الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر

 

إن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عزّ وجلّ ويباعد من رحمته.

 

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلته عظيمة، وقد عده العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدمه الله عزّ وجلّ على الإيمان كما في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

 

وقدمه الله عزّ وجلّ في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

 

وفي هذا التقديم إيضاح لعظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر، وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر، ومن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يلي:

 

أولاً: أنه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلام، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ.

 

ثانياً: أنه من صفات المؤمنين كما قال تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. على عكس أهل الشر والفساد ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

 

ثالثاً: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من خصال الصالحين، قال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

 

رابعاً: من خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.

 

خامساً: التمكين في الأرض، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

 

سادساً: أنه من أسباب النصر، قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

 

سابعاً: عظم فضل القيام به كما قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾. وقوله ﷺ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً» [رواه مسلم].

 

ثامناً: أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال ﷺ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» [رواه أحمد].

 

تاسعاً: في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس؛ في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا. وإذا تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعُطلت رايته؛ ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركه أمور عظيمة منها:

 

1- وقوع الهلاك والعذاب، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. وعن حُذيفة رضي الله عنه مرفوعاً قال ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» [متفق عليه].

 

ولما قالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال لها الرسول ﷺ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» [رواه البخاري].

 

2- عدم إجابة الدعاء، وقد وردت أحاديث في ذلك منها حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلَا يُسْتَجَابَ لَكُمْ» [رواه أحمد].

 

3- انتفاء خيرية الأمة، قال ﷺ: « وَاللَّهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» [رواه أبو داود].

 

4- تسلُّط الفساق والفجار والكفار، وتزيين المعاصي، وشيوع المنكر واستمراؤه.

 

5- ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلمة حالكة لا فجر لها. ويكفي عذاب الله عزّ وجلّ لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسلط الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.

 

قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: فلو قُدِّر أن رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب لله، ولا يتمعَّر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه.

 

فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إنكم لتقرؤون هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ» رواه أبو داود.

 

وقد امتدح النبي عليه الصلاة والسلام من يأمر الحاكم أو كل من تولى المسؤولية بالمعروف وينهاه عن المنكر بل واعتبره من أفضل الجهاد ومن يقوم به هو مع سيد الشهداء، فعَنْ أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عنِ النَّبي ﷺ قال: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسنٌ.

 

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ»، فهل بعد هذا الفضل فضل وبعد هذه المكانة الرفيعة مكانة وهل بعد هذا يجبن المسلم ويتخلى عن هذا الفرض العظيم؟!

 

وأعظم منكر تعيشه البشرية ولا سيما المسلمون هو فقدانهم الحكم بما أنزل الله وبالتالي فقدان الخلافة والخليفة الذي «يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» وهذا لأن لغياب الخلافة آثاراً عظيمة فهي ليست كباقي الفروض.

 

إن غياب دولة الخلافة جعل من بلاد المسلمين مرتعاً لكل طامع، ومزرعة يتصارع على خيراتها أراذل البشر، وجعل المسلمين كالعبيد بعد أن تسلط عليهم حكام سفهاء؛ أقصوا شريعة الإسلام عن الحياة، ونهبوا خيرات البلاد لصالح أسيادهم، وبغياب الخلافة عطل شرع الله وفقد المسلمون طراز عيشهم وفقدنا شهادتنا على البشرية، واكتوينا بنار الرأسمالية.

 

بغياب الخلافة تجرع المسلمون أعتى صنوف الذل والهوان، فها نحن نرى حال أمة الإسلام، مقطعة الأوصال، مشتتة القوى، مهزومة مدحورة، تقف مشدوهة لا تلوي على شيء، خيراتها منهوبة، وسلطانها مغصوب، معدومة السيادة وفاقدة الريادة، قطيعاً مرسلاً، موقعها في ذيل الأمم، حكامها عبيد نهب لمن يريد، خارت منهم القوى وضعفت منهم العزائم، لا يجمع شملهم إمام ولا يقود جيوشهم هُمام، لا تلمهم دولة، جثة هامدة لا حول فيها ولا قوة، تستجدي الكفار فتات العيش، وقد حباهم الله كنوز الأرض جميعاً، وفيهم عقيدة "لا إله إلا الله"، وبين أيديهم كتاب الله وسنة نبيه محمد ﷺ ولا ينقصهم عدة ولا عدد.

 

أصبح المسلمون بلا خلافة كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية. وهل هناك معروف أهم من أن يعمل كل مسلم ويحمل الدعوة للناس حاثّهم على العمل الجاد لإعادة سلطان المسلمين الذي سيعيد للأمة مكانتها الطبيعية أمة صاحبة سيادة وريادة، بل ويأثم كل من تقاعد عن هذا العمل العظيم. قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (صحيح مسلم).

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع