الثلاثاء، 22 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

تحويل مآسي الناس إلى مادة للفكاهة والسخرية هو النكاية والمأساة!

 

 

من طرائق أنظمة زمن الانحطاط في تصريف فواجعنا ومصائبنا جراء شنيع خيانتها لأمانة الحكم وقبيح فساد رعايتها التي اكتوى بها الناس، تحويل مآسي الناس لملهاة ومادة للفكاهة والضحك، والحقيقة المبكية أن في هكذا هراء وتفاهة قتلاً للقضايا الحارقة الجادة بل وأخطر منها قضايا الأمة المصيرية وتعمية على الحاكم الجاني المجرم.

 

فعندما تكون المأساة بحجم مأساتنا إبادة وقتلا وتنكيلا وتعذيبا وتشريدا وحربا على إسلامنا وفتنة في الدين وزرعا لصنوف الفتن وتجويعا وتفقيرا ونهبا للثروات واستعمارا أسود وطغيانا وظلما وعتوا وفسادا وإفسادا وتجهيلا وتضليلا، تصبح معها تفاهة وسفاهة السخرية والتنكيت والتهكم من هكذا مأساة تسفيهاً للعقول وتبليداً للإحساس وشلاً للحركة، فيكون حقيق هذا الهراء والسفالة أنه شق من حرب ناعمة على عقول الناس وقلوبهم ومعركة ضد الوعي وحملة في تضليل الرأي العام وحرف بوصلته.

 

فصناعة الفكاهة والسخرية والتنكيت من المأساة هي سياسة أنظمة الحكم وهي جد الجد لهذه الأنظمة في الحفاظ على منظومة الحكم الفاسدة والحاكم الفاسد وحتما ليست دعابة ولا ضحكا. فعندما يكون موضوع ومادة الفكاهة والسخرية والتنكيت هي المأساة السياسية الحارقة، نكون حينها أمام منهج سياسي في تحويل مشاعر الناس وتلاعب بمزاج الجماعة وتحوير وتزييف للرأي العام خدمة لصاحب السياسة والمنهج والحكم.

 

فالفكاهة والسخرية والتنكيت هو خطاب للغرائز واستدعاء لمشاعرها عبر إفراغ مشحونها من الاحتقان والتذمر والغضب وإرهاصات الثورة والتغيير في الشعور المعاكس والمناقض؛ الضحك الذي يستبطن خمول السلوك وكسل الحركة وبلادة الإحساس تجاه المأساة، على عكس الغضب والتذمر الذي يستبطن إرهاصات حافز الثورة والتغيير.

 

فمن الطبيعي أن تحصل من جراء الأزمات والمصائب هزات عنيفة تلهب الأحاسيس وتوقظ الفكر، ومعها تدب الحيوية الفكرية في فهم ذلك الإحساس الجماعي المشترك من هول المصيبة، ويكون السؤال الطبيعي في الأسباب والمسببات لهكذا مأساة والحلول والآليات والوسائل، وهذه الحيوية الفكرية تستدعي حالة وأوضاعا جدية صارمة تتناسب مع حجم المأساة وحدية في القصد تنفي معها مشاعر اللهو واللغو، فما رأينا قط مريضا بخبيث السرطان يتلوى من الضحك من شدة ألمه.

 

فلوقع الأحداث الحارقة وعِظَم مصائبها وازدحامها وتراكمها وقع على النفوس والعقول في تحرير طاقاتها الكامنة من أغلالها وتصريف ردات فعلها مشاعريا وفكريا وسلوكيا بالنسبة للعامة غضبا وتمردا وإنكارا لمنكرات المفسدين من الحكام، وفعل تفكير عميق وعمل على التغيير بالنسبة للساسة المبدئيين والعلماء المخلصين والفقهاء الربانيين لقيادة الناس لتغيير منكرات الحكام المفسدين.

 

فتحويل المأساة إلى ملهاة والجد إلى هزل والقضايا المأساوية الحارقة إلى مادة هراء ساخر هو منهج وصنيع أنظمة الفساد في قتل القضايا ووأد التفكير واستهلاك تلك الطاقات المتحفزة للثورة والتغيير وحرقها في أفران هراء وتفاهة السخرية والفكاهة والتنكيت. فهذه الأنظمة الفاسدة لم تبتكر جديدا بل هي سائرة بحسب وظيفتها الاستعمارية على درب سياسة الغرب في ترويض الشعوب والتلاعب بالمشاعر والعقول، فمن الجهد الفكري المظلم النكد في ثقافة الغرب فرع في علم اجتماعه وهو علم النفس الاجتماعي أو ما يعبر عنه بسيكولوجية الجماهير وموضوعه هو في كيفية السيطرة والتحكم وقيادة الجماهير بأساليب ووسائل خفية خبيثة، والغاية خدمة الطبقة الحاكمة المتنفذة. فالفكرة من بنات الثقافة الغربية، والأسباب الموجبة لها هي افتقار المنظومة الغربية في شقيها الكنسي والعلماني لعناصر وأسس الانقياد الطوعي الذاتي للمنظومة والنظام، افتقارها لتلك العقيدة العقلية الموافقة للفطرة التي ينتج عنها ذلك الإيمان الصادق والانقياد الواعي الطوعي الذاتي، وذلك الذي جعل المنظومة الغربية تستدعي وسائل الإكراه والقمع والأساليب الخبيثة الخفية في التلاعب بالمشاعر والعقول، وهذه الأنظمة الفاسدة في بلادنا هي صنيعة الاستعمار وتبعا لمنظومته العفنة فهي تعتمد الأدوات والوسائل والأساليب نفسها في السيطرة والتحكم.

 

فهناك أدوات القمع والقوة الصلبة في قهر الجماهير والسيطرة والتحكم، وهناك وسائل وأساليب التلاعب بالعقول والمشاعر والقوة الناعمة للسيطرة والتحكم، ومن وسائل وأساليب القوة الناعمة نشر التفاهة والسفالة باسم الترفيه والسخرية والضحك، ويوظف هذا الهراء الساخر على مستويات عدة في الحرب الفكرية والنفسية والتلاعب بالمشاعر والعقول، فيوظف كقنطرة لتمرير طرائق حياة الغرب المتفحشة المنحلة وأفكار ومعايير وأحكام كفره من طرف خفي خبيث، وكأنها مجرد هزل وفكاهة لامتصاص الصدمة والاصطدام بعقيدة الإسلام وأحكامه وتليين المواقف وتدجين النفوس ونسج خيوط التعايش والتأقلم ثم التطبع مع كفر الغرب وقبائحه، ويوظف كذلك هذا الهراء الساخر في حرف وحرق المشاعر وتبليد الإحساس وقتل القضايا وشل التفكير عبر تحويل المأساة إلى ملهاة والقضية إلى مادة فكاهة وسخرية، والنكاية أن هذا الهزل والهبل هو جد الجد وحد الحد في التلاعب بالمشاعر والعقول في الحرب الحضارية المستعرة نيرانها ضدنا.

 

فهذا الهراء الساخر في مسخ المشاعر والعقول هو من أمضى أسلحة الحرب الفكرية والنفسية، فهو يستهدف الكل ودائرة فعله تتسع للجميع، فخطورة الخطاب الغرائزي في نفاذه لكل الناس عاميهم وعالمهم فاجرهم وبرهم كبيرهم وصغيرهم، فالغريزة هي الغريزة في كل البشر، وشناعة هذا الهراء الساخر هي في مسخ المشاعر وإثارة الغرائز وتحويل المأساة إلى ملهاة ومادة ضحك وتفكّه، فيكون الضحك زمن الغضب والاستكانة زمن التحفز والغفلة زمن اليقظة والخنوع زمن التمرد والخضوع زمن الثورة، وهو أشد وأشنع من المأساة نفسها فهو ذلة الخنوع وهوان الاستعباد.

 

فهذا الهراء الساخر الذي يملأ القنوات والمواقع هو الأسلوب الناعم والمنهج السياسي المعتمد من طرف المركز الغربي وأطرافه من أنظمة الوظيفة الاستعمارية ببلادنا، في ترويض الجماهير والإمساك بخطام الرأي العام للحفاظ على المنظومة والنظام الاستعماري ولاستمرار الجماهير في الانقياد لعصابة الحكم المتنفذة. فظاهرة دريد لحام ببلاد الشام وعادل إمام بأرض مصر وأشباههم في التفاهة ببلاد المغرب بالأمس واليوم وكلهم من أدوات الدوائر السفلى لأنظمة العمالة المفلسة في قتل قضية التغيير وتنفيس الاحتقان والتعايش مع خراب الأنظمة الفاسدة المفلسة كلها شواهد. فحتما ويقينا أن هذا الهراء الساخر لن يزيل كارثة ولن يوقف المأساة ولن يرهب الكافر المستعمر ولن يحرر شبرَ أرضٍ ولن يزعزع عرش خائنٍ عميل، ولن يرفع فقرا ولا غلاء ولن يوقف السقوط إلى هاوية هذا النظام العالمي الغربي الغاشم العقيم.

 

فهذا الهراء الساخر بكم وبمآسيكم هو فصل من الفصول الكثيرة المتشعبة للحرب الفكرية والنفسية لعدوكم الغرب الكافر وأدواته من أنظمة الخيانة والعمالة، في قتل قضية التغيير والتحرير وتغذية البذرة الخبيثة للاستكانة والخنوع للاستعمار وأنظمته. هي حرب الوعي دوما وأبدا، سلاحها كلمة تخلقت فكرة فمفهوما فسلوكا، وما كانت كلمة الغرب الكافر إلا كفرا وجحيما، وها قد صاغها لنا بأسلوب الفكاهة والهزل ليخفي سواد كفرها وشنيع قبحها، ثم رمانا بها بعد أن كناها لنا سخرية سوداء وهي لعمرك الكفر الأسود.

 

إن هذا الهراء الساخر هو حقيق تفاهة وسفالة هذه الأنظمة الخائنة المفلسة، التي تُدفع من ديننا ودمائنا وأعراضنا وأموالنا، فما شهدنا زمنا أشد وأقسى نكبا من زمن رويبضات حكام زماننا، حياتنا مقفرة مظلمة مثخنة بالدماء والبؤس والشقاء، ديارنا كل ديارنا ساحة قتل وغصب ونهب.

 

يا أبناء الإسلام: مأساتنا جد الجد فذلك السيل الأحمر الجارف هو حقيق شلال دمائكم المسفوكة بغزة هاشم والشام وتركستان الشرقية وبورما وطرابلس الغرب واليمن والسودان... وذلك الصوت المفزع هو عذابات واستصراخات ذويكم للبقية الباقية من إسلامكم، بالله عليكم كيف لمن كان هذا حاله ومأساته بل مآسيه تذهل منها العقول أن يضحك ويتفكّه ويسخر وأنكى منها أن تكون سخريته من مأساته؟!

 

يا أبناء الإسلام: هو جد إسلامكم العظيم وصدق إيمانكم يستدعي حقيق غضبكم في الله وتمردكم وثورتكم على انتهاك حرمات الله، فوالله ما أبقت لكم إبادة غزة من هزل فالجد الجد والبدار البدار لنسف سفاهة وتفاهة أنظمة الخيانة والعار وقطع دابر الاستعمار وإنهاء مأساتكم في تعطيل شرع ربكم واستباحة بيضتكم، باستعادة سلطان إسلامكم العظيم واستئناف حياتكم الإسلامية حياة عزكم وجدكم وصلاح أمركم.

 

 

وكفى بذكر الله فصلا وحكما بين الجد والهزل ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع