- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مكافحة المخدرات واجب ديني قبل أن يكون أخلاقياً
بلغ حد الإدمان في السودان أن يقدم بعض المدمنين على حقن أنفسهم بدماء متعاطين آخرين لو تعذر الحصول على جرعة مخدر الآيس، فالآيس أو كريستال أوميت أو الشابو كلها مترادفات لمخدر الشيطان المصنف من أقوى المخدرات تأثيراً على العقل في العالم، ويأتي بشكل مسحوق أو بلورات كريستالية ويتم استنشاقها أو تدخينها أو حقنها عبر الوريد، ويقدر الواحد جرام من هذا المخدر بمبلغ 50 دولارا أمريكياً!
أما سعر الجرام الواحد من المخدر بما يقابله من العملة المحلية في السودان فيتراوح بين 20 إلى 30 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 50 دولارا أمريكيا، والجرام الواحد يكفي لثلاث جرعات، يستهلك في أقل من أسبوع تكفي بضع جرعات منه للوصول إلى ذروة الإدمان. (قناة العربية نت، 2023/1/19م).
كشفت مبادرة عوافي العاملة للتوعية ضد مخاطر المخدرات في السودان عن تقارير رسمية للعام 2021م، أظهرت دخول 13 ألف حالة إلى مركز علاج الإدمان، وأشارت إلى أن الإحصائيات تبين أن أعمار المترددين إلى المراكز تتراوح بين 14 إلى 24 عاماً، ما يعني أنهم تلاميذ في سن الدراسة. كما أوضحت شرطة مكافحة المخدرات عن ضبط كمية مخزنة في الحي الشرقي بمدينة عطبرة تقدر بحوالي 3,000 قندول من البنقو و199 حبة ترامادول مخبأة داخل براميل. (جريدة النهار العربي، 2022/02/20م).
يشار إلى أنه يتم ضبط أنواع عديدة من المخدرات في السودان، فيما يثني الخبراء المختصون لمكافحة المخدرات بكفاءة رجال المكافحة، غير أنهم يلفتون إلى أن المضبوطات تعادل 10% فقط من حجم المخدرات المعروضة فعلياً بالسوق!
وأشار الباحث الاجتماعي الدكتور محمد عدنان أن هشاشة الوضع الأمني تؤدي إلى انتشار مثل هذه الظواهر، فيسهل إدخال المخدرات والترويج لها وانتشارها في عدد من المدن السودانية، وقال للنهار العربي إن عدداً من دول الجوار صار مرتعاً لتجارة المخدرات مع ضعف المراقبة الحدودية، وتوتر الأوضاع الداخلية في السودان ما جعل هذه التجارة تجد طريقاً سهلاً لدخولها البلاد. (جريدة النهار العربي، 2022/2/20م).
فئات عمرية صغيرة انضمت إلى رقم المدمنين وهناك متعاطون في السابعة والثامنة خلافاً للعهود السابقة. (إندبندنت عربية، 2022/5/19م)، وبين الحين والآخر تصدر جهات رسمية وشرطية أخباراً عن كميات من الحبوب المخدرة والحشيش في مناطق مختلفة من السودان، غالبيتها تباع بواسطة شبكات إجرامية تنشط في تهريب وتخزين وتوزيع أنواع خطيرة من الحشيش والترامادول والآيس أو الكريستال الأكثر رواجاً واستخداما، وتسبب انتشاره داخل المدارس والجامعات بصورة كبيرة إلى قيام ورشة في شهر شباط/فبراير من العام المنصرم للحديث عن الحد من ظاهرة انتشار المخدرات، قال وزير التربية والتعليم "إنها لم تعد تأخذ شكلاً واحداً بل تعدد وجودها وأشكالها ما يزيد من خطورتها ويستدعي ضرورة اتخاذ تدابير إضافية لمنع انتشارها"، ودعا إلى التنسيق بين كل قطاعات الدولة لمحاربتها عبر خطط واضحة المعالم.
كما أشار استشاري الطب النفسي والعصبي وعلاج الإدمان دكتور علي بلدو إلى أن السودان أصبح مستقنعا لكثير من أنواع المخدرات، كما ظهرت منها أصناف حديثة؛ وهي المخدرات الرقمية التي زادت بشكل كبير ويتناولها الأشخاص عن طريق الأقراص المدمجة والفلاشات، وتؤدي إلى أعراض خطيرة للغاية تضيق التنفس والأزمات القلبية والتشنجات والوفاة، وفي حديثه عن الفئات العمرية المدمنة قال إن هناك فئات عمرية صغيرة انضمت إلى ركب المدمنين في عمر السابعة والثامنة وقال إن (حواء) السودان ولجت أيضا إلى عالم الإدمان من أوسع أبوابه، وأصبحت تشارك الرجال في هذا الاتجاه كتفا بكتف، وتفيد التقارير بأن تجارة المخدرات تأتي في المرتبة الثانية بعد تجارة السلاح.
أصبحت مشكلة المخدرات حالياً من أكبر المشكلات التي تعانيها دول العالم، في ظل قبضة النظام الرأسمالي. وتدعي هذه الدول محاربتها، لما لها من أضرار جسيمة على النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ولم تعد هذه المشكلة قاصرة على نوع معين واحد من المخدرات، أو على بلد معين، أو طبقة محددة من المجتمع، بل شملت جميع الأنواع والطبقات، كما ظهرت مركّبات جديدة لها تأثير واضح على الجهاز العصبي وبقية الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان، وارتبطت بجرائم الأخلاق من إجهاض واغتصاب وقتل، طال حتى الأطفال!! وظاهرة الاتجار بالمخدرات وتأثيرها الاقتصادي في العالم، وفي دول العالم الثالث بصفة خاصة التي يجري فيها تهريب المخدرات، حيث المجرمون في سعي دؤوب للعثور على طرق جديدة لتهريب المخدرات عبر الحدود. والمخدرات والجريمة وأطراف النزاع تاريخياً مرتبطة بالصراعات السياسية والنزاعات القبلية والحروب المحلية، فهي التي تسهل عبور المخدرات عبر حدود الدول، والتاريخ يشهد أن النزاعات تعمل على تسهيل طرق عبور المخدرات، وتحويلها كما حدث في البلقان في أوكرانيا، حيث تفيد التقارير السرية بأن المختبرات السرية المبلّغ عنها في أوكرانيا ارتفعت من 17 مختبرا مفككا في العام 2019م إلى 99 مختبرا في العام 2020م.
لقد حرم الله سبحانه وتعالى كل الخبائث، ولا شك أن المخدرات هي من الخبائث والمفسدات، ومن مزيلات العقل التي نهى عنها الله سبحانه ورسوله الكريم ﷺ؛ وقد وضح ذلك علماء المسلمين، قديماً وحديثاً حيث حرم الإسلام المخدرات، بأنواعها المختلفة، من حشيش وأفيون وكوكايين وحبوب، إلى غير ذلك من الأنواع المخدرة، التي تفقد الوعي، وتغيب العقل؛ لأنها تتعارض مع أحكام الإسلام، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأحكام والتشريعات معلومة لدى كثير من الناس ولكنها غائبة عن التطبيق العملي في الحياة لغياب السلطان الذي يجعلها موضع التنفيذ.
ومن هنا تظهر أهمية وجود دولة الإسلام؛ الخلافة، لحماية العقول وشباب الأمة، فبإيجاد الخلافة تشيع في المسلمين أحكام الفضيلة والعفة، ولكن إلى أن تقام يجب أن نسعى للعمل لها، كما يجب علينا نحن معشر المسلمين أن نعمل بالآتي:
أولاً: إشاعة قيمة التقيد بالحكم الشرعي فيما يُشرب أو يؤكل وكل مال يكتسب أو ينفق، وهذا في المجتمع وأفراده.
ثانياً: الأمر بالمعروف وعدم خرس اللسان أمام كل فعل فاضح لا أخلاقي يشيع الفاحشة والرذيلة، والعمل على فضحه وكشفه وتوصيله إلى الرأي العام ومتابعته حتى ينال من يروج له عقابه الرادع، وهو من باب إنكار المنكر.
ثالثاً: الضرب بيد من حديد على كل مسؤول له باع في انتشار المخدرات أو يعمل على التستر على من له علاقة بها وكشفه وفضحه للرأي العام حتى يردع اجتماعيا وملاحقتهم قانونيا.
ما ورد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون﴾. فقد نصت الآيتان على تحريم الخمر، وهو كل ما يخامر العقل، ويحول بينه وبين معرفته الأشياء على حقيقتها. ولما كانت المخدرات تشترك مع المسكرات، في كونها تخدر الجسم، وتغطي العقل، وتصرفه عن حالته الطبيعية؛ فإنها محرمة أيضاً، بالقياس على علة التحريم.
إن حكم المخدرات في السنة المطهرة ورد في سنن أبي داود، أن رسول الله قال: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». ويظهر من هذا الحديث، أن النبي، عَدَّ كل مسكرة خمراً سواء سميت بذلك، في لغة العرب، أو لم تسم به. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: «كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» (رواه أبو داود). والخمر يغطي العقل، وقد جمع الرسول؛ بما أوتي من جوامع الكلم، كل ما غطى العقل، وأسكر، ولم يفرق بين نوع ونوع. ولا عبرة لكونه مأكولاً أو مشروباً.
وعليه فالواجب علينا أن نعمل بوصفنا مسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية مطبقة في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. أحمد محمد (أبو شهد) – ولاية السودان