذه فرية لا يصدقها عاقل، فكيف تكون هناك قوانين وضعية تحقق مقاصد الشريعة؟! كيف يحكم بغير ما أنزل الله ويتحقق مقصد الشريعة؟!
أما دعوة المؤتمرين لمجمع الفقه الاستفادة من منهاج التجديد في الفكر الإنساني، فهي دعوة فضحت مآرب هذا المؤتمر والقائمين عليه، الذين يريدون تصميم دين جديد لا علاقة له بالإسلام، يأخذ في الاعتبار الفكر الإنساني الذي يحوي كل الأباطيل والضلالات، ومنها العلمانية المعاصرة التي تسيطر على عقولهم!! ولذر الرماد في العيون وضع هدف اعتماد مقاصد الشريعة ضمن المقررات الدراسية في الجامعات، ليظن الناس أنهم حريصون على الشريعة التي هي في حقيقة الأمر وراء ظهورهم، ويتحدثون عن مقاصدها!!
وفي تحريف عظيم لدين الله، وضع المؤتمر هدفاً من أهدافه، وهو استنباط الأحكام الشرعية للقضايا المعاصرة على ضوء جلب المصالح ودفع المضار، وسداً لباب الذرائع، في تزوير للأدلة الشرعية المعتمدة؛ وهي كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وإجماع الصحابة والاجتهاد بعلة شرعية، ولا غرابة بعد تلك المنزلقات لهؤلاء المؤتمرين أن يكون الشرع والعقل من الضوابط الأساسية، فليس الشرع وحده السيد المتحكم، كما هو فرض معروف حتى عند عوام الناس، بل العقل البشري الناقص والعاجز الذي لا يحيط بالوجود جعل ضابطاً للقضايا الخلافية! ما يعني خروجها عن الفهم الشرعي للاختلاف إلى سيادة حكم العقل، وهذه هي العلمانية في أبشع صورها لأنها تتلبس بالدين وفي الوقت نفسه تحاربه!
وبذلك يتضح بشكل جلي أن مؤتمر الإسلام والتجديد بين الأصل والعصر، ما هو إلا فصل من فصول الخيانة لله ولرسوله ﷺ، خدمة للأجندة (الأورو-أمريكية) في حرب الغرب الناعمة على الإسلام، تلك الحرب التي سمتها مراكز البحوث الأمريكية بحرب الأفكار، الحرب التي استطاعت أمريكا أن تجيَّش لها جيوشاً ممن يخدم مصالحها في بلاد المسلمين، مثل هؤلاء العلماء المأجورين، وهذا ليس بأمر جديد، وإنما خطط له الرئيس الأمريكي السابق أوباما حيث تحدث في 2015/02/18م، عن استخدام الولايات المتحدة لحكومات وجماعات وتنظيمات، لتنفيذ الحرب الفكرية الحضارية، ووعد بالدعم السخي لهذه الحكومات والجماعات والتنظيمات التي وصفها، بالمعتدلة.
وخطابنا اليوم لهؤلاء المؤتمرين ما هو إلا معذرة إلى ربنا، لعلهم يرجعون، ففيهم من له علم بشرع الله، فكيف بالله هان عليكم رضا ربكم، وآثرتم الحياة الدنيا وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة!! فثوبوا إلى رشدكم، واخلعوا عنكم ثوب العمالة والارتزاق، الذي تسربلتم به، فإن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله، ستحاسبكم على خيانتكم لدين الله ولو تعلقتم بأستار الكعبة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم