السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

العقل والإيمان

 

 

أصبحنا نسمع كثيرا من المسلمين عامة والشباب خاصة أسئلة مثل: إن كان كلّ شيء موجود في هذا الكون لا بدَّ له من موجِد يوجده وهو الله سبحانه فمن أوجد الله؟

 

وللإجابة على هذا السؤال العقلي بزعمهم، لا بدَّ لنا أولا من تعريف العملية العقلية (التفكير)؛ فالتفكير هو نقل الواقع المحسوس إلى الدماغ عن طريق الحواس ومعلومات سابقة يربط الدماغ الصالح للربط بينها وبين الواقع ويصدر حكما على الواقع. (كتاب التفكير للشيخ تقي الدين النبهاني، بتصرف)

 

وبهذا يتبين لنا أن العملية العقلية لها أربعة أركان أساسية (الواقع، الحواس، المعلومات السابقة، الدماغ)، ولنثبت كلَّ ركن من أركان العقل بمثال:

 

1- فلو سألتكَ عن الموضوع الذي يتحدث عنه كتاب موجود في غرفتي بالمنزل، فالعاقل لا يجيب لأنه لم ير الكتاب فغاب هنا واقع التفكير.

 

2- أما عن الحواس فلا منطق في سؤال شخص أعمى عن لون الكتاب فلن يعرف لأنه قد غابت عنه حاسة البصر.

 

3- وأما المعلومات السابقة فلو أحضر لك شخص كتابا باللغة الإسبانية لتقرأه فلن تقدر لأنك لا تعلم الإسبانية، وهذا يثبت أهمية المعلومات السابقة في عملية التفكير.

 

وبهذه الأمثلة يتضح لنا أنَّ العقل لا يمكنه التفكير إذا غاب عنه أحد أركانه (الواقع، الحواس، المعلومات السابقة، الدماغ). ومن التعريف السابق يتبين لنا أنّ عقل الإنسان محدود لأنّ جميع أركانه محدودة؛ فنجد أنّ العقل محصور في الواقع وهو الكون والإنسان والحياة. وأما الله سبحانه وتعالى فذاته وراء الكون والإنسان والحياة، فلا يوصف بأنه عاقل من يحاول التفكير في الله سبحانه وتعالى بالعقل فقط، فقد أعطانا الله سبحانه وتعالى العقل لنتدبر آيات الله، ويتضح ذلك في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾، والتدبر إنما هو أعلى مستوى من مستويات التفكير؛ فالتفكير إما أن يكون سطحيا مثل أن يقول قائل إذا سخنت الماء يغلي، أو عميقا كأن يقول إن الماء يغلي عند درجة حرارة 100 مئوية بسبب زيادة سرعة جزيئات الماء لاكتسابها طاقة، كالذي يدرس في الجامعات والمدارس ونحوها. وأما التفكير المستنير (التدبر) فهو التفكير في المادة وما حولها؛ فغليان الماء عند هذه النسبة المحددة (100 مئوية) إما أن تكون هذه النسبة جزءاً من المادة أو أن تكون مفروضة عليها، أما كونها جزءاً من المادة فغير صحيح لأن درجة الغليان مرتبطة بالضغط الجوي الذي يكون فيه الماء، ففي أعلى قمة الجبل حيث الضغط يساوي نصف الضغط الموجود في مستوى البحر يبدأ الماء في الغليان عند خمس وثمانين درجة مئوية فقط. إذاً فهي مفروضة على المادة ولا بدَّ من فارضٍ لها وهو الله سبحانه وتعالى. وبالتدبر في الكون نجد أنَّ الكون يسير ضمن نظام لا يحيد عنه، وهذا النظام ليس جزءاً من الكون بل هو مفروض عليه، فلا بد من فارض لهذا النظام وهو الله سبحانه وتعالى.

 

فإدراك أثر فعل الخالق قطعي لا ينكره عاقل، فالإنسان لم يخلق نفسه ولا عضوا من أعضائه ولا يستطيع أن يغير شيئا من خواصه، فهو يجوع ويشعر بالعطش ومعدته تهضم الطعام وكبده ينقي السموم وكل عضو يقوم بعمله منذ ولادة الإنسان دون إرادة منه.

 

فهذا وغيره من الآيات الكثيرة تدل دلالة قطعية على وجود الخالق، وإن لم ندرك ذاته. فنحن نؤمن بوجود الجاذبية إيمانا قطعيا ولم نرها، فقط أدركنا أثرها... فوجود مدبر للكون أمر قطعي، وعدم إدراكه يجب أن يكون من مقويات الإيمان وليس من عوامل الارتياب والشك لأن وجوده قطعي وعدم إدراكه ليس معناه أنه ليس موجودا لأن دليل وجوده قطعي، بل إن عدم إدراكه دليل على عجز ومحدودية الإنسان.

 

ولهذا فإن قولهم كل موجود له موجد فمن أوجد الله، قولٌ باطل متناقض لأن إثبات الألوهية يقتضي أن الله هو الخالق وأنه ليس مخلوقا لأنه لو كان مخلوقا ما كان خالقا، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الرحمن شاكر – ولاية مصر

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع