- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
دستور "مرملاد"
هل تتذكرون قصة "مرملاد" تشيخوف؟
ذات يوم جاءت ثلاث نساء يُظهرن أنهن مهتمات بالسياسة إلى تشيخوف وسحبنه إلى المحادثة:
- "أنطون بافلوفيتش، في رأيك بم تنتهي الحرب؟"
- "بسلام..."
- "نعم بالطبع. ولكن من سيفوز، اليونانيون أم الأتراك؟"...
كانت الأسئلة تستمر على هذا النحو، ويُجيب عليها تشيخوف بشكل عام.
سألته إحدى النساء: - "من الذين تحبونهم أكثر، اليونانيون أم الأتراك؟"
فأجاب أنطون بافلوفيتش: - "أنا أحب مرملاد، وأنت...؟"
قالت: "أوه، أنا أيضاً أحبه".
وقالت زميلتها: "كم هو رائع".
بعد ذلك، استمرت المحادثة حول مرملاد، وبقيت السياسة في الهامش.
(* مرملاد هو مربّى الحمضيات مع قشورها، ويعدّ أشهر أنواعه من البرتقال)
والآن نعود إلى موضوعنا... إن شعب قرغيزستان الذي عاني مصاعب الحياة يتمرد دائماً ويضحي بنفسه أملا في حياة أفضل، ولكنّ السياسيين يثيرون دائماً مسألة الإصلاح الدستوري رداً على ذلك، ثم تنتقل المناقشة إلى نظام الإدارة، وبعد ذلك يُوَجه الرأي العام على الاستفتاء، وفي نهاية المطاف سيبقي الناس عَضّا "مرملاد".
إذاً "انقلاب أكتوبر" الماضي سار في الاتجاه نفسه، والآن النقاش بين الناس يدور فقط حول الدستور الجديد، والحكومة الجديدة تدفع الحكم الرئاسي إلى الأمام، وتسعى المعارضة للحفاظ على الحكم البرلماني.
لطالما استخدم السياسيون عبارة "حرمة الدستور" و"الدستور مقدس" و"الدستور قانون حتمي (Imperiative)". في الواقع، الدساتير الحالية لا حرمة لها، بل صارت كمنديل اليد. كان أكاييف يقول عن الدستور الأول "إنه كتب لقرن واحد"، ومع ذلك فقد تدخّل هو نفسه أربع مرات. وفي عهد باكييف تغير الدستور مرتين في غضون شهرين، وتم تغييره ثلاث مرات على العموم. فيما بعدُ وضع أعضاء الحكومة المؤقتة دستوراً جديداً وأوقفوا التعديلات حتى عام 2020، ولكن أتامباييف عدله في عام 2016... إن تحويل هذه الدساتير إلى منديل يد من مطوريها يعني أنها ليست مقدسة على الإطلاق.
الآن، بالنسبة لكون الدساتير الحالية ليست "قانوناً حتميا (Imperiative)" فهذا يتعلق بالسياسة العالمية. فقد أنشأت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية الأممَ المتحدة لإبقاء العالم في قبضتها. ومنذ ذلك الحين، تمت صياغة دساتير دول العالم وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. إن هذه القوى الاستعمارية الكبرى كانت تسن قوانين اتفاقية فينّا منذ الستينات في إطار ميثاق الأمم المتحدة من أجل تعزيز هيمنتها وتوسيع نفوذها. هذه القوانين تعد رسمياً قواعد إجبارية للبلدان في جميع أنحاء العالم. المعنى اللغوي لكلمة "Imperiative" هو الإلزامي، ولذلك تسمى قوانين اتفاقية فينا في المصطلحات قواعد إلزامية. وبالتالي فإن دساتيرنا ليست قوانين إلزامية، عليها تقف اتفاقية فينّا.
أما السياسة الدولية، فإن القوى الاستعمارية تستخدمها لمصالحها الخاصة، بغض النظر عن نظام الحكم في دستورنا. على سبيل المثال، الحكم الرئاسي في قرغيزستان يطابق مصلحة روسيا، لأنها مهتمة بتحقيق استعمارها من خلال شخص واحد. فإذا كان الرئيس يتمتع بصلاحيات كبيرة وكان موالياً لروسيا، فسيكون من الأسهل إبرام العقود معه وتنفيذها. وإذا ظهرت حركة خطيرة ضد روسيا فإنها تهدد البلاد بإنشاء عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وإذا بلغ الوضع مبلغ الجدّ ستدخل وتستقر عسكريا بحجة طلب المساعدة من الرئيس الرسمي.
بينما الغرب يهتم بوجود حكم برلماني في قرغيزستان، فإذا كان هناك حكم برلماني، فإنه يخلق مشاكل للحكومة الموالية لروسيا من خلال حل الائتلاف الحاكم وتشكيل حكومة جديدة. ويجبرهم على تشريعات حول حقوق الإنسان وحرية التعبير واستقلال القضاء ومجالات أخرى. لأن هذه القوانين تسمح للسياسيين الموالين للغرب بانتقاد المؤيدين لروسيا. وبهذه الطريقة يزيد الغرب من هيبة كوادره بين الشعب، وعندما يحين الوقت المناسب يقودهم الغرب إلى شن الانتفاضة، حتى المسلحة، ضد الحكومة الموالية لروسيا. (ومع ذلك، فقد ذرفوا "دموع التماسيح" قائلين إنهم "يؤيدون حلاً سلمياً للمشكلة"). إن إظهار مخاوف المنظمات الغربية بما في ذلك لجنة فينا ولجنة هلسنكي فيما يتعلق بمشروع الدستور الجديد، ينبع من هذه السياسة الدولية.
إن الحجج التي طرحها السياسيون المحليون حول نظام الحكم الذي هو أساس الإصلاحات الدستورية هي مجرد كلمات جوفاء. فعلى سبيل المثال، هم يقولون "إذا تخلينا عن الحكم البرلماني سنعود 20 عاماً إلى الوراء". فهل أمريكا وراءنا وفيها الحكم الرئاسي؟ وتقول جماعات المعارضة "لن نكون قادرين على محاربة الفساد بدون الحكم الرئاسي. نحن نعلم جيداً أن مخططات الفساد الفائقة عملت في النظام الرئاسي. فما الذي يضمن عدم حدوث ذلك الآن؟"
النقطة المهمة هي أن كل من يتحدث عن كلا النظامين يَعِدُ بنهضة الأمة نحو حياة أفضل. بعبارة أخرى يقولون "إننا سننهض بالاقتصاد من خلال الإصلاحات ومن خلالها ستتطور الدولة". وفي الواقع ليس الاقتصاد عاملا للتطور. فمن المستحيل تحقيق التنمية الاقتصادية التي يعِد بها السياسيون في النظام الدولي الحالي، لأن النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي تحت غطاء الديمقراطية لن يسمح أبداً بالتطور الاقتصادي لبلدان العالم الثالث. وهذا النظام قائم على أساس نهب ثرواتنا واستعباد شعبنا. وهذا النظام الديمقراطي الفاسد لا يأتي إلينا إلا بكفر المستعمرين وعلمانيتهم وأنانيتهم وجشعهم ودعارتهم وما إلى ذلك... ونظل فقط عبيداً نعيش حياة فاسدة بالخضوع لهذا النظام بالإضافة إلى ضمان الحياة الفاسدة للمستعمرين.
إضافة إلى ذلك يقول مؤيدو النظام البرلماني إن "السلطة تتجمع في يد واحدة". وفي الواقع من طبيعة السلطة أنها تكون في يد فرد واحد. ولذلك في الإدارة الرئاسية يركز الرئيس السلطة في يديه، وفي الإدارة البرلمانية يركز رئيس الوزراء السلطة في يديه، وإلا فما الفائدة من الطموح للسلطة؟ إذا لم يكن كذلك فإنه يفقد السلطة. ومع ذلك، فإن حكام الدول الاستعمارية ليس لديهم مثل هذه الميزة، لأنه ليس لديهم سلطة حقيقية، فأيّ المستعمرين أقوى تأثيرا، سيكون عميله في السلطة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض سياسيينا المشهورين يقولون "إن التهديد الرئيسي لنا هم الذين ينشطون لتطبيق الشريعة. في هذه الحالة يجب علينا أن نتحد ونحافظ على النظام العلماني". تبعا لذلك، هم يحبون النظام الذي يأتي بالعلمانية والأنانية والمثلية الجنسية وما إلى ذلك. هم وافقوا على نهب ثرواتنا واستعباد شعبنا مقابل العظام التي تركها أسيادهم. وعندما يندلع نزاع بين العظام سيدفعون الناس ضد بعضهم بعضا وأنفسهم يشتغلون في الإصلاح الدستوري. نعم، هم كذلك، وأنتم أيها الناس؟ ألم تسأموا "مرملاد"؟!
في الواقع، أنتم تعيشون على أمل تحقيق حياة أفضل، ومع ذلك لا تجدون طريقا للقيام بذلك، وللعثور عليه تذكروا بأنكم مسلمون. عندما كنتم تحاسبون من هم في السلطة حاسبتموهم لأنكم كنتم مسلمين لا ديمقراطيين، إنكم تحاسبون الحكام بسبب عقلية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الموروثة عن آبائكم المسلمين. عودوا كما كنتم، وتعلموا إسلامكم، تجدون فيه أفضل الدساتير؛ هو دستور مبني على الكتاب والسنة، ثم أسرعوا لتطبيقه في الحياة. ومن خلال هذا تحققون السعادة في الدنيا والآخرة.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ عبد الحكيم كاراهاني