الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هل أنت مستعد لدفن المبدأ الرأسمالي معنا؟

 

في خضّم الحديث عن إرهاصات انهيار الدول في نظامها الاقتصادي، لن أتحدث عن الدول الهامشية والتابعة، وإنما أريد أن أسلط الضوء بداية على الدول المبدئية التي تعمل على نشر مبدئها في العالم مثل أمريكا، التي تتبنى المبدأ الرأسمالي وتعمل على نشره.

 

وهناك فرق شاسع بين سقوط المبدأ اقتصاديا، وانهيار الحضارة أو الفكرة، التي تبناها هذا الكيان وعمل على نشرها في العالم؛ لأن عوامل سقوط وانهيار أي مبدأ يكون مرتبطاً بعوامل قوة الدولة، وقوة هذه الدولة تكون من قوة وتأثير الفكرة التي تحملها وتنشرها في العالم، فإذا كانت فكرتها فاسدة وتخالف فطرة الإنسان ولا تعالج مشاكله علاجا صحيحا، ولا تؤمن له السعادة والطمأنينة فإن سقوطها حتمي من ذهن حامليها أولا ثم سقوطها من واقعها.

 

فالمبدأ الرأسمالي الذي تقوده أمريكا اليوم، بات عاجزا وليست لديه القدرة على متابعة سيره، ولا عاد جسمه يحتمل الترقيعات التي دائما ما تكون أشد خطرا وتزيد من سرعة السقوط، فهذه الأزمة التي يمر بها الآن هي آخر حلقة من سلسلة العمليات التي أجراها هذا المبدأ. وسيلقى حتفه سريعا ويعلن وفاته قريبا بإذن الله، مع أول ظهور للمبدأ الصحيح.

 

فالذي يحمل تفكيرا سطحيا يجد أن النظام الرأسمالي لديه القدرة المستمرة على إيجاد الترقيعات وتطبيقه على أرض الواقع ما يمنعه من السقوط، وأن أمريكا لا تزال القوة الأولى في العالم المتحكمة فيه والقابضة على زمام الأمور، وتفعل ما تشاء وكيفما تشاء دون أن تكترث إلى أي كيان أو دولة لأنها تعتبر العالم كله ملكاً لها، معتمدة في ذلك على غطرستها السياسية وقوتها الاقتصادية والعسكرية، وإن كانت أمريكا الدولة الأولى في العالم، فقد أسأت الفهم أيها المفكر وجانبت الصواب أيها المحلل وتغافلت عن الحقيقة الكبرى أيها الإعلامي، فأقول لك إن عوامل سقوطها، وانهيار كيانها قادم لا محالة وواقع لا خيال.

 

إذا وضعنا مجهرا لنرى تفاصيل انهيار المبدأ الرأسمالي داخل أمريكا فتكون بداية من الفكرة التي يحملها عند أفرادها قبل أعدائها، يتمثل أمامنا بالتراجع والانحدار المستمر لقيم وأفكار هذا النظام، ونجد التصدعات وآثار الضربات المتتالية وظهور الكراهية وعدم الثقة بقدرتها على ضمان الحياة السعيدة لمعتنقيها.

 

وبعد أن ركبت أمريكا موجة ما سمي بالربيع العربي نجد كيف انقسم الشارع الأمريكي لحركات تطالب برفع الظلم الرأسمالي عن الناس بعد أن أفرغت أمريكا جل نيرانها على الشارع العربي، مثل حركة "احتلوا وول ستريت" التي ظهرت بشكل واضح، وسرعان ما تحولت هذه الحركة إلى حركة عالمية حيث خرجت المظاهرات في أكثر من 1.500 مدينة حول العالم، مئة منها في الولايات المتحدة وحدها، وتحولت المظاهرات إلى اشتباكات عنيفة في العاصمة الإيطالية روما، إلى قضية جورج فلويد التي أحدثت تداعيات خطيرة جدا وكانت شرارتها من مدينة مينيابوليس عندما تم الاعتداء عليه وهو رجل أمريكي من أصل أفريقي، إلى أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي - أكبر رمز للديمقراطية الأمريكية، ما ساهم في سقوط فكرة الديمقراطية من أساسها في أعين حامليها أولا، وإذا ضغطنا على زر الزووم نرى الكارثة بوضوح والذي هو سبب حالنا اليوم، والذي اتخذته أمريكا نظاما لها بكل ثقة، والذي هو آيل للسقوط في أي لحظة، ألا وهو اقتصادها الذي يمثل رمز قوتها وسيطرتها على العالم، فنرى التصدعات والضربات الموجعة والقاتلة بارتفاع المديونية لديها إلى مستويات خيالية، وخصوصا بعد هجرة الشركات الأمريكية العملاقة إلى خارج البلاد بعد أزمة الرهن العقاري في 2008 وارتفاع تكاليف الإنتاج داخل أمريكا.

 

وعلى هامش المشهد نرى الإعلانات المستمرة لإفلاس الشركات والبنوك الأمريكية الكبرى مثل بنك ليمان برذرز. ومن ثم أغلقت السلطات الأمريكية ثلاثة بنوك كبرى في نورث كارولينا وكنساس وجورجيا ليرتفع عدد البنوك التي أعلنت إفلاسها في الولايات المتحدة من جراء الأزمة المالية العالمية إلى 40 بنكاً، ومهما حاولت الترقيع في كل ما يحدث من تصدعات فالانهيار قادم لا محالة، لأنها لا تعتمد حلولاً جذرية بل حلولها دائما ترقيعية معتمدة على ما تم بنائه سابقا ليخدم عروش كبار المستفيدين على حساب العالم أجمع.

وفي صلب الشارع نرى الانهيار الإنساني والأخلاقي كالعنصرية وإباحة زواج المثليين والشواذ، والعنف المفرط، ففي كل 17 دقيقة يُقتل أمريكيٌ بالسلاح، و100 ألف أمريكي يتعرضون للضرب بالرصاص سنويا، و289 شخصا في المعدل يتعرضون لإطلاق النار يومياً، و53 شخصا ينتحرون يوميا.

 

وهذا طبعا داخل أمريكا، أما إذا وجهنا هذا المجهر إلى العالم فنجد الويلات والكوارث التي صنعتها أمريكا لتحافظ على مبدئها ونظامها؛ من حروب، وأمراض وأوبئة وسيطرة واستعمار لتفرض نظامها بالحديد والنار على شعوب العالم.

 

هذه هي الدولة التي تدعون أنها القوة التي لا يستطيع أحد الوقوف أمامها، لكن الناظر إلى واقع أمريكا بتفكير مستنير يجد الفرق الكبير بين أمريكا سابقا، وأمريكا اليوم، فكانت بالسابق ترسم الخطط بدقة وتتحرك بتحرك السيد المطاع، أما اليوم أمريكا تدخل بسياسة رد الفعل فلا منهجية لها ولا دراسة، وتتخبط داخليا وخارجيا، وعلى كل الأصعدة.

 

فطبيعي جدا أن نرى انشغال العالم كله أمام شاشات الخط البياني لانهيار عملتهم، وانهيار دولتهم التي قامت على جذور المصلحة الرأسمالية البحتة، ناهيك عن الدول التابعة فتجد هذا يتكلم عن سوء الاقتصاد والتضخم في نظامه، وذاك يبرر لشعبه سوء المعيشة لأن الديون كثرت عليه، والآخر يطلب من شعبه أن يخرجوا ذهبهم من تحت الوسادة!!

ثم نعود إلى التلفاز فنسمع الأخبار فلا نجد إلا أرقاماً هائلة تدخل أرصدة بنوك دولهم، وحسابات ومعادلات، وتحالفات، ونداءات إغاثة ليستقر الوضع قليلا بألاعيبهم، وتهدأ المواقع من هذه الضجة الحسابية. ليبقى الناس يحملون آلاتهم الحسابية وذهنهم مشغول في بضاعتهم، وأموالهم، وتجارتهم.

 

بعد كل هذا ألا يجدر بنا أن نكون جاهزين لنكون نحن من يحفر القبر ويدفن هذا المبدأ الذي أتعبنا؟

 

أيها المسلمون في كل بقاع الأرض: لا تكونوا مع الجهلة الذين يلهثون وراء السراب الخادع للحضارة الغربية، فيُلقوا أنفسهم مخاطرين بحياتهم للوصول إلى جحيم الحياة الغربية والدفاع عنها. بل كونوا مع المسلمين الذين فهموا هذا الدين فهما فكريا واعيا بإخلاص، ليصلوا به إلى سدة الحكم، ولن يقفوا عند هذا الحد وإنما سيحملونه رسالة إلى العالم الذي يئن ويجأر إلى الله من الظلم الذي يعيشه من هذا النظام الرأسمالي العفن.

 

إن صرح الإسلام سيقف لا محالة والعدالة ستنشر قريبا في العالم، والنصر قادم شئتم أم أبيتم. ولكن، هل أنت جاهز لحمل المعول لتحفر معنا ونكون يدا بيد لدفن هذا التاريخ الأسود من حياتنا؟

 

أسأل الله العظيم أن يستخدمنا ولا يستبدلنا ونكون على قدر هذه المسؤولية برضا وتوفيق منه عز وجل.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

دارين الشنطي

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع