- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الهجرة النبوية يوم من أيام الله العظيمة
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾.
إن هذه الآية الكريمة تشير إلى أن التذكير بأيام الله بأنه من الشرع للاعتبار، وهو متعلق بتثبيت الدين في النفوس. ومن لطائف هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى يخبر رسوله ﷺ أن أيام الرسل في دعواتهم، من إخراج الناس من الظلمات إلى النور واحدة، وعندما يعلم الرسول ﷺ من الوحي ما مرَّ به مَن قبله من الرسل، فإنه ﷺ سيعلم ما سيمر به هو نفسه، تلك الدعوات التي لا يستطيع تحمل أعباءها، ويقوم بتكاليفها إلا كل صبَّار شَكور. وعلى المسلمين أن يتذكروا أيام رسولهم الكريم في دعوته لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والتي منها الهجرة، وما تحمل لهم من معانٍ وتكاليف حتى يكونوا على طريقته ﷺ في حمل الدعوة والصبر عليها وشكر الله على عونه لهم في تمكينهم من عبادته، فالرسول ﷺ هو قدوتنا وأسوتنا في ذلك، وخطاب الله سبحانه لرسوله ﷺ هو خطاب لأمته ما لم يرد فيه دليل التخصيص، وهنا يعتبر ما قام به الرسول ﷺ هو من صميم الدعوة المتعلقة بإقامة الدين، خاصة وأنه لم يقم بالهجرة لوحده بل قام بها مع الذين آمنوا معه، إلا قليلاً ممن استخفَوا بإسلامهم فلم يهاجروا وقتها.
بيد أن مما ابتلي به علماء المسلمين اليوم، وعامة المسلمين بالطبع، أنهم يقفون أمام مثل هذه الأيام على أنها ذكرى غير ملزمة لهم بتكليف، فتراهم يذكرون أحداثها كقصة، وينبرون في تعريف المسلمين بدقائقها، ويحولونها إلى مناسبة تاريخية، وينظرون إليها كماضٍ جميل وليس كمشعل حاضر، ومستقبل زاهر لهم في هذا الدين، فلا يشغلون أنفسهم بما هو مطلوب منهم تجاهها، وتراهم إذا انفضَّ الاحتفاء بها كمناسبة يعتبرون أنهم قد أدَّوا حق الله عليهم بالنسبة لها، وإلى موسم آخر!
إن هذه الذكرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإقامة الدين، فقد كانت هي المفصل الذي تحولت فيه دعوة الإسلام إلى مرحلة الدولة؛ والهجرة التي حدثت مع الرسول ﷺ ومن معه من الصحابة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عرفَّها علماء المسلمين بأنها الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام. ولما كان المسلم مفروضاً عليه أن يعيش في دار الإسلام، كانت الأعمال التي قام بها الرسول ﷺ وأدت إلى الهجرة مطلوباً القيام بها شرعاً على سبيل الوجوب. ومن هنا كان الوقوف عند هذه المناسبة ونستخلص منها الأحكام التكليفية التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، والتي لا يتحمل القيام بها إلا كل صبَّار شكور.
إن اقتصار المسلمين وعلمائهم في هذه الذكرى على الاحتفال دون العمل على إحيائها، يعني تغافلهم عن القيام بأمر الله تعالى في إقامة هذا الدين، وتخلِّيهم عن القيام بهذه المهمة الجليلة، وفيه صرف عن الهدف الذي جاء الإسلام من أجله، ألا وهو عبادة الله في الأرض، ولا يكون هذا إلا بإقامة الدين، كما فعل الرسول ﷺ في مكة، وهيَّأ لإقامتها في المدينة، وكانت الهجرة هي الجسر الواصل بينهما... فاختصار فعاليات المسلمين كل عام على الاحتفال في هذه الذكرى دون العمل لإقامة الدين، فإنهم يقيمون حجة الله عليهم في كل عام؛ ومن هنا يجب أن تكون ذكرى الهجرة النبوية هي من أعظم مناسبات المسلمين التي توقظهم من سباتهم وغفلتهم عن هذا الفرض العظيم.
إن هذه الذكرى كان ما بعدها زمن الرسول غير ما قبلها، ويجب أن تكون كذلك للمسلمين اليوم، إن هذه الذكرى إذا نظر المسلم لما بعدها من إقامة الدين، ونشره، فهمَ ما الذي كان يعمل له الرسول ﷺ في مكة، وما الذي كان يحضر له في المدينة، وما الذي كان يريد أن يحققه من عالمية الدعوة ووصول الإسلام إلى كل بقاع الأرض، حتى يقوم المسلم بحق الله تعالى عليه وتحقيق قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وفهمَ ما الذي يجب عليه هو أن يقوم به، وما الذي يجب أن يهيئ له. إنها ذكرى تذكِّر كل مسلم بمسؤولية إقامة الدين، وتحمله مسؤولية التقصير في ذلك.
واليوم ما أحوجنا إلى أن نحيي ذكرى الهجرة بالعمل وفق طريقة النبي ﷺ وهي ما يعمل بها حزب التحرير، الذي يلتزم هذه الطريقة بشكل صارم ومنضبط مع كل الظروف القاسية التي يتعرض لها، وذلك من التغيير المنشود وهو استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، مستبشرا بنصر الله القريب. المطلوب من كل المسلمين أن يعاونوا العاملين لهذا المشروع العظيم الذي سيصنع التاريخ، ويغيره كما حدث بالأمس في هجرة الرسول ﷺ، فإقامة الخلافة الثانية ستكون الحدث الزلزال الذي سيعمل على إخراج المسلمين والعالم من ظلام الرأسمالية وظلمها إلى نور الإسلام وعدله.
إن الغرب الرأسمالي يخشى أن يكون للمسلمين يوم كيوم الهجرة فيمتلكوا القوة والسلطان الذي سيقضي على قيادة الغرب للعالم، حيث كتب الرحالة الألماني بول اشميد كتاب "الإسلام قوة الغد" عام 1936م، ومما قال فيه: "إن مقومات القوى في الشرق الأوسط الإسلامي تنحصر في عوامل ثلاثة: 1- في قوة الإسلام (كدين) وفي الاعتقاد به وفي مثله وفي مؤاخاته بين مختلفي الجنس واللون والثقافة. 2- وفي وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي الذي يمتد من المحيط الأطلسي على حدود مراكش غربا إلى المحيط الهادي على حدود إندونيسيا شرقا، وتمثيل هذه المصادر العديد لوحدة اقتصادية سليمة قوية والاكتفاء الذاتي لا يدع المسلمين في حاجة مطلقا إلى أوروبا أو إلى غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا. 3- خصوبة النسل البشري لدى المسلمين ما جعل قوتهم العددية متزايدة". ثم قال: "إذا اجتمعت هذه القوى الثلاث فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة وتوحيد الله وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزايد عددهم، كان الخطر الإسلامي خطرا منذراً بفناء أوروبا وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله". ويقترح بول اشميد أن يتضامن الغرب النصراني شعوبا وحكومات، ويعيد الحروب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر، ولكن في أسلوب نافذ وحاسم، قال روبرت بين في مقدمة كتابه الذي سماه "السيف المقدس": "علينا أن ندرس العرب ونسبر أفكارهم لأنهم حكموا العالم سابقاً، وربما عادوا إلى حكمه مرة أخرى. والشعلة التي أضاءها محمد لا تزال مشتعلة بقوة، وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الشعلة لا تطفأ".
نعم إن الغرب الكافر يخشى عودة الخلافة التي ستضيء العالم بنور الإسلام وتبدد ظلام الرأسمالية، وتصنع التاريخ من جديد، لذلك يحذرون منها، ويعملون على محاربتها بشتى الوسائل والسبل الخشنة منها والناعمة وسيفشلون. قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله حسين (أبو محمد الفاتح)
منسق اللجنة المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان