- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مفاهيم مغلوطة يرُوج لها باسم الوسطية أو الاعتدال
(4)
5- رفع شعار حقوق الإنسان:
هناك من يحاول أن يستعيض عن المطالبة بتطبيق الشريعة والدعوة إلى الإسلام، بالدعوة والترويج لمصطلح حقوق الإنسان، والذي يجب أن يعلمه هؤلاء أن مصطلح حقوق الإنسان، مصطلح غربي رأسمالي، له مدلول نابع من وجهة نظر مبدئية غربية، هي عقيدة فصل الدين عن الحياة، وهي تناقض العقيدة الإسلامية، وتخالف الأحكام الشرعية المنبثقة عنها، لذلك يجدر بالمسلمين وخصوصاً المفكرين منهم، بل يجب أن يتجنبوا استعمال هذا الاصطلاح في معرض المطالبة بمضمونه، وأن يستعيضوا عنه بالاصطلاح الشرعي، وهو الحقوق الشرعية للإنسان، لأنّ مدلول الأول يعني أن الذي يعين حقوق الإنسان هو الإنسان نفسه، حيث يكون الإنسان عبداً لغرائزه وحاجاته العضوية، أو عبداً لغيره من بني الإنسان. بينما الاصطلاح الشرعي، يدل على أن الإنسان عبد لله الذي خلقه، وقد شرع له أحكاماً ليشبع غرائزه وحاجاته العضوية إشباعاً صحيحاً، يُؤدي إلى رقيّه ونهضته في الدنيا، وإلى سعادته بنيل رضوان الله في الآخرة.
ومن المشاهَد المحسوس، نرى أنّ الدول التي تحمل لواء حقوق الإنسان، تمارس أعمالاً بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان وكرامته، فهي تمارس التمييز العنصري ضدّ الملونين، وها نحن نرى اشتعال الوضع في أمريكا بسبب قتل فلويد، وتمارس سياسة استعمارية فوقية، ضد غيرها من الدول والشعوب، فأين حقوق الإنسان عندما نكّل المستعمرون بأصحاب البلاد، ولماذا الكيل بمكيالين في مواقفهم من المشاكل الدولية ومشاكل حقوق الإنسان؟ وكذلك نرى أنّ كرامة الأفراد وحقوق الإنسان تنتهك في كل مكان، وذلك باسم القوانين التي ابتدعها الغرب، مثل قوانين مكافحة الإرهاب.
هذا بالنسبة للأفراد والشعوب، أما بالنسبة للدول، فإنّ الدولة أو الدول المسيطرة والمتحكمة في العالم، هي التي تقرر - كما هو حال أمريكا اليوم - أنّ الدولة الفلانية تعدت على حقوق الإنسان، فتنزل بها الدمار، وتفرض عليها المقاطعة والحصار، بينما تبارك أعمال الدولة الفلانية الأخرى، لأنها على حدّ زعمها، تحارب الإرهاب. فهي مثلاً، تضرب العراق وتحاصره بحجة انتهاكه لحقوق الشيعة والأكراد، بينما تسكت عن الصرب والكروات، الذين ارتكبوا ويرتكبون جرائم فظيعة وبشعة بحق المسلمين البوسنيين، وهي تطارد المقاومين والمجاهدين، بينما تدعم نتنياهو وعسكره المحتلين... وهذا غيض من فيض، يرتكب على أيدي الذين يدعون المحافظة على حقوق الإنسان في العالم.
وأخيراً، لا بّد للمسلمين، إذا أرادوا النهوض والرقي أن يعودوا إلى دينهم الحق، يستنطقون مصادره ونصوصه، في كل ما يعترضهم من مشكلات، وفي كل ما يستجد من أحداث ومصطلحات، ليجدوا العلاج الشافي لها، والقول الفصل فيها، وعليهم أن لا ينخدعوا بالشعارات الزائفة، وبالاصطلاحات الغربية البراقة، فالفكر الإسلامي، فكر سامٍ، مبني على الوحي الإلهي أو منبثق منه، بينما الفكر الغربي، فكر وضعي، بناه البشر على عقيدة كفر، وفي فصل الدين عن الحياة، وشتان ما بين الفكرتين، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].
6- الأفكار الواقعية مثل فكرة خذ وطالب:
من المؤسف حقاً أن نعترف بأن الأساس الذي يجري عليه التفكير عند الكثير من المسلمين وبه تتكون وجهة نظرهم في الحياة، وعنه تتفرع مفاهيمهم ومقاييسهم وقناعاتهم ليس هو العقيدة الإسلامية، وإنما الواقع الحاصل أن المسلمين عامة والعلماء والمفكرين والسياسيين خاصة لديهم عقلية رأسمالية: أي يفكرون ويكوّنون الآراء ويطلقون الأحكام ويكونون وجهة نظرهم وينظرون للأشياء والوقائع والأحداث من زاوية ليست هي زاوية الإسلام.
ويعد هذا من أبرز النجاحات التي توصل الغرب لتحقيقها، ولا أدل على ذلك من تفشي الرضا بالحلول الوسط وبأنصاف الحلول، ومن نزوع للترقيع والإصلاح، ومن معالجة للنتائج دون أسبابها ومظاهر الأزمات دون حقيقتها ومن تصدٍّ لمعالجة القضايا الفردية مع إهمال شبه مطلق لقضايا المجتمع ولقضايا الأمة ومنها قضاياها المصيرية. وهذا المنطق النفعي حدا بالحركات ومنها التي تدعي العمل للإسلام الركض وراء تحصيل مكاسب حزبية على حساب ما يطلبه المبدأ، وهذه قاعدة مشهورة عند الرأسماليين "خذ وطالب"؛ أي خذ ما يمكنك الحصول عليه الآن وإن كان هو ليس كل ما تريد، وطالب بما تريده بعد ذلك، لعلك يمكن أن تتحصل عليه بعد ذلك ولو على مراحل، فما لا يدرك كله لا يترك جله كما يبررون. وهذا المنطق النفعي حدا بالحركات ومنها التي تدعي العمل للإسلام الركض وراء تحصيل مكاسب حزبية على حساب ما يطلبه المبدأ.
وهذا المنطق النفعي نتج عنه بُعد هذه الحركات عن المبدأ وعدم تحقيق حتى هذه المطالب الآنية الأنانية العاجلة، والنتيجة أنها فقدت مصداقيتها ببعدها عن المبدأ، وقد رأينا أين أوصلتهم تلك القاعدة في مصر على سبيل المثال، فقد تم نزع ما تحصلوا عليه من خلال انقلاب دموي نكل بهم وبكل من ينتمي للعمل الإسلامي.
وما دام عامة الناس وعلماؤهم ومفكروهم وقادة حركاتهم وأحزابهم يجرون على هذا المنطق النفعي وحبيسي هذه العقلية الرأسمالية، فإنه لا ينتظر نهضة ولا أمل في التحرر من كل أنواع التبعية والاستعمار ولا في اقتعاد الأمة المكانة التي يجب أن تتبوأها بين الأمم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز