- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نقدر كلام الله حق قدره
تقدير كلام الله إنما هو من تقديس الله، وهو لا ينفصل عنه، فلا تستطيع أن تقول إنك تقدس الله لكن تفضل عليه كلام غيره. وكلام الله من عظيم؛ وصل إلينا عن طريق أعظم الملائكة وألقاه إلى أعظم رسل الله.
فللكلام عن الملقي وهو الله، ولاستشعار تقدير كلام الله فلا بد من تجليات لصفاته. وأريد أن ألفت النظر إلى ثلاث صفات وهي: (أحكم الحاكمين، الغني، العليم)
1) يقول جل وعلا: ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ فالله أحكم الحاكمين وهو العليم لأنه يعلم نفس الإنسان التي بين جنبيه بينما الإنسان نفسه لا يعرفها فهو بحاجة إلى من يعرّفه بها ليحل له مشاكله وليعرفه بنفسه، إذ لو كانت واقعا فإنه بدون معلومات سابقة لن يعرفها. وأريد أن أنبه هنا إلى أن الإنسان قد يظن أنه يعرف نفسه وما يصلح لها، والله يخبر أنه لم يشهد الناس خلق أنفسهم ولا خلق السماوات والأرض، فإن كان الأمر كذلك فالإنسان بحاجة إلى من يعرفه بنفسه وهذا هو الله العليم بحاله، وهو الحكيم الذي ينظم له أمور حياته ويحل له مشاكله. أما الغني فإنه ليس بحاجه إلى طاعته لحديث الرسول ﷺ القدسي من رواية أبي ذر «يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً» (رواه مسلم)
٢) الواسطة وهذا في نقل القرآن إلى الرسول ﷺ بواسطة جبريل عليه السلام وأنه أفضل الملائكة، الروح الأمين ذو قوة عند العرش وهذا يظهر خصوصية القرآن من ناحية إنزال كلام الله منزلته العالية حتى إن الواسطة هو أفضل ملائكة الله.
٣) الملقى إليه محمد ﷺ، وهذا من جهتين:
الأولى: طريقة تلقيه القرآن، وهو أنه ﷺ كان يعاني من نزول الوحي فيتصبب عرقا ويفصم وتخر دابته. لو قارنا تلقيه عليه الصلاة والسلام الوحي بتلقي موسى عليه السلام التوراة لوجدنا أن موسى عليه السلام أوتي الألواح وطريقة تلقيه الوحي لم تكن بمثل معاناة تلقي الرسول للقرآن، واستمر هذا التلقي في مدة تصل إلى 23 سنة. ويمكن أن ننبه إلى أننا نقرأ القرآن لا كما كان يتلقاه ﷺ، بل المطلوب منا قراءة القرآن قراءة يكابد فيها أحكام التجويد ليس إلا ومن ثم فهمه وتدبره والعمل به. وهذا لا يستدعي منا أن يتصبب منا عرق أو أن نفصم أو نشعر بثقل نزول الوحى كلما قرأناه.
الثانية: من ناحية أخرى، وهي أنه ﷺ كان يواجه الكثير من أعداء الإسلام طوال حياته، وأصابه ما أصابه من الإيذاء فطرد من بلده وكسرت رباعيته، وشج رأسه وعانى صنوف العذاب والإيذاء في سبيل إيصال هذه الرسالة، أما نحن فإن ما يطلب منا هو أقل بكثير من هذا تلقيها والالتزام بها. فشتان بين حامل مبلغ ومتلق.
٤) الرسالة نفسها، أي القرآن، والذي يحمل المعاني السامية، ونظمه، وشموخه، والذي حافظ على ذلك المستوى دون تحريف مع إمكانية حدوث ذلك عقلا، وخصوصا أن المسلمين في حالة ضعف وانهزام لم يشهد له تاريخ الإسلام بمثله. وكذلك عدم القدرة على الإتيان بمثله مع قدرة البشر المتصورة في هذه الأيام وذلك لتقدم فروع العلوم بشتى أنواعها، ومع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بمثله.
صور وأمثلة حول إنزال كلام الله منزلته:
هب أنك في دكان، وأخرجت سيجارة ورحت تدخنها، فجاء صاحب المحل ولفت انتباهك إلى أن التدخين ممنوع، وكانت هناك لافتة تشير إلى ذلك فإنك لا شك ستشعر بالحرج، وعلى كل حال فإن صاحب المحل لن يقبل عذرك أنك لم تقرأ ما كان مكتوبا، ولن يقبل منك عدم الالتزام، وصار يشرح لك خطر التدخين وأنه قد يتسبب بإشعال حريق في الدكان. فلو دققنا في المثال نجد أننا عند صاحب محل يتوقع منك أن تلتزم بقوانين هو يراها واجبة الاتباع، وينتظر منك قبل دخولك دكانه أن تعرف عن قوانينه وأن تلتزم بها، وإن لم تفعل ذلك فإنه قد يحرجك أو يوبخك أو حتى يطردك، فلا تحصل لك منفعة. فما بالنا في ملكوت الله الذي ليس لنا فيه لا ناقة ولا بعير. فهل يقبل منا أن لا نقرأ هذه اللافتات التي أرسلها إلينا، والتي لا بد لنا أن نلتزم بها، والمنتظر منا أن نداوم على قراءتها، والالتزام بأوامرها والابتعاد عن نواهيها؟!
والشاهد هنا أننا نعيش في ملكوت الله وهو قد سمح لنا بالانتفاع في هذا الملكوت، وشرط علينا شروطا ينتظر منا أن نقرأها ونفهمها ونلتزم بها قبل الشروع في أي شيء كي لا نسبب فسادا في الأرض.
المثال الثاني: لا تكذب على الله فتحط من قدر كلامه وكلام رسوله فمن كذب على الله لم ينزل كلام الله منزلته.
فقد كان ابن مسعود تصيبه الهيبة عند الإخبار عن رسول الله مخافة أن يكون قد كذب على رسول الله بزيادة أو نقص في الحديث.
مثال آخر: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئاً فَقَالَ: «وَذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ لَبِيدٍ إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لَا يَنْتَفِعُونَ مِمَّا فِيهِمَا بِشَيْءٍ» (مسند الإمام أحمد)
شاهد أن منزلة كلام الله إن لم تكن في المكان الذي يجب أن تكون فيه فلن تكون ذات نفع أبدا، فمنزلة كلام الله لا تكون بالحفظ فحسب فالنصارى واليهود حفظوا كتبهم، وإنما بالتقديس والتبجيل وبالفهم والعمل كذلك للحفاظ على رسالة الوحي.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مريم بدر (أم مؤمن)