- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أجهزة المخابرات والجيوش في بلادنا لصالح من تعمل؟!
لا شك أن وجود جهاز مخابرات وجيش لكل دولة هو من بديهيات مكوناتها. فلا بد من جيش يحفظ حدود البلاد وأمنها ويقف في وجه المعتدين عليها والطامعين فيها، فلا أحد يجادل بهذا، بل هو من البديهيات والمسلمات التي بدونها لا تستمر ولا تتوسع إن هي أرادت ذلك. كما أنه لا بد من وجود جهاز استخباراتي يعمل للتجسس على الأعداء وجمع المعلومات اللازمة للوقاية من حدوث اعتداء على الدولة سواء من الخارج أو الداخل، وهذا أمر أيضا لا جدال فيه.
ولكن هناك أمراً يشترط أن يكون مطبقا في الدولة ومعلوما عند الشعب، وهو أنه لا بد أن يكون قرار الجيش وجهاز الاستخبارات مرهونا بيد سياسيي الدولة، أي أن يخضع الجيش وجهاز المخابرات في أعمالهما للكيان السياسي الذي يدير الدولة. وهذا هو المعمول به في كل الدول المستقلة التي تمتلك قرارها السياسي. إذ كيف تكون الدولة مستقلة في قرارها السياسي إذا كان جيشها ومخابراتها لا يخضعون لقرار الكيان السياسي الذي يحكم البلاد؟ وعكس ذلك يكون احتلالاً داخلياً، أي يصبح الحاكم الفعلي للبلاد الجيش وجهاز الاستخبارات ويكون الحكام صورة ولعبة ودمية يحركها العسكر والاستخباراتيون كما يشاؤون.
وجميع الدول المستقلة تدرك أهمية هذا الأمر ولا تتهاون فيه؛ لأن المسألة مسألة سيادة الدستور وليس سيادة الجيش والمخابرات. ولذا فإنك ترى المحاكمات والتحقيقات التي تجريها الدول الكبرى مع قيادات الجيش والاستخبارات والأمن، لضمان سير الدولة باستقلالية ولضمان سير الجيش والاستخبارات وجهاز الأمن في الخطة المرسومة له من سياسيي الدولة.
ولقد حرم الله عز وجل أن يقوم أحد باغتصاب سلطان الأمة، فالسلطان في شرع الله هو للأمة وهي تقوم باختيار من ينوب عنها في تطبيق الشرع الحنيف، وإذاً فإن كل الأجهزة في الدولة تخضع لسلطان الأمة، والأمة تنصب وتعين نائبا عنها؛ الخليفة ليطبق عليها شرع الله. وهذا الخليفة يجب أن يخضع له الجيش وجهاز الاستخبارات وكل أجهزة الدولة، فلا يجوز لأي جهاز أن يتحرك قيد أنملة إلا بتوجيهاته وأوامره، وإلا انتقل الحكم من الخليفة إلى الجيش وصارت الأمة كلها لا تملك سلطانها ولا قرارها وصارت لعبة في يد الجيش والمخابرات والأمن. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾.
وكلما كانت الدولة ضعيفة تحكّم الجيش في سياسييها وبالتالي تحكم الجيش بالدولة وأجهزتها الأخرى وفي الشعب وقراره السياسي وفي خيراته ومقدراته. بل إن بعض الدول المنحطة سياسيا يقوم الجيش بتعيين حاكم منه أيضا، فيصبح الجيش هو الحاكم رسميا في البلاد، كما هو الحال في مصر مثلا، فالسيسي وعصابته من العسكر يسيطرون على الجيش والسياسة معا بصورة مباشرة. بل أصبح الجيش في مصر يتاجر ويزرع ويملك أكثر من خمسين بالمئة من أراضي مصر. وهذا حال منكر عقلا وشرعا، فمصر ليست ملكا للسيسي والعسكر وليست مزرعة لهم وليست ورثا ورثوه عن آبائهم.
وعادة ما تقوم إحدى الدول الكبرى بالسيطرة على البلاد الأخرى عن طريق زرع أو دعم أحد أو بعض العساكر في الجيش، ليقوم هو بعد ترقيته في الرتب العليا للوصول إلى أعلى الهرم في الجيش ثم ينقض على قيادة الجيش وعلى البلاد برمتها، وبذلك يكون الجيش مرتعا للخونة والعملاء المزروعين فيه عن طريق الدول الاستعمارية التي ترغب في السيطرة على البلاد وثرواتها كما هو الحال في مصر والسودان.
ولذا ليس من المستهجن أن يتحول عمل الجيوش والاستخبارات وحتى أجهزة الأمن من حماية البلاد والشعب إلى السيطرة على البلاد وتركيع الشعب وإذلاله ومعاونة أعدائه عليه، وهذا تماما ما يعمله قادات الجيشين المصري والسوداني وغيرهم. بل إن مسؤولين كبارا في كيان يهود قد قالوها مرارا وتكرارا بأن السيسي هو أكثر صهيونية منهم أنفسهم، وبأن النظامين المصري والعلوي السوري هما أكثر الأنظمة حماية لكيان يهود. فالجيش في كل من مصر وسوريا تسيطر عليه أمريكا عبر رجالاتها في الجيش منذ أيام عبد الناصر وحافظ الأسد إلى يومنا هذا. وتحول عمل جهاز المخابرات إلى التجسس على الشعب ومطاردة الصالحين فيه والزج بهم في السجون وقتل كل معالم الثورة أو أي محاولة تحرر أو تغيير حقيقي في البلاد، بل إن بعض أجهزة المخابرات في بعض البلدان كالأردن تعمل على تزويد أمريكا وبريطانيا وكيان يهود بالمعلومات المهمة عن المقاومين والمجاهدين في سوريا والعراق وغيرهما.
ولذا كان من أهم الأسئلة التي يجب طرحها الآن وعلى الدوام، ما هو عمل جيوشنا وأجهزة مخابراتنا؟ هل هي حقا لحماية البلاد والشعوب، أم هي لتركيعهما؟ هل هي لحفظ أمن الشعوب ومصالحها، أم هي لحفظ أمن أعدائها؟ هل هي أجهزة منتجة تفتح البلدان وتعلي كلمة الرحمن، أم أنها أجهزة مستهلكة متملكة لخيرات ومقدارت الأمة؟
وإذا كان الجواب على هذه الأسئلة بأن الجيوش هي التي تتحكم في قرارنا السياسي وفي خيراتنا وفي بلادنا، فهذا يعني أن سبب انحطاطنا وفقرنا وذلنا هو غياب قرارنا السياسي وتحكم غيرنا في سلطاننا عبر عصابات تحكمت في جيوشنا وأجهزة أمن بلادنا، وهؤلاء العصابات تحركهم الدولة الغربية كأمريكا وإنجلترا وفرنسا من بعيد وتنفذ عبرهم أجنداتها ومخططاتها الاستعمارية.
ولذلك إذا أرادت دولة ما وشعب ما استرداد حقه وسلطانه وقراره السياسي فلا بد أن يعمل بكل أطيافه وتياراته وأحزابه وعلمائه ووجهائه وأساتذته ومثقفيه وخطبائه لاستعادة السلطان من يد عصابة العسكر وإرجاعها للشعب الذي ينيب عنه خليفة يطبق شرع الله عليه. وغير ذلك فستبقى البلاد والعباد والخيرات والثروات نهبا وملكا ومزرعة لتلك العصابة ولمن يملك رسنها من دول الاستعمار.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح